صورة أرشيفية

صورة أرشيفية


القديم زاد حلاوة.. «أزياء التراث» موضة وهويّة وتميز

كتبت- آية إيهاب:

لم تكن مشاهدة الأزياء التراثية في الشارع المصري مشهدًا مألوفًا، لكن خلال العامين الماضيين أصبحت رؤية الأزياء التراثية على الفتيات أمرًا عاديًا.

بالطبع لا تعود الأزياء بشكلها التراثي المعتاد، بل ما حدث هو دمج هذا التراث بالاستايلات الجديدة، ما خلق ثراءً ملحوظًا في الآونة الأخيرة في الزي المصري، الذي لم يعد يلجأ فقط لتقليد بيوت الأزياء العالمية، بل صار يأخذ من تاريخه، ويعيد إحياء هذا التاريخ عبر الرداء، الأمر الذي يعد جديدًا على ساحة الأزياء المصرية التي طالها الركود في الأفكار منذ سنوات كثيرة.

لكن هل يعني هذا انتعاش جديد من خلال دمج الهوية المصرية بالحداثة لإضفاء طابع يتميز بنا، وكذلك يخلق لمصر طابعًا مُصدرًا للأفكار بعد أن كان مستوردًا فقط؟ وهل هو مجرد انفجار لموضة ستزول، أم أنها بداية مختلفة تمامًا ظهرت في الأفكار المصرية، وستشهد نموًا في المرحلة المقبلة لا اختفاء؟

بداية الاستلهام


توضح شيم الجابي، وهي مصممة أزياء تراثية، وتعمل في هذا المجال منذ عام 2009 لـ«شبابيك»، كيف كان الإقبال عليها هادئا منذ البداية، حتى اتجهت الموضة العالمية نفسها إلى استلهام التراث في الملابس منذ عام 2013.

تقول: «لكل منطقة ريف خاص بها وهو الذي يستلهم منه الأفكار التراثية، فتم استخدام موضة الكاشمير، والورود، وغيرها داخل الأزياء المعاصرة».

وتؤكد «الجابي» أن التراث العالمي هو تراث واحد في الأصل، فالسيرما موجودة في الهند وسوريا ومصر، وكل واحدة لها شكلها، كما أن الوردة الفلاحي هنا في مصر لها مثلها في الصين واليابان وانجلترا، مُرجعة ذلك إلى أن التأثير الثقافي للاستعمار العثماني، الذي ترك آثاره، فضلا عن تأثره.. «وهكذا تم تبادل التراث من خلال الملبس».

وعن فكرة التبادل هذه، تعطي «الجابي» عددا من الأمثلة التي صارت مؤخرًا من استلهام التراث المصري في الخارج، حيث كان آخر عرض فاشون من «كلويي»، وهو أحد أهم عروض الأزياء في العالم،  يستخدم «التوب الأبيض» السيوي، كما قامت المغنية الشهير «آديل» بارتداء «التوب الأسود» الخاص بالعروسة.

وترى «الجابي» في ذلك مزيدا من الفائدة تعود على التراث، قائلة: «أحب هذا المزج التراثي، فهو يقوم بالدعاية لتراثنا في الخارج، ويلفت أنظار الغرب إلينا، كما يمكن أن نستفيد نحن من استخدام تراث الخارج مثل البنجابي والساري الهندي، والقفطان المغربي».

انتشار

وحول انتشار التراث داخل مصر، تلفت «الجابي» إلى أن شراء الملابس التراثية ليس قاصرًا على المصريين وحدهم داخل مصر، حيث يشتري الملابس داخل مصر العرب والأجانب، كما تحكي قصة تعاقدها مع الشيف أماني رفعت فتقول: «تعاقدت مع قناة سي بي سي سفرة لمدة أربع أعوام في تنفيذ أزياء للشيف أماني رفعت وهو الأمر الذي حقق الكثير من الرواج للملابس التراثية، سواء داخل مصر أو في الخارج من خلال ما ارتدته أماني رفعت على التلفاز.

الشيف أماني رفعت في احدى حلقات برنامجها

كما تبين «الجابي» أن ارتداء الملابس التراثية عليه كثير من الطلب للسيدات اللاتي يجدن أنفسن يمثلون مصر من خلال السفارات، أو اللاتي سيتم تكريمهن في إحدى الحفلات بالخارج، ويفكرن في ضرورة تمثيل مصر بالشكل اللائق، فيخترن ملابس تعبر عن الهوية المصرية، تأكيدًا منهن على افتخارهن ببلدهن، وهو ما يعتبر أيضًا بالفعل لافتًا للأنظار، سواء أنظار أهل البلد الذين يزداد افتخارهن بملابسهم، أو الخارج الذي يُعجب بهذا الانتاج المحلي. وهو ما يضعها في منافسة دائمًا مع نفسها، ورغبة في الاتيان بالجديد والأجمل بحسب تصريحها.

عوامل الانتشار

هناك عدة عوامل كانت سببا كبيرا في الانتشار الذي طغى على سوق الأزياء المصري. وتوضح مصممات أزياء لـ«شبابيك» العوامل التي جعلت الأزياء التراثية بداية موضه يمكن احيائها إلى ملابس منتشرة بكثافة في السوق، وترتديها أغلب الفتيات المصرية.

  • عودة للهوية

تُعد أولى العوامل المؤثرة في هذا الانتشار هي الرغبة في العودة للهوية، وتؤكد مصممة الأزياء والاكسسوارات أميرة بهاء، أن تلك الموضة ستكون عودة بالفعل للهوية، قائلة «بدأنا في تصدير أفكارنا إذ أن أحدث تصميمات دولتشى أند جابانا استلهمت بالفعل التراث الفرعوني الذي يخص تاريخ مصر، فنحن بالفعل قادرين وبقوة على تصدير أفكارنا للغرب، خاصة التراثية منها، إذا عملنا على ذلك جيدًا».

أما عن كيفية المزج بين القديم والحديث، توضح «بهاء»: «نمزج بشكل حديث من خلال قطع تراثية قديمة بالفعل لم تعد ذات أهمية بعد أن أصابها بعض التلف بشكلها الأصلي، فنطعم بها الملابس، ونحاول نحن كمصممين استخدام الشكل الحداثي للملبس بكل أشكاله الاعتيادية المعروفة من خلال مزجه بالأفكار القديمة حتى يأتي في النهاية منتج يمكن ارتدائه في العصر الحديث، ولكنه مازال يحمل التاريخ القديم».

وتضيف «بهاء» أن هناك كثيراََ من الأزياء التراثية يمكن استلهامها مثل البراقع السيناوية، والتراث الأفغاني، والعثماني، والإفريقي، بجانب المصري، وذلك لإعطاء تمازج أيضًا بين تلك الثقافات من خلال رداء واحد، أو اكسسوار يستلهم التاريخ أيضًا لإعطاء قيمة لهذا الجديد.

  • الاكسسوار بجانب الملابس

العامل الثاني لهذا الانتشار كان في جمال وأناقة الاكسسوارات المصاحبة والمميزة لهذا النوع من الملبس، حيث تشير «بهاء» إلى أن كثيراََ من قطع الاكسسوار القديمة يمكن تطويعها هي الأخرى وإعادة إحيائها كالعقد والأحزمة وغيرها، فنعيد القطع التراثية مع بعض الإضافات للزمن الذي نعيش فيه.

وتؤكد بنبرة حازمة: «القديم لا يبطل، القديم كلما توغل في القدم يصبح أجمل وتزداد قيمته، ولكن الأهم أن يكون معه مواكبة للعصر الحديث حتى يعطيني قطعة قيمة بالفعلŽ».

التقديم مهم


نغم منير، مصممة ملابس تراثية، تقول إن مصممي الملابس يهتمون بشكل خاص بدراسة هذه المجتمعات للخروج بأفكار جرئية وعصرية في الوقت ذاته، وذلك مثل ملابس البدو، الجلابية الفلاحي، الملس الصعيدي، والأزياء النوبية وغيرها، مشيرة إلى حبها بشكل خاص بالتراث الغجري في الملابس الذي تخرج منه بأفكار جديدة تمامًا في أزيائها.

توضح «منير» أن جزءا من استطاعة مصممي الملابس هو توصيل أفكارهم من خلال الفنانين الذين يرتدون هذه الملابس، وهو الأمر الذي يعد ثالث هذه العوامل المسببة للانتشار، مشيرة إلى أنها تعاونت مع الفنانة حنان مطاوع لعرض مجموعتها من قبل، وجاء اختيارها للفنانة حنان مطاوع بشكل خاص لأنها بحسب تأكيدها «تتميز بوجه مصري جميل و ذوق عالي، فهي كانت سعيده بأزيائي واكسسوارات أميرة بهاء، لأنها تحب كل ماهو شرقي وعربي وغجري من أزياء واكسسوارات».


 

وتضيف «اخترنا الاستايل الغجري لأنه يحمل ثقافة وتراثا ولأننا حريصون علي إحياء التراث وتجديد كل ماهو قديم ومزجه بالحديث، وكان مناسبًا جدًا وحاز على إعجاب الجميع؛ لأننا قدمناه بشكل مختلف يناسب الكثير من الأذواق». ولم يتوقف تعاون «منير» مع الفنانة حنان مطاوع فقط بل اشتركت أيضًا في عرض أزيائها مع الفنانة ندا موسى، والفنانة صفاء جلال.

بداية الشراء

بالطبع مع انتشار صور الفنانات، كان الكثير من الفتيات يستعلمن عن أماكن بيع هذه الأزياء التراثية، ولما كان في البداية شراء هذه الملابس من خلال بعض المنافذ الصغيرة، فطن الكثير من تجار الملابس إلى ضرورة العمل على استلهام هذه الأفكار، لتصبح مثل هذه الملابس في جميع منافذ البيع، حتى الصغير والبسيط منها، ولكن بالطبع بقطع تراثية غير أصلية بعكس ما يقدمه مصممو الأزياء المحترفين.

عن الرواج

نورهان ممدوح أنهت عامها الأخير بكلية التربية الفنية، تلك الكلية التي تعني بشكل خاص بالفنون بمختلف أنواعها لتخريج دفعة كاملة من مُعلمات الرسم، أو أي مجالات أخرى لها علاقة بالمجال الفني.. ولهذا «ممدوح» وزميلاتها يهتمن بشكل خاص بالفنون داخل حياتهن بما يحتويها ذلك من الملابس التي ترتدينها.

تحكي «ممدوح» قصة هذه العلاقة مع الملابس بشكل خاص، وتقول «بالطبع جرأة ارتداء ملابس جديدة من نوعها في البداية تصبح صعبة على الجميع، ما عدا الفتيات المهتمات بالفنون. نحن نتسابق أصلًا في ارتداء ملابس جديدة، هنا في الجامعة النيولوك الجديد ليس شيئًا مرفوضًا، بل كلما ارتدت إحدانا ملابس مختلفة لاحقتها الأعين، وفي بداية التحاقي بالجامعة لم أكن في الحقيقة أولي اهتمامًا بالملابس المختلفة، ولكن هنا تعلمت أن الاختلاف ليس نقمة أو شيئا يثير حولي الأزمات كما في الواقع، بل هذا يعني بشكل آخر التميز».

من وقت الكلية أصبح شاغل «ممدوح» عند اختيارها ملابس جديدة أو قطعة حُلي إبراز اختلافها وتجديدها عن البقية. تقول «أبحث في الملابس دائمًا عن المميز الجديد والجميل في الوقت نفسه، صارت تلفتني ألوانٌ جديدة، وكذلك أحبتت الملابس التراثية، فبجانب أنها تلتقي بهويتي المصرية، فإنها شكل جديد لم أألف عليه، وصرت كلما ارتديته أشعر أنني أبتعد عن الروتين، والملابس التي ظللت سنوات كاملة ارتديها، وأغير فيها بحسب قدرتي وأفكاري».

افتتان


 

أما شريهان أشرف، فهي تعمل صحفية ، وهي المهنة التي جعلتها تدور العالم، وتزور بعض الدول العربية، وتقول إن سر افتتانها بالزي التراثي على وجه الخصوص هو احتفاء العالم به، وتوضح أنها سافرت إلى تونس، ووجدت فيها اهتمامًا فائقًا بالزي التراثي، ما جعلها تقتني منه، وتضيف «في مصر هنا الجميع أُعجب بما أرتديه، وأكد أنه من أجمل ما ارتديتيه، لذا بات جل همي شراء زي تراثي يخص كل بلد أسافر إليها، وبالطبع لا يخلو اهتمامي من شراء الزي التراثي في مصر».

«أشرف» رغم عملها الصحفي، إلا أنها قامت مؤخرًا بالعمل كموديل لمصممة الأزياء التراثية نيرمين هيكل، وتحكي عن تلك التجربة فتقول: «سعيدة جدًا أن أقدم على هذه التجربة مع نيرمين هيكل، فبجانب حبي للأزياء أنا أحب الأزياء التراثية كما سبق وأوضحت، وأظن أن الملابس التي بها جزء تراثي مميزة فعلًا، وتترك تميزها على من يرتديها».

المصدر


  •  

شبابيك

شبابيك

منصة إعلامية تخاطب شباب وطلاب مصر