بنين وبنات بالأزهر عايزين الاختلاط: بقينا معقدين نفسيا
يُحدد نظام الدراسة في جامعة الأزهر قانون صدر قبل نصف قرن. للفتيات كليات ولأقرانهن من البنين كليات مختلفة بحسب قانون تنظيم الأزهر والهيئات التابعة له الصادر في عام 1961 بفصل الذكور عن الإناث في كليات غير مختلطة.
لكن الوقت تغير ويشكو بعضا من الجنسين العزلة والعقد النفسية فيما تجبرهم الحياة العملية على التعامل وجها لوجه، بل والاشتراك في تدريبات وورش، ما أدى بالبعض منهم للمطالبة بالاختلاط في الجامعة.
فلماذا لا تلتفت الجامعة لما سيسببه عدم الاختلاط بعد التخرج؟ وهل تضر طلابها بهذا الفصل؟ ولماذا لا زالت تلتزم بأعرافها القديمة؟ وهل سيسعى الطلاب بقوة الخروج عنها؟
جعلونا مُعقّدين
طلاب وطالبات تحدثوا إلى «شبابيك» في هذا التقرير طالبوا بالاختلاط في تصريح علني غير مسبوق ترفضه الجامعة وأهاليهم ممن اختاروا لهم هذا النوع من التعليم وهو لا يقر الاختلاط بين الجنسين. يبرر هؤلاء توجههم بأن سوق العمل والحياة خارج أسوار الجامعة تجبرهم على معاملة الجنس الآخر.
الطالبة بكلية الدراسات الإسلامية، آلاء خالد، تطالب بأن تتيح الجامعة للطالبات اكتساب خبرة التعامل مع زملائها من الطلاب بداية من الجامعة دون أن ينتظرن حتى يجبرهن سوق العمل على ذلك، وتتسائل: ما الفارق بين الكورسات والورش التدريبية التي تجمعهم بالبنين والدراسة بالجامعة؟
الطالبة بكلية التجارة (شعبة اللغة الإنجليزية) سارة مجدي، تُرى أن من فوائد الاختلاط عدم وجود صعوبة في التعامل مع زملاء العمل بعد التخرج، مشيرة أن هناك بعض الفتيات يعانين من الانطوائية في العمل، والبعض الآخر يواجهن أزمة في التعامل مع أزواجهن أو حتى في فترة الخطوبة.
الطالبة بشعبة الصحافة والإعلام بكلية الدراسات الإسلامية للبنات، أسماء رياض، تقترح أن تبدأ الجامعة بتعديل وضع فصل الطلبة عن الطالبات، وترى الحل في أن تقيم الجامعة ملتقيات شهرية لطلبة الكليات المتناظرة للبنين والبنات.
تقول «أسماء» إنها وكل الطالبات يحتجن لخبرة التعامل مع الجنس الآخر والتعرف على خبرات الطلاب من البنين من نفس الفئة العمرية. وتؤكد أن هناك حالة من الانغلاق والشعور بالعزلة تعيشها الطالبات.
نفس السبب دفع بعض الطلاب من البنين للقبول. يقول الطالب بكلية التجارة، أحمد ناجي «إحنا كطلاب الأزهر بقينا مُعقدين من الجنس الآخر».
حل جديد وضعه الطالب بالفرقة الثالثة بكلية الإعلام، صلاح أحمد، بأن يتم تطبيق الاختلاط في الكليات التي تُدرّس العلوم الإنسانية دون العلوم الشرعية، لافتا أن سوق العمل يجبر خريجي تلك الكليات على التعامل مع الجنس الآخر.
لا للاختلاط
لكن طلاب وطالبات آخرون يرفضون الاختلاط بصورة قاطعة، ويرون أن عدم الاختلاط سد للذريعة المؤدية للفتنة، بل ونعمة تستحق أن تحسدها بقية الجامعات عليها.
الطالبة بالفرقة الأولى بكلية الدراسات الإسلامية، خلود الريس، تقول إن انعزالهن عن البنين يعطيهن راحة أكبر في التعامل فيما بينهن، مؤكدة أن الاختلاط سيثير أزمة لرؤيتها أن طلاب الأزهر من البنين لا يعرفون كيف يتعاملون مع الفتيات.
وأرجعت الطالبة بالفرقة الثالثة بكلية التجارة، إسراء عبد العال، رفضها إلى التجاوزات التي قد تنتج عن الاختلاط، قائلة «البنات مش بيلتزموا بحدود الاختلاط، أنا مثلا كنت في جامعة القاهرة ولقيت الولاد والبنات بيلعبوا مع بعض وبيجروا وبيخبطوا في بعض، وبنات ماشيين يهزروا مع الولاد بالأيدي عادي».
ويُحرّم الطالب بالفرقة الأولى بكلية الدراسات الإسلامية للبنين محمود سعيد، الاختلاط، مؤكدا أن التعامل مع الفتيات هو سبب المفاسد. وأضاف «المرأة ليس لها الخروج من البيت ودورها قاصر على تربية الأبناء، بدليل قوله تعالى (وقرن في بيوتكن)».
الاختلاط والدين
«إذا كان في الفقه ما يسمى بسد الذرائع فهناك ما يسمى بفتح الذرائع إذا كان الشئ يحمل إيجابيات وسلبيات ولكن إيجابياته أكثر». هكذا رد المفكر الإسلامي، وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، الدكتور محمد عمارة، على من أفتوا بتحريم اختلاط الرجال بالنساء في لقاء تليفزيوني سابق.
وتعرف الدراسات في الشريعة الإسلامية الاختلاط بأنه لقاء أو مقابلة أو مشاركة النساء للرجال، وإن كانت النصوص وضعت أحكاما قاطعة بجواز الاختلاط بالمحارم وتحريم الاختلاط بالأجانب «الغرباء» بهدف الإفساد، إلا أنه اختُلف في اختلاطهن بالأجانب في مكاتب العمل ودور العلم وفي الحياة اليومية عموما.
وشدّد «عمارة» على أن الإسلام لا يحرم غير خلوة الرجل بالمرأة بصورة غير شرعية، مشيرا إلى أن الفصل في مسألة المفاسد والمصالح يكون بالموازنة بينهما والحكم على أساس الأكثر منهم.
واستنكر رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، يوسف القرضاوي الادعاء بأن حبس المرأة في بيتها وحجبها عن الرجال مما نادى به الدين، مؤكدا أنه ليس محرما والأكثر من ذلك أنه مطلوب إذا كان الهدف منه عمل يتطلب التعاون المشترك بينها، مستدلا بالمواطن التي شهدت اختلاطا في عهد النبي، حتى في الحياة الاجتماعية وليس في أمور الدين فقط.
وأجمل «القرضاوي» ضوابط الاختلاط في الإسلام في الالتزام بغض البصر، واللباس الشرعي المحتشم من جانب المرأة، وتجنب كل ما من شأنه أن يثير ويغري من الروائح العطرية، وأن يكون اللقاء في حدود ما تفرضه الحاجة، وما يوجبه العمل المشترك دون إسراف.
لن نتحول لنادي اجتماعي
قال عميد كلية الدراسات الإسلامية بالخانكة، الدكتور محمد عبدالعاطي، إن تبني تطبيق الفصل بين الطلاب والطالبات منذ المرحلة الإعدادية وحتى نهاية الدراسة الجامعية، يأتي من باب «درء المفاسد مقدم على جلب المصالح».
وعدّد «عبد العاطي» من بين المفاسد الذي تمنع الجامعة لأجله الاختلاط، ظاهرة الزواج العرفي في الجامعات، والارتباط غير الشرعي، مضيفا «البنات متبقاش رايحة الجامعة علشان تتعلم دي بتروح علشان تقعد جنب صاحبها أو تشاغل واحد علشان يخطبها».
ووصف الجامعات المختلطة بالنوادي الاجتماعية للخطبة والزواج، لافتا إلى أن تلك الممارسات تتنافى مع مقاصد العلم، وقال: «دار العلم مكان مقدس وطلابه تحفهم الملائكة، فيذهب كل ذلك سدى عندما نجعل الجامعات المصرية نوادي اجتماعية».
وأكد لـ«شبابيك» استحالة تغيير الجامعة لقرارها، قائلا: «هو دا النظام الذي ارتأته الجامعة ولو اتغير مش هنبقى جامعة الأزهر».
ومع إقراره بإباحة الاختلاط في الإسلام، رد أستاذ الفقه المقارن بالجامعة الأزهر، الدكتور سيف قزامل، بأن الالتزام بأخلاقيات الاختلاط سيزيل تلك الآثار السلبية.
الجامع الأزهر يبيح الاختلاط
في الوقت الذي يرفض فيه قيادات بالجامعة مبدأ الاختلاط، يُخصص الجامع الأزهر قاعات لدراسة علوم اللغة العربية والشريعة الإسلامية تحمل اسم (الأروقة) يجلس فيها الذكور والإناث معا يتلقون الدروس وشرح أمهات الكتب على يد علماء أزهريين دون حرج أو اعتراض أحد.
فكر عقيم
وصف استشاري الطب النفسي، الدكتور جمال فرويز، سياسة الفصل بين البنين والفتيات في مراحل التعليم المختلفة بـ«العقيمة»، مشيرا إلى أنه سيتسبب لكل منهم بمشكلات نفسية نتيجة الشعور بالغربة عن الجنس الآخر.
ولفت أن النتيجة قد تكون الانغلاق وحصر التعامل في نطاق فئة الذكور لعدم القدرة على التعامل مع النوع الآخر، مؤكدا أن المشكلة الأكبر لعدم الاختلاط هي نظرة الرجل للمرأة على أنها عنصر جنسي فقط وكذلك العكس.
صدمة الطلاب بعد التخرج
خريج كلية الإعلام جامعة الأزهر، مصطفى حافظ، يقول إن طلبة الأزهر يعانون من الصدمة عند الخروح لسوق العمل، مؤكدا أن من يتعرض لتلك الحالة يحتاج لفترة كبيرة للتأقلم.
ويضيف «لما الطالب بيتخرج وهو مش متعود على التعامل معاهم (البنات) وبييجي مرة واحدة يتعامل معاهم بيحصل صدمة ممكن يكون ليها تأثير سلبي، تخليه يبتعد عنهم أو مبيعرفش يتعامل معاهم».
وأضاف أن تطبيق الدراسة المختلطة يجب أن يكون بداية من المرحلة الإعدادية، ولا يصلح أن يطبق في المرحلة الجامعية مباشرة بعد الفصل في المراحل السابقة، لافتا أن هذا الإجراء يلزمه توعية الشباب والفتيات بضوابطه وأخلاقياته.
ويقول خريج كلية طب الأزهر علي الشريف إن نتائج التعامل مع الجنس الآخر في سوق العمل بصورة مفاجئة دون خبرة سلبية، مشيرا إلى أنها إما أن تؤدي إلى التعامل في أضيق الحدود ما يظهر صاحبه خائفا أو حادا، أو على العكس يفرط في التعامل الذي قد يفهم بصورة خاطئة على أنه اهتمام زائد.
ويضيف أن طلاب الجامعة بعد التخرج يعانون بعد اكتشاف كونهم يفكرون بطريقة أحادية من المنطلق الذكوري دون الأخذ في الاعتبار كيفية تعامل الفتيات مع نفس الأمور، مؤكدا ضرورة تبادل الخبرات بين الطلاب والطالبات في مرحلة الدراسة الجامعية.
وانتقدت خريجة كلية هندسة الأزهر منة ماجد من يرفضون فكرة الاختلاط، قائلة «لو موافقتش يبقى ممكن أقعد في البيت ومنزلش الشارع تماما وده حل مستحيل».
وأشارت إلى أن عملها التطوعي في الأنشطة الطلابية هو ما أعطاها خبرة التعامل مع الجنس الآخر قبل الدخول لسوق العمل، وتابعت «أنا بشوف إن البنت لازم تتعلم تبقى قوية وتعرف تتعامل وتاخد حقها وحتى لو حصل أخطاء هي أكيد هتعرف تصلحها».
وأكدت «منة» أن عدم الاختلاط سبب التصرفات التي وصفتها بالغريبة التي تقوم بها طالبات الأزهر عند التعامل مع الجنس الآخر، لافتة إلى أن الفتيات يتعاملن مع الأساتذة والمعيدين الرجال بصورة مبالغة، وتقول «لو معيد اهتم ببنت في دراستها بتعتبره خلاص هيروح يطلب إيديها، أو الدفعة كلها بتطلع إشاعة عن ارتباطهم».