أنت مستعجل قوي؟ طب أنت ليه كده؟

أنت مستعجل قوي؟ طب أنت ليه كده؟

لو أنت في عجلة من أمرك لقضاء حاجة ملحة، قد تتمنى لو أنك تقتل كل من يعطلك أو من ترى أنه السبب في تعطيلك؛ ربما يكون هذا الشخص صديقك، أو بائع في سوق تجاري، أو حتى الإنترنت البطيء. لكن لماذا نشعر بالضيق عندما يعطلنا أمر ما، وبمعنى آخر لماذا نحن غير صبورين؟

يوجد ما يسمى بمتلازمة العدوانية المرتبطة بالحركة، وتظهر بوضوح عندما تتعامل مع شخص بطيء الحركة أو التنفيذ، حيث وضع قسم علم النفس بجامعة «أوهايو» ما يسمى بمقياس متلازمة المشي بعدوانية. وهي أداة طورها عالم النفس ليون جيمس، وهي أن تراقب تصرفك وأنت تسير مسرعا بين حشد من الناس يبطئ من حركتك، وستلاحظ بدء علامات الامتعاض على وجهك وتود لو تقتل كل من يبطئك. يقول ليون جيمس عنها «تتمتع في هذه اللحظة بأكثر الأفكار عنفا».

ينعكس هذا على كل أشكال البطئ والتأخير في حياتك؛ مثل السائق البطئ، والإنترنت البطئ، وعامل التوصيل البطئ، وكلها أشياء تدفعك للجنون. ولكن لماذا؟ جانب منها لأن وتيرة المجتمع السريعة شوهت شعورنا بالوقت.

وجدت صفة الصبر وعدم الصبر عند الإنسان لغرض تطوري، فبحسب علماء المعرفة كانت بمثابة توقيت داخلي دقيق يوازن بين ما تقوم به من أشياء، ويخبرك على سبيل المثال أنك ارتحت كثيرا وبدأت تشعر بالجوع فلابد من الخروج للصيد، ويخبرك بأن هذه المطاردة فاشلة فتتوقف، ودونها لاستمر الإنسان في التركيز على نشاط واحد للأبد.

هذه الصفة تخبرك متى تبدأ فيما يفيد جسدك ومتى تتوقف عما لايفيده. ويقول مارك ويتمان، وهو طبيب نفسي بمعهد فرايبورج لعلم النفس والصحة النفسية، إن «الصبر وانعدامه كان ضروريا للإنسان في فترة من الفترات، فنفاد الصبر هو ما يؤكد أننا لم نمت في أثناء قضاء وقت طويل بنشاط غير مجدي، كأن يعطينا دائما الدافع لنتصرف».

لكن الجانب الجيد لها بمرور الوقت اختفى، ومع تحول إيقاع المجتمع الذي أصبح سريعا تأثر المؤقت الداخلي وخرج من منطقة التوازن التي كان يعمل عليها، وتطورت لدينا توقعات بأن المكافأة يمكن أن تأتي سريعا وليس علينا الانتظار. لذا نصاب بالغضب عندما نضطر للانتظار أو الإبطاء في أشياء يمكن انجازها أسرع من ذلك.

يشير علماء النفس والأعصاب إلى أن العلاقة بين الصبر والغضب تترجم إلى العلاقة بين الوقت والعاطفة، وهي علاقة معقدة للغاية. حيث يقول جيمس مور عالم الأعصاب بجامعة لندن، إن «الإحباط ينتج دائما نتيجة لفشل في التوقعات التي يتوقف عليها الكثير، فإذا توقعنا على سبيل المثال أن شيئا سيأخذ وقتا قصيرا وأخذ وقتا أطول يدفعنا ذلك للشعور بالإحباط، وكلما طال الوقت صرنا أكثر جنونا وغيظا».

ومن جانب آخر لم تعد فرصة ارتكاب الخطأ في الوقت الحالي متوفرة، فالمجتمع جعلك سريع وكأنك في سباق وعليك أن تربحه ولا مجال للأخطاء، فبحسب هارتموت روزا في كتابها «التسريع الاجتماعي»، زادت سرعتنا عن عصور ما قبل الحداثة بـ100 ضعف، كما تسارعت الاتصالات بـ10 ملايين ضعف وارتفعت سرعات نقل البيانات ملايين المرات، وهكذا.

وفي عام 1990 أجرى عالم النفس روبرت ليفين اختبارا لقياس سرعة خطوات البشر في 31 مدينة مختلفة حول العالم، وكرر التجربة عام 2000، فوجد أن معدل سرعة الناس أثناء سيرهم في الشوارع قد ارتفع عن التسعينيات بنسبة 10%.

وخلص العلماء إلى أن وتيرة الحياة السريعة مزقت لدينا صفات الصبر، وهو ما دعمته اختبارات أخرى أجراها علماء نفس واقتصاديون حول مدى تفضيل مجموعة من البشر لمكافآت سريعة لكنها قليلة أو الانتظار فترة أطول والحصول على مكافأة قيمتها أكثر، حيث اختار الأغلبية المكافأة السريعة ولم يفضلوا الانتظار للحصول على أكثر. وتشير نتائج الدراسة إلى أن البشر أصبحوا يميلون لتفضيل الحلول السريعة حتى لو لم تكن الأمثل.

عزت الدراسات ذلك إلى تعرضهم  لرموز تشير إلى ثقافة عدم الصبر أو التسرع كالأطعمة السريعة وتفضيل المنتجات الموفرة للوقت. هذا ما جعلهم يفضلون المكافآت السريعة في الاختبار. وتعتبر التكنولوجيا أحد المتهمين الرئيسيين في هذا، فكل ما يتعلق بالبطئ فيها مرفوض كليا وأمر يدفعنا للغضب، وبحسب «ويتمان» هذا من المسببات التي ساعدت على نفاذ قدرتنا على الصبر.

على سبيل المثال بعد زيادة سرعات الانترنت فإن السرعة لو عادت كما كانت عليه في عام 2004 فلن تتقبلها. وبالطبع لن نموت لو لم يتم تحميل صفحة الويب سريعا، لكن في الماضي كان يمكن أن نموت لو لم يحفزنا نفاذ الصبر على العمل لمواجهة الجوع مثلا. كما أن الناس يتوقعون أن يأتي الشيء خلال فترة معينة وعندما لا يأتي ينزعجون. هذا ما تفترضه عالمة الأنثروبولوجيا التطورية بجامعة هرافارد ألكسندرا روزاتي.


تسارع وتيرة المجتمع كان السبب الرئيسي في تعيين المؤقت الداخلي لدينا وجعلنا رافضين الاستجابة لكل ماهو بطئ ووضعنا في حالة من الغضب والاندفاع، وهو يختلف من شخص لآخر، لكن بشكل عام فالجميع في طريقه أكثر وأكثر إلى التسرع وعدم تحمل الصبر، كما يقول «ويتمان». وتشير الأبحاث إلى أن ذلك من الممكن أن يكون أسوأ، فأثناء تمشية تلك الفتاة مع صديقتها البطيئة في الشارع والتي جعلتها تعض على أناملها من الغيظ خوفا من التأخير، عندما وصلوا للمطعم وصلوا باكرا عن الموعد قرابة 10 دقائق، فعضت أناملها أيضا لهذا الوقت الذي ستنتظره. فحتى الوصول باكرا أمر غير مقبول لعقولنا وأجسامنا.

لكن لماذا يمزق الغضب المؤقت الداخلي لدينا؟

من المعروف أن إحساسنا بالوقت شخصي ومختلف عن بعضنا البعض، فقد يمر بسرعة لأحدنا ويكون بطئ لآخر، وتؤثر المشاعر القوية بشكل بالغ على إحساسنا به، وأنت تعي هذا عندما تكون سعيدا فإن الوقت يمضي بسرعة وعندما لا تكون فإن اليوم يمر كأنه أسبوع أو أكثر وعندما نكون خائفين أو قلقين فإن الوقت يتمدد، فالناس الذين يتعرضون لحوادث سيارات يمر الوقت لديهم ببطئ شديد، وتلك الفتاة التي تم حبسها في غرفة ضيقة مع عنكبوت الوقت بالنسبة لها لا يمر أصلا، لكن لماذا؟

لأن تجاربنا مكثفة فكل لحظة تحت التهديد تبدو جديدة بالنسبة لعقولنا، وآلية البقاء على قيد الحياة الفسيولوجية تميل إلى تضخيم وعينا بالمواقف التي تشكل تهديدا لنا كي يتسنى لنا اتخاذ مواقف فيها، فتظن أنك أمضيت فترة طويلة في أمر ما يضايقك ولكن الحقيقة أن وقتا صغيرا فقط مضى.

علاوة على  ذلك فإن أدمغتنا أو القشرة الدماغية المسؤولة عن المهارات الحركية والتصور على وجه الخصوص، تقيس مرور الوقت من خلال حساب سرعة الإشارات المختلفة القادمة من أجسامنا مثل دقات القلب ولمسات النسيم على جلودنا والحرارة الناتجة عن الغضب. ويحسب الدماغ طول أو قصر الوقت عن طريق حسب تلك الإشارات وبالتالي فإن التأخر في قدومها يجعل الجسد يشعر بأن الوقت أطول من الحقيقي.

وعلى الرغم من ذلك فإننا لا نمتلك مؤقتا بالمعنى الحرفي في أدمغتنا، لكن أجسامنا تشعر بها في كل ثانية، ونأخذ هذه المعلومات في حسباننا عندما نسأل كم الساعة الآن، يقول «ويتمان»: «عنما نكون قلقلين أو خائفين فإن الدماغ يستقبل العديد من هذه الإشارات دفعة واحدة، مما يجعل أدمغتنا تتصور أن وقتا طويلا مضى على الرغم أن الوقت لم يمر أو يمر ببطئ».


اندفاع المجتمع وسرعته يؤثر على إحساسنا بالوقت والعواطف الأخرى. ويقول علماء الأعصاب إن الوقت يمر أسرع عندما يكون لدينا اتصال بأحداث متتابعة بترتيب شاهدناه سابقا، كدخولك الشارع الذي تقطن فيه على سبيل المثال، ويسمى في علم الأعصاب بـ«الخبرة الزمنية المسبقة» فعندما يكون لديك شعور بالسيطرة على الأحداث فهذا يسرع من ساعتك الداخلية والعكس يحدث إذا اختبرت أحداثا لم تمر بها من قبل أو تداخلت فيها مشاعر أخرى كالخوف والقلق فإن الأمر يختلف كليا ويتباطئ الوقت أو هكذا يبدو لك.

لكن، هل يمكننا السيطرة على كل هذا؟

يجيب العلماء بأنه ممكن عن طريق إعادة ضبط المؤقت الداخلي لدينا، باستخدام نهج الإرادة القوية، ويمكنك إبعاد المشاعر قدر الإمكان عما تقوم به، إذا تمكنت من جعل دماغك يصبر على المكافأة المتوقعة لانتظارك في النهاية فتكون تغلبت على الإحساس السلبي الناتج عن الانتظار، وهذا يأتي بالتدريب المستمر.

وخلص العلماء أيضا إلى أن تمارين التأمل من الممكن ان تساهم في هدوء الأعصاب والتروي، وتفيد الكتابة أيضا في التغلب على تلك المشكلة، فالعلماء قالوا إن الكتابة تجعل الأشخاص يرغبون في التخلي عن المكافأة القريبة وانتظار البعيدة (بمعنى الصبر).

محمد ربيع

محمد ربيع

صحفي مصري مهتم بالأوضاع الاجتماعية والإنسانية