الرسالة الأولى للطالب أحمد الخطيب: «ادعوا لأجلي وأوصلوا السلام لمن أحب»

الرسالة الأولى للطالب أحمد الخطيب: «ادعوا لأجلي وأوصلوا السلام لمن أحب»

نشرت شقيقة الطالب أحمد الخطيب، المصاب بمرض الليشمانيا، رسالة قالت إنه دوّنها في سجن ليمان طره قبل نقله إلى مستشفى حميات العباسية.

وجاءت نص الرسالة كالتالي:

قرأت ذات مرة عبارة تقول: "انتقامنا الوحيد أن نروي ما حدث." لسخرية القدر كانت العبارة لمعتقل مثلي، معذب بسجنه وما يحدث فيه، لذلك سأخوض حربي الأخيرة كي أعلن أمام الحياة أنني لم أترك شيئًا إلا وفعلته، حتى وأنا على وشك الموت، كنت أقاتل.

أعرفكم بنفسي، اسمي أحمد الخطيب، فقط اثنين وعشرين عامًا من الحياة رأيت فيهم ما يفوق هول أعماركم، لن أصف نفسي بالحسن، لن أطيل الأمر أكثر في الحديث عن أحلامي أو مستقبل انتظرته، سأكفيكم وأكفي نفسي العديد من الخيبات والألم.

سجنت ظلمًا لسبب لا أعلمه، تم إلقائي في حجرة متسخة في سجن يقهرني، حجرة لا تتجاوز العشرة أمتار، أصبحت فجأة مكانًا للنوم ولاعداد المفترض أن يكون طعامًا، وجزءًا آخر لقضاء الحاجة، على مرمى أنظار الجميع، لا مكان هنا للتأفف، لا مكان للشكوى ولا قول تبًا ما هذه القذارة. لا مكان لك أن تسأل لماذا؟ ولا حتى أن تطلب بمكان يتسع قليلًا عن تلك الحجرة، لن أقول لتخرج من السجن.

«الليشمانيا الحشوية».. تعرف على الداء الأسود الذي يقتل أحمد الخطيب ببطء

جدران الزنزانة الأربعة، في البداية تصبح عدوك الأول وبعد ذلك الصديق، حسبت عليها أيام عمري، والذكرى، حفرت فيها اسم من أحبهم وحفرت وجوههم في قلبي قبلها حتى لا أنسى، سجلت عدد الأيام واحدًا واحدًا، كنت أعلم أنني يجب أن أخرج، كنت لا أشك في ذلك، فأنا لم أفعل أي شيء.

تمضي الأيام، وشغلت الأرقام كل الجدران ونفذت المساحة ولم تنتهِ أيام سجني بعد. حريتي! قد نسيتها.. أتساءل كيف كانت؟

مرة أخرى ألعن الجدران الأربعة، تواصل التضييق عليّ باستمرار وسحق روحي. أقسم لكم أنني حاربت حتى لا أنهزم، في كل ليلة كنت أجمع حطام روحي وجسدي من إثر القهر والظلم، وأضمد جراحي لأعلن للصباح القادم أنني سأستمر. لأنني يجب أن أخرج.

لم أخرج، أخشى كل شيء يخبرني أنني لن أخرج أيضًا، الزنزانة، وجوه أصدقائي المظلمة فيها، مرضي.

آه، مرضي شأن آخر.

تخيل نفسك للحظة واحدة في مكان قذر لا يصلح للحياة، تصبر نفسك كل يوم بأنك قد تخرج، وإذا بك تضعف، تشعر بالوهن والفتور، لا يستجيب أحد لطلبك بأن يزورك طبيب، وحينما يحدث يخبرونك أنك قد أصبت بالمرض اللعين، سرطان يأكل جسدك جزءًا جزءًا، وكأنه لم يكف أن يسلب السجن روحي.

حسبت أن الأمور ستنتهي عند هذا الحد.

سيفتك بي ذلك الداء اللعين وأموت، لكن أصطدم بأنني أصبت بمرض أشد سوءًا وقسوة. كأن الأمر ليس سوى منافسة حول أي الأشياء تقتلك بألم أكثر، بجهد أقل.

من يأس ليأس، من ظلم لظلمة، ولا أدري كيف أخرج من هنا. لم يكن بوسعي تحطيم جدران سجني والفرار، والآن لم يعد بوسعي أن أحطم الألم والحزن من حول نفسي.

ربما تكون تلك كلماتي الأخيرة، يخبرني كل شيء حولي أنني سأموت في كل لحظة، وحيدًا منسيًا، لذا قررت أن أحارب جولة أخرى وأكتب.

أخبروا أمي على وجه الخصوص أن السجن وإن أبلى جسدي فإن وجهها المحفور في قلبي وذاكرتي لن يبلى ولا يفنى.

أوصلوا السلام إلى من أحب، فقد سلبوا عيني رفاهية رؤيتهم.

ادعوا لأجلي، وادعوا لكم. لا أحد يسلم هنا حتى وإن جلس في بيته لا يفعل أي شيء.

أحمد الخطيب طالب بكلية البايوتكنولوجي بجامعة مصر الخاصة، ومحكوم عليه بالسجن المشدد لمدة عشرة سنوات، فى القضية رقم 6357 لسنة 2014 ج الشيخ زايد بتهمة الانضمام لجماعة أسست على خلاف القانون.

وألقي القبض على أحمد الخطيب في 28 أكتوبر عام 2014، وبدأت أعراض مرض الليشمانيا تظهر عليه في منتصف عام 2016.

عبدالله الشافعي

عبدالله الشافعي

صحفي مصري متخصص في الملف الطلابي بموقع شبابيك، حاصل على كلية الإعلام ومتابع لأخبار الأقاليم، مقيم في محافظة الجيزة.