طبطب على نفسك.. التعاطف الذاتي هو علاجك من الفشل
يصبح «محمود س» محبطا ونادما، بل ويخشى تكرار التجربة عندما يفشل في أمر ما خاصة لو كان مهما. يعرف أن بكائه قد يجلب له بعضا من الراحة لكنه لا يفعل.
يقول: «كثيرا ما أشعر أنني غير قادر على التحمل أو المواجهة أو على الأقل قبول فكرة أنني فشلت، وما يلي ذلك أصعب أصاب بالإحباط والندم والقلق من تكرار التجربة مرة أخرى خوفا من تكرار الفشل. ما أشعر أنني أريده في تلك اللحظة هو أن يضمني أحدهم إلى صدره ويقول لي الأمور ستكون بخير ولا بأس بالبكاء أشعر أنني سأرتاح إن فعلت هذا لكني لا أفعله».
إذا أخبرك صديق عن محنة يواجهها أو خطأ ارتكبه، في جميع الأحوال يمكنك أن تقدم كلمات اللطف والمواساة وتتحدث إليه بلهجة دافئة ومحبة وربما تقدم له عناقا لإظهار كم أنت تهتم بآلامه، وبعدما يستعيد عافيته تشجعه على النهوض مرة أخرى ومحاولة اكتشاف الخطأ لتداركه في المرة القادمة.
الآن لنعكس الأمر، فعندما تواجه أنت خطأ كبيرا أو انتكاسة ما، حتما ستكون أكثر صرامة مع نفسك وتشتعل بالنقد الذاتي وتوجه عبارات لنفسك من قبيل «أنا أحمق، لماذا يحدث هذا لي، أو ياللعار». فعندما تسوء الأمور نصبح العدو الأسوأ لأنفسنا.
قصص نجاح تنقذك من الفشل.. 7 فيديوهات من «TEDX»
لاستعادة عافيتك بنفسك يمكنك اتباع سياسة التعاطف الذاتي Self compassion
من خلال عمله لمدة 30 عاما كطبيب نفسي، يقول كريستوفر جيرمر: «رأيت الحضور الذهني موردا قويا يساعد الناس على البقاء حاضرين دوما، وفي حالة تركيز كامل تجاه ما يفعلونه، لكن الجديد أنه يساعد على تجاوز الأزمات العاطفية أيضا؛ فعندما نفشل نغرق ويتم تفكيك إحساسنا الذاتي ونكون غير قادرين على التفكير بطريقة مباشرة ونعلق بشكل مؤقت في المكان والزمان ولا ندرك أنفسنا حتى، ويعتري العار ذلك الجزء الموجود بداخلنا ويريد معرفة أوضاعنا بالضبط».
لكن ما المطلوب لإنقاذ نفسك من هذا الوضع بشكل فعال؟ «جيرمر» يقول إنك: «تحتاج إلى أن تقدم لنفسك الدعم العاطفي بنفس الطريقة التي توفرها لصديقك». فهناك أبحاث ودراسات عدة بينت أن «التعاطف الذاتي» يرتبط ارتباطا وثيقا بالمرونة العاطفية لدينا وهي قدرة العواطف لديك على التكيف مع الظروف التي تحدث وتحيط بك وأن تكون سلسة في التعاطي مع تلك الظروف المختلفة، ومعناه أنك تستطيع التغلب على جميع العوائق والمشاكل والصعوبات التي تعترض طريقك، بحسب «جيرمر».
ويشمل ذلك القدرة على تهدئة أنفسنا والتعرف على أخطائنا والتعلم منها وتحفيزها لتحقيق النجاح، لكن ذلك يرتبط بقدرتنا على توفير العاطفة اللازمة لأنفسنا والتفاؤل والإحساس بالرضا تجاه الحياة بجانب خفض مستويات القلق والاكتئاب والإجهاد والإحساس بالعار في تلك المواقف المؤلمة.
الفشل أسلوب حياة.. قولنا حاجة انت فاشل فيها؟
ولتحقيق هذا هناك ثلاث مكونات بحسب الباحثة في التعاطف الذاتي كريستين نيف، والتي تشرحها كالتالي:
الحضور الذهني:
ويعني الوعي بما يجري في الوقت الحاضر كي نبرر لأنفسنا لماذا نحتاج التعاطف في تلك اللحظة الحرجة فنحن بحاجة إلى أن نعرف أننا نكافح، ويساعد هذا على تسمية العواطف التي تشعر بها بمسمياتها الحقيقية، كأن تقول هذا أمر صعب، وهو مجرد تهيئة النفس لتستجيب للرأفة واللطف اللذان سيقدمان لها.
أمر مشترك في الإنسانية:
من الجيد معرفة أنك لست وحدك، فمعظمنا يميل للغرق في الإحساس بالخجل أو الذنب في حال فشلنا في شئ، ونحاول أن نسيطر على هذا بتعاطي الكحوليات أو المخدرات، والعلاج هنا أن تعي أنك لست وحدك فالآخرون يشعرون بنفس الطريقة في حال مرورهم بموقف مماثل. لست وحدك من تعاني، في هذه الحياة المعاناة موجودة.
التعاطف الذاتي:
هو تقديم استجابة دافئة ولطيفة لأنفسنا، وتتخذ أشكال عديدة، مثل المرور باليد بلطف على القلب، والتحقق من صحتنا الحالية وشعورنا، أو التحدث لأنفسنا بطريقة مشجعة أو مكافأة أنفسنا بالاستماع للموسيقى بغرض التهدئة أو شرب كوب من الشاي دون التفكير في شئ.
عندما نشعر بالتهديد فإن جهازنا العصبي يكون مغمورا بـ«الأدرينالين» الذي يذهب بعقولنا بعيدا، وعندما تكون في هذه الحالة فإن أفضل ما يمكن أن تقدمه لنفسك أن تواسيها، وهو آخر شئ يقوم به الإنسان في هذا الموقف، فقلما يدفعنا تفكيرنا لمواساة أنفسنا ونحن نشعر بالخجل أو العار والتحطم النفسي بسبب الفشل.
لكن الأبحاث والدراسات أكدت أنه عندما نختبر اتصالات إيجابية ودافئة فإن جهازنا العصبي يطلق الأوكسيتوسين وهو هرمون جيد ينظم أثار الأدرينالين، مما يسمح للعقل التفكير بوضوح واتخاذ خطوات عقلانية في سبيل حل المشكلة التي نواجهها.
وعلى الرغم من أن تقديم الدعم العاطفي الذاتي لأنفسنا ليس هو الخيار الافتراضي لمعظمنا عندما تسوء الأمور، لكن يمكن لأي شخص أن يتعلم القيام بذلك، حيث وضعت «نيف» مجموعة من التمارين التي يمكنك أن تقوم بها وتستخدمها في حياتك اليومية، ويطلق عليها «جلسة التعاطف الذاتي».
هذا الفيديو يشرح لك كيف تقدم الدعم العاطفي والمواساة لنفسك:
انظر جيدا للمثال التالي: رئيسك أعطاك مهمة قيادة مشروع صعب، ونجح المشروع نجاحا كبيرا بفضل إدارتك الماهرة، واعتقدت أنك بذلك تستحق ترقية مناسبة، ولكن عندما تعرض الفكرة على رئيسك في العمل بادرك بضحكة ساخرة بصوت مرتفع ثم غير الموضوع.
الآن أنت غاضب بشدة، وترجع من المحادثة تسأل نفسك أسئلة من قبيل: إذا لماذا أجهدت نفسي في هذا المشروع ورئيسي حتى لم يدعمني حتى خلال عملي عليه حتى لو بكلمة واحدة؟ ويذهب تفكيرك لأبعد من هذا، فربما استغلك رئيسك في العمل ليحصل على ترقية هو بانجازك للمشروع. أو هذا ما تفكر فيه.
وباعتبارك رجل أعمال محنك، فإنك قد تعتقد أيضا أن هذه هي اللحظة المثالية للدفاع عن نفسك والترويج لما قمت به في المشروع لجعل الموقف متوازنا على أقل تقدير، لكنك بدون دقيقة من التعاطف الذاتي في لحظة مثل هذه، فإن رد فعلك العاطفي سيقف حائلا في طريقك، وما سيظهر هو غضبك بدلا من مهاراتك القيادية وما أنجزته في المشروع.
كيف يمكنك تفعيل التعاطف الذاتي؟
عليك أن تبدأ أولا بالاعتراف بحقيقة شعورك الحالي، على سبيل المثال إدراك أنك لازلت تشعر بالغضب «إنها رهيبة، أو لماذا كل هذا؟، من حقي أن أحصل على ترقية»، أو الشك بأن تقول «حسنا ربما لا استحقها بالفعل أو لم أفعل شيئا عظيما للدرجة».
بعد ذلك اعترف بأن الآخرين ربما لديهم مشاعر مماثلة، أو بإمكانك تطوير نفسك أكثر للحصول على الترقية أو تولي مهام أصعب، وهكذا يجب أن تخبر نفسك، وفي النهاية أعرب عن اللطف تجاه نفسك. انظر ماذا ستقول لصديق في موقف مماثل يطلب مساعدتك، فبالطريقة التي تساعده بها ساعد نفسك.
وبمجرد تحويل إطار عقلك من منطقة الرعب والتهديد أو الإحباط إلى منطقة التعاطف الذاتي فإنك ستكون أكثر هدوءا وقادر على تقديم مقترحات عقلانية لنفسك، وغير ذلك فإنك ستكتسب مزية العمل تحت ضغط.
في النهاية، بعض الناس يرون أن التعاطف الذاتي يجعل الإنسان ضعيفا أو لا ينفي مواقفهم القيادية التي يأخذونها عن أنفسهم، لكن بدلا من توجيه اللوم والنقد الذاتي فإن التعاطف الذاتي أمر محفز للغاية ومشجع. فعلينا أن نعالج أنفسنا كما نعالج الآخرين.
وهو ما تتفق معه حالة سارة سيف التي قالت لـ«شبابيك»: «أشعر بأنني في حاجة إلى هذا الأمر لكنني لا أفضله أشعر بأنني سأكون ضعيفة، لكن لأجل الحق شعوري يختلف عندما يواسيني أحد لكن في كل الأحوال أفضل أن اتعافى وحدي وأشكر كل كن يواسيني».