العقاب مهم.. طفلك هيتحمل المسئولية بالطريقة دي
طفل صغير يحبه والداه كثيرا، ولأن هذا الطفل يبكي بشدة كلما عاقبه والده أو والدته، يشعر الوالدان بالذنب ويقرران أن يدللاه كثيرا، تعبيرا عن شدة حبهما له، لكنه لا يتوقف عن ارتكاب الأخطاء.
طفل آخر له قصة مختلفة، يخطئ كثيرا كأي طفل، يعاقبه والداه بشدة، لكنه لا يتعلم من أخطاءه، ويكبر ليصبح شخصا غير مسئول أيضا.
الآباء يصابون بالكثير من الحيرة عندما يسمعون تلك الحكايات، فمرة يُقال لهم إن العقاب سيجعل الطفل معقدًا نفسيا، ومرة أخرى يسمعون أن التدليل الزائد يفسد الطفل الصغير. فماذا يفعل الآباء في هذه الحيرة؟
العقاب ضروري ولكن؟
«لا يمكن أن تستقيم نفسية الطفل أو نفسية أي إنسان بدون عقاب»، هذه هي المفاجئة التي تخبركم بها المعالجة النفسية للأطفال مايسة محمود.
لا تقصد «محمود» هنا إيذاء الطفل بدنيا أو نفسيا أو أن يلجأ الأبوان للضرب والصراع وأن يفرغا فيه شحنة من الغضب؛ لكنها تقدم تفسيرًا مختلفا للعقاب بأنه وسيلة تربوية يتعلم بها الطفل مسئولية أخطاءه.
تقول المعالجة النفسية للأطفال: «نحن نعاقب الطفل لننشئ طفلا مسئولا، يدرك عندما يكبر أن لكل فعل خاطئ عواقب غير حميدة». وتشرح: «فمثلا عندما أحرم طفلي المبذر من المصروف، فأنا لا أريد أن أجعله يبكي أو يغضب، ولكن أن أساعده على تحمل المسئولية المالية.. عندما يكبر هذا الطفل سيتعلم كيف يحافظ على مرتبه جيدًا».
وإذا لم أوجه الطفل بالتدريج بمواجهة عواقب الأمور، فيسبب له مشاكلا نفسية، وعدم قدرة على التعامل مع الحياة فيما بعد.
غيّر مفهومك عن العقاب
الطفل لن يتعلم بالقسوة أبدا. تخبرنا المعالجة النفسية أن الآباء يجب أن يغيروا مفهومهم عن العقاب وأساليبهم فيه، وتوضح: «لا يجب أن أضرب أو أصرخ أو أخاصم الطفل لأقول أنني أعاقبه.. لو قولت للطفل مش هكلمك لمدة نص ساعة بس، فده عقاب».
وحتى لا ينفلت الأمر منك وتستطيع الموازنة بين أن يكون العقاب فعالا وغير مؤذي، هناك بعض النصائح التي يقدمها خبراء تربويين، مثل:
تصرف بشكل سليم أولًا
كان هناك طفل صغير في الحضانة «يعض» أخيه، وعندما اشتكى والده للمعلمة سألته سؤالا واحد: «من أين تعلّم الطفل العض؟» ليعترف بكل صراحة: «أنا عضيته قبل كدا».
معلمة رياض الأطفال ومدربة تنمية مهارات الطفل سوزي ربيع تقول: «يجب ألا تعاقب الطفل في هذه الحالة».
فالأطفال الصغار تحت السبعة أعوام، يمتصون كل التصرفات التي يقوم بها الآباء، ثم يقلدونهم. والحل هنا أن يبدأ الآباء في تعديل سلوكهم أولًا.
فهّم الطفل لماذا تعاقبه
الطبيعي ألا تعاقب الطفل أبدا في مرحلة ما قبل المدرسة، لأن عقله يكون غير مدرك لمبدأ «الصح والغلط». هكذا تتابع مدربة تنمية مهارات الطفل في حديثها لـ«شبابيك».
وعندما يقوم الطفل بفعل خاطئ، يجب أن تبدأ بالتدريج تتحدث معه بما يتناسب مع عمره، مرة واثنين وثلاثة. وفي المرة الرابعة اتفق معه على نوع معين من العقاب؛ حتى يتعلم الطفل أن يربط بين الفعل الخاطئ وعواقبه السيئة.
لكنه بالتأكيد لن يكون عقابا مؤذيا. تقول «ربيع»: «ممكن أبعده عن حاجة بيحبها لفترة قصيرة أو أقوله أنا زعلانة منك، لأن كل سن وله وسيلة عقاب مختلفة».
ابتعد عن الانتقام
إذا أردت للطفل أن يدرك الرابط بين «الغلط» والعواقب السيئة، فستخبرك «ربيع» أن يكون العقاب منطقيا، كما تنصحك مدربة تنمية مهارات الأطفال.
يجب أن تبتعد تمامًا عن العقاب الانتقامي، والضرب، والصراخ، والأوامر الحادة، والتوبيخ والشتائم؛ لأن عقل الطفل ليس كعقل الكبار، ولن يدرك وقتها لماذا تعاقبه أو كيف يكون هذا التصرف الذي يقوم به مؤذيا له، بينما هو مستمتع به في هذه اللحظة.
اتبع العقاب بثواب
الحياة تسير هكذا، نخسر عندما نقوم بشيء خاطئ ونحصل على التقدير أو المكافئة عندما نفعل شيئا جيدا أوننجح في أمر ما، وهذا ما يجب أن يعتاد عليه الطفل.
فالطفولة هي المرحلة التي نعد فيها الطفل نفسيا وعقليا وبدينا لمواجهة الحياة. وعندما يعرف الطفل طعم المكافئة، فذلك سيشجعه على الابتعاد عن كل الأفعال التي تعرضه للعقاب.
تقول «سوزي»: «حتى الأطفال يحبون الشعور بالتقدير ويفرحون عند سماع كلمة شكر أو ثناء على سلوكهم الجيد. عندما يبتعد طفلك عن التصرفات الخاطئة كافئيه فورا. لكن ابتعدي قدر الإمكان عن المكافئات المادية، حتى لا يصبح طفلك استغلالي أو يفعل الصواب للحصول على المكافئة».
لا تجعله يشعر بالذنب
طفل صغير يجلس أمام والدته يبكي أو ينكس رأسه، لأنها توبخه بشدة وتقول إنه فعل شيئا «عيبًا» للغاية ولا يغتفر، حتى يشعر بالذنب ويكف عن الخطأ. ولكن هل هذه هي الطريقة الصحيحة؟
تقول كاسندرا جاردين في كتابها «كيف تصبح أبا أو أما أفضل» إنك: «عندما تلعب على وتر شعور الطفل بالذنب الشديد، فالنتيجة ستكون عكسية تماما.. الطفل الصغير سيشعر بالدونية وأنه شخص سيء، وسيستمر في السلوك الخطأ».
وتنصحك «كاسندرا» لتكون أما أو أبا جيدًا بأن «تُخرج معادلة الإحساس بالذنب من أساليب العقاب، ولا تتحدث مع ابنك وكأنه فعل فعلا شائنا، حتى لو كان قام بذلك فعلا، بل وضح له العواقب بهدوء».
لا تبالغ في التهديد
«لو مسمعتش الكلام هسيب البيت وأمشي».. «لو غلطت تاني هنسيبك في الشارع لوحدك».. أنواع مختلفة من التهديد يلجأ إليها الآباء حتى يكف الطفل عن الخطأ.
لكن الحقيقة التي لا يعرفها الآباء هو أن هذا التهديد لن يجعل طفلك متحملا لمسئولية أخطاءه أبدّا، فهو إما أن يخاف منك أو يستهزئ بك.
تقول كاسندرا جاردين: «لا يكون الآباء جادين في هذا النوع من التهديد، هذا يجعل الطفل يستمر في الخطأ ولا يتعلم من عواقب أموره»، والحل هنا أن تتفق معه على عقاب بسيط ومنطقي.
الانتقاد والتوبيخ ليسا عقابًا
تضرب لك «كاسندرا» مثالا بسيطا، وتقول: «عندما ننتقد موظفينا في الشركات باستمرار، فإن ذلك لا يساعدهم على تحسين سلوكهم، ولكنهم يبحثون مباشرة عن شركة أخرى. فكيف يمكننا أن نتوقع من الأطفال أن يتعلموا من أخطائهم عندما نستخدم التوبيخ كوسيلة للعقاب؟».
وابتعد تماما عن عبارات مثل: «كيف تجروء أن تتحدث معي بهذا الشكل»، أو «كيف تجروء أن تفعل هذا الأمر». فهذا النوع من التوبيخ، سيجعل الطفل يتمادى في تصرفه الغاضب ويبتعد عنك وهو يقول: «لن أفعل أبدا أي شيء تطلبه مني بعد ذلك».
وأخيرًا تجاهل الأمر تماما
طفل عنيد أو طفل «يدبدب» في الأرض حتى يحصل على ما يريد، فهل ألجأ لضربه حتى لا يعود لهذا السلوك مرة ثانية؟
تقول المعالجة النفسية للأطفال مايسة محمود إن التجاهل في هذه الحالة يعتبر وسيلة فعالة وغير مؤذية تماما للعقاب، وتوضح: «الطفل هيتعلم أن العند مش هيحقق رغبته، وهيعوده يكون أكثر مرونة لما يكبر».