احتجاجات تطاوين.. هل تشعل الأزمات الاقتصادية موجة ثورية في تونس؟
احتجاجات عنيفة تشهدها تونس، وتحديدا ولاية «تطاوين» منذ الأحد الماضي، تطورت إلى اشتباكات بين المحتجين وقوات الأمن في منطقة «كامور» التي تعتبر أهم مناطق الغاز الطبيعي والنفط في تونس.
يطالب المحتجون من أبناء «تطاوين» بحقهم الطبيعي في توظيف العاطلين بشركات البترول التي تمتلئ بها المنطقة، بعد أن تصاعدت الأزمات الاقتصادية الخانقة التي يرون أن الحكومة التونسية فشلت في حلها، ولم تحقق أي أهداف تذكر للثورة التونسية، بل تلمح لاتباع سياسات تقشفية لمواجهة الأزمة.
أما الحكومة التونسية فتقول أن وراء هؤلاء المحتجين أجندات سياسية تهدف إلى تعطيل الإنتاج.. ومن هنا حدث الاشتباكات والتي اشتعلت فيها النيران من الجانبين.
شرارة أشعلت الاحتجاجات في تونس
ولاية «تطاوين» تشهد احتجاجات كبيرة منذ شهر أبريل الماضي، يشارك فيها الشباب الباحثين عن فرص عمل، والمطالبين بحقهم في التوظيف بمنطقة «الكامور»، والذين يرون أنهم كأبناء للمنطقة لا يستفيدون أي استفادة من ثرواتها الطبيعية.
فالولاية التي تقع في عمق الصحراء التونسية ومع حدودها بليبيا، معروفة بأنها غنية بالبترول.
مطالب هؤلاء المحتجين تمثلت في إعطائهم فرص عمل بهذه الشركات، مع نسبة 20% من الأرباح.
-
جانب من الاحتجاجات في أبريل الماضي
وبسبب الضغط على الحكومة التونسية، عرضت الحكومة على المتظاهرين ألف فرصة عمل في شركات البترول بتطاوين بشكل فوري، و500 فرصة عمل العام المقبل.. لكن المحتجون لم يقبلوا هذا العرض، وطالبوا بأن تكون جميع فرص العمل فورية؛ إضافة إلى تخصيص 50 مليون دولار كصندوق تنمية للمنطقة، تدفعه الشركات البترولية.
وخلال أسابيع من الاحتجاجات وبعد رفض هذا العرض، يبدو أن الأمر قد وصل بين المتظاهرين والحكومة لطريق مسدود؛ دفع المتظاهرين لخطوة أكثر خطورة لمزيد من الضغط على الحكومة لتنفيذ مطالبهم.. هذه الخطوة هي إغلاق مضخة الغاز بالمنطقة؛ بعد إعطاء الحكومة التونسية مهلة 48 ساعة للاستحابة إلى مطابلهم وتوظيف العاطلين.
وكانوا قبل ذلك قد نجحوا أبريل الماضي في تنظيم إضراب عام تنديدا بتهميشهم
نجح المحتجون بالفعل السبت 20 مايو في إغلاق مضخة الغاز، قبل أن يعاد فتحها من جديد وسط تعزيزات أمنية؛ وهنا انفجر الوضع بين المحتجين وقوات الأمن، وتحول الأمر إلى اشتباكات عنيفة.
ألقت قوات الأمن قنابل الغاز على المتظاهرين، وحاولت فض الاعتصام بالقوة، وحرق الخيام كما يقول المتظاهرون.. أما المتظاهرون أنفسهم فقد أحرقوا مقرات الأمن، واقتحموا مقر ولاية تطاوين نفسها.
سيارة الشرطة تدهس شاب من المحتجين
وخلال هذه الأحداث يحدث ما يشعل الموقف أكثر مما هو عليه..
شاب تصدمه سيارة بالخطأ.. يبدو الأمر للحظة الأولى حادثا عاديا لكن عندما نعلم أن هذا الشاب الذي يدعى «مصطفى السكرافي» كان أحد المشاركين في الاحتجاجات، وأن السيارة المقصودة هي سيارة شرطة؛ فإن الموازين تنقلب تماما.
تصبح الشرطة التونسية متهمة بدهس أحد المتظاهرين.. والتهمة أنه يطالب بحقه في فرصة عمل.
مدير الصحة بمنطقة تطاوين «إبراهيم غرغار» يعترف أن الشاب قُتل دهسا بسيارة، أما لمن تتبع هذه السيارة فهو شيء يرفض أن يصرح به، ويقول إنه يتنظر التحقيقات الجارية.. كان هذا خلال تصريحات مدير الصحة لشبكة «بي بي سي».
وجاءت إصابات هذا الشاب في الرأس والصدر والرجلين، نتيجة الدهس بالسيارة.
لكن للحادث ضحايا آخرين؛ فمدير الصحة يوضح أن 50 شخصا قد نقلوا إلى المسشتفى المحلي بسبب إصابتهم بالاختناق.
كما توفي فرد من الحرس الوطني بسبب إلقاء زجاجة مولوتوف حارقة عليه.
أزمات اقتصادية وراء الاحتجاجات
جاءت هذه الاحتجاجات نتيجة لأزمات اقتصادية وتوتر سياسي شهدتها تونس، منذ تولي الرئيس «الباجي قائد السبسي».
شعر الشعب التونسي أن ثورة «الياسمين - 18 ديسمبر 2010» لم تحقق أهدافها بالكامل، وأن هناك تخبطا في المرحلة الانتقالية، خصوصا بعد نية الرئيس التونسي للاتجاه إلى إجراءات تقشفية، بسبب الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد.
شيء آخر أثار حفيظة المحتجين وهو سياسة التصالح التي ينوي الرئيس التونسي تطبيقها مع رموز النظام السابق ورجال الأعمال الفاسدين، فقد رأى «السبسي» أنها خطو ستشجع الاستثمار وتعيد رأس المال المنهوب إلى تونس مرة أخرى.
إصرار «السبسي» على هذه السياسة بطرحه لمشروع القانون مرتين على البرلمان في 2015 و2016، ساهم في إشعال الاحتجاجات ضد عدم توظيف الشباب أو تنمية البلاد اقتصاديا.
أما بالنسبة لـ«تطاوين» فتبلع نسبة البطالة بها 31% وفقا لتقرير نشرته «هافنجتون بوست» نهاية أبريل الماضي.
-
فشل سياسي
الفشل السياسي لم يكن بعيدا عن الأزمة أيضا، خاصة بعد أن شعر الشباب التونسي أن مكتسبات الثورة تضيع من بين يديه؛ فهناك تكميم للأفواه وللأصوات المعارضة، إضافة إلى تصعيد نجل الرئيس «حافظ السبسي» للساحة السياسية برئاسته لحزب «نداء تونس».. وكأنها خطوة صريحة للتوريث، في وقت يتهم فيه النظام التونسي المحتجين بأنهم أعداء الوطن والديمقراطية.
المحتجون يعطلون الإنتاج
لم تستجب الحكومة التونسية لمطالب المتظاهرين لأنها وصفتها بالتعجيزية؛ وعندما دعا المحتجون لوقف مضخة الغاز السبت 20 مايو، كان صبر الحكومة قد نفذ أمام هذه الاحتجاجات، فاعتبرت أن هذه الدعوة قطعا للطرق وإعاقة للإنتاج يجب التصدي لها.. خاصة أن هذه احتجاجات المستمرة منذ أسابيع مثلت ضغطا على رئيس الوزراء «يوسف الشاهد» في وقت تسعى فيه حكومته لتنفيذ إجراءات تقشفية أملا في تحقيق إصلاحات اقتصادية، كما تذكر «بي بي سي».
«من حق أبناء تونس الدفاع عن مطالبهم المشروعة، وضمان حقهم في الشغل والتنمية بطرق سلمية لكن من دون تعطيل الإنتاج وقطع الطرق».. كانت هذه تصريحات الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، «نور الدين الطبوبي».
و اعتبر «الطبوبي» أن هناك دوافعا سياسية وراء ما يحدث من احتجاجات.
الجيش التونسي يصبح طرفا
يبدو أن الحكومة كانت تتخوف من أن تتصاعد الاحتجاجات إلى هذا الحد، فقد كلف الرئيس التونسي الجيش بحماية حقول النفط والغاز ومناجم الفوسفات من أي تحركات قد تمثل خطرا أو تعطل إنتاجها.
ومنذ ذلك الوقت أعلن وزير الدفاع التونسي «فرحلت الحرشاني» أن الجيش لن يستعمل القوة أبدا إلا في حالات محدودة هي الخطر الجسيم الذي يمتد لأي منشأة يحميها الجيش أو العسكري الذي يحمي المنشأة، أو حدوث فوضى عارمة تمس المواطنين.
ولكن عندما حاول المحتجون إغلاق مضخة الغاز، أطلق الجيش طلقات تحذيرية في الهواء، كانت هي الطلقات الأولى منذ نزوله إلى الشارع، وفقا لـ«فرانس 24».
هل تونس على موعد مع موجة ثورية؟
الاحتجاجات انقلت من «تطاوين» إلى غيرها من المدن وإلى العاصمة تونس نفسها، فالطريقة التي تم التعامل بها مع المتظاهرين زادت الاحتقان ضد الحكومة في هذه المدن؛ خصوصا بعد دهس أحد المحتجين بالسيارة.
وتقول تقارير إعلامية إن ما حدث مع الشاب «مصطفى السكرافي» قد يؤدي إلى احتجاجات عارمة، تشبه ما حدث مع «محمد بوعزيزي» الذي أحرق نفسه احتجاجا على مصادرة البلدية لعربة يبيع عليها الخضراوات؛ ثم اندلعت بعد ذلك الثورة التونسية عام 2010.
ففي 10 مايو من العام الجاري أقدم بائع فراولة على إشعال النيران في نفسه بمدينة «طبربة»، احتجاجا على منع البلدية له من ممارسة عمله.. الحتدث أعاد للأذهان واقعة «بوعزيزي» وأشعل احتجاجات كثيرة ضد الحكومة التونسية التي لا تتخذ خطوة حقيقية في التنمية، وضد تصرفها مع هذا الشاب.
ورشق المتظاهرون قوات الشرطة بالحجارة وأشعلوا النيران في إطارات السيارات، كما اعتقلت الشرطة الكثير من الشباب.
وبينما كان الشباب يتظاهرون ضد الشرطة في «طبربة» كانت الاحتجاجات مشتعلة بالفعل في «تطاوين» ضد البطالة وعدم توظيف أبناء المنطقة.