رئيس التحرير أحمد متولي
 أحلامك المؤجلة عند باولو كويلو.. هناك على نهر بييدرا جلست فبكيت

أحلامك المؤجلة عند باولو كويلو.. هناك على نهر بييدرا جلست فبكيت

«على نهر بييدرا هناك جلست فبكيت»، ليست رواية رومانسية كتبها باولو كويلو وإن كان الحب هو بطلها البارز، وعنوانها شاعري للغاية.

هناك أبطال آخرون مثل الدين والتجربة الروحية والأحلام والطموحات.

يطرح الكاتب سؤالا من خلال الشخصية الرئيسية في الرواية «بيلار» الفتاة الجميلة ذات الـ29 عاما. هل يمكن أن نخاف من تحقيق أحلامنا إلى تلك الدرجة التي نستسلم فيها لرغبات وهمية أو حياة تقليدية لم نكن نريدها؟ وكيف تكون السعادة في تحقيق أحلامنا وهي محفوفة بالمخاطر؟

الطريق الآمن أكثر راحة، فهل يكون أكثر سعادة؟ في هذا التقرير من «شبابيك» نقلب في صفحات الرواية معًا لنعرف إجابات «كويلو» عن هذه الأسئلة.

رواية تتحدث عن أحلام خطرة

على ضفاف نهر بييدرا جلست «بيلار» تبكي وتتمنى لو يتمزق قلبها قطعا صغيرة تُلقي بها في مياه النهر، الذي تقول الأسطورة إن كل شيء يُلقى في مياهه البادرة يتحول إلى صخور صغيرة لا تشعر ولا تتألم لخسارة شيء أو فراق شخص.

تبكي «بيلار» على حياتها وقراراتها الحمقاء؛ فهل كان يجب أن تغامر بالمجهول كما فعلت؟ الآن هي تندم أشد الندم. 

«الأحلام والطموحات والأماني، كم هي رائعة للغاية لكنها مغامرة خطيرة بالمضمون»، لا بد أنها قالت لنفسها هذه الجملة مرارا وهي تتذكر حياتها السابقة.

تركت «بيلار» صديق طفولتها وحبيبها السابق، لتقرر أن تتزوج زواجا تقليديا لا تعرف فيه آلام الحب ولا سعادته، تتخلى في زواجها هذا عن المغامرة معه حول العالم لتستقر في وظيفة مضمونة جدا؛ كلها أعوام قليلة وتصبح قاضية أو محامية كبيرة.

لتحميل الرواية..من «هنا»

هل هذا فعلا ما أرادته؟ لا يهم هذه الأسئلة الآن، المهم أنه الطريق الأقل ألما، حيث الاستقرار والزواج وإنجاب أطفال رائعين والإنفاق عليهم بطريقة رائعة أيضا، وحيث لا فراق أو حبيب أو قلب يتوجع من الحب أو تصرفات الحبيب الحمقاء.

هل حقا ستكون حياتها بلا ألم؟ هل البعد عن المخاطرة هو في حد ذاته شعور بالأمان أو الراحة؟

أسئلة لا تحاول «بيلار» أن تجيب عنها وتتهرب منها، حتى اللحظة التي تقابل فيها حبيبها السابق بعد 10 أعوام كاملة.

ستظل صامدة للنهاية حتى تدق أذنها كلمات ينقلها «باولو كويلو» على لسان صديقها، لكنها تعبر عن فلسفة كاتب الرواية نفسه في الحياة:

«شقيّ هو من استبدت به الخشية من المجازفة؛ فمن كانت هذه حاله ربما لم يعرف الإحباط يوما، وربما لم يعرف الخيبة يوما، ولم يتألم كما تألم أولئك الذين لديهم حلم يحققونه، لكن عندما يتلفت إلى الوراء - لأننا دائما نلتفت إلى الوراء – سوف يسمع قلبه مسرا إليه قائلا: ماذا صنعت بالمعجزات التي نثرها الرب على أيامك؟ ماذا صنعت بالمواهب التي أودعها الله فيك؟ لقد واريتها في قعر حفرة، لأنك كنت تخاف فقدها؛ لذا لم يبق لديك الآن إلا يقينك بأنك خسرت حياتك».

  • أحلامنا لا تسبب السعادة دائما

تنهار مقاومة «بيلار» أخيرا. تعترف أنها لا تزال تحب صديق طفولتها، وتترك كل شيء، مدينتها، بيتها، وظيفتها، لتقرر المغامرة مع ذلك الشاب المجنون.

تتخيل البيت الدافئ الذي سيتزوجان فيه وينتابها الحنين لكل شيء، ثم يحدث ما لا تتوقعه أبدا ويختفي حبيبها. يتركها أو تتركه هي؛ فقد كان يعيش صراعا آخر وعليه أن يحسمه.   

بطل الرواية وأحلامه الوهمية

ستقول الحياة لنا إننا كبرنا، وأننا لم نعد أن نتحمل أي مخاطرة. لم نعد نحتمل الألم حتى في سبيل تحقيقها. وما أدرانا أننا إذا اخترنا ذلك الطريق الذي يريده القلب أننا سنحقق شيئا يذكر أو سنكون سعداء حقا؟

كان صديق «بيلار» قسيسيا يريد تكريس حياته كلها للعبادة وخدمة الناس، قبل أن يقابلها مرة أخرى بعد فراق أعوام.

عشر سنوات كاملة يبني فيها شخصيته وحياته لخدمه هدف واحد. وتأتي «بيلار» لتهد كل شيء. هل يترك الراهب الشاب كل هذا من أجل امرأة؟ وهل ستفي له المرأة بعد ذلك أم تتحول إلى سبب تعاسته؟

لم تكن الرهبنة إلا محاولة من الشاب للهروب من آلام العالم ومآسيه، كما يخبرنا «باولو كويلو» في ثنايا الرواية.

كان شابا مفعمًا بالمغامرة، يسافر حول العالم يتعرف على كل النساء، حتى زهد العالم فجأة بكل أفراحه وأحزانه قبل أن يكمل الثلاثين من عمره. هرب من حبه الفاشل وحياته غير المستقرة إلى الرهبنة، كما تهرب «بيلار» إلى الروتين.

كيف يمكن لنا إذًا أن نفرق بين رغباتنا وأحلامنا الحقيقية، والرغبات الوهمية التي يفرضها مخاوفنا وظروفنا والمجتمع علينا؟

«كويلو» يخبرك عن الطفل الذي بداخلك

ستقول الحياة لنا إننا كبرنا، ولم نعد أن نتحمل أي مخاطرة. لم نعد نحتمل الألم حتى في سبيل تحقيقها. وما أدرانا أننا إذا اخترنا ذلك الطريق الذي يريده القلب أننا سنحقق شيئا يذكر أو سنكون سعداء حقا؟

سنجد «باولو كويلو» يرشدنا على لسان بطل الرواية:

«يجب أن نصغي إلى الطفل الذي كناه ذات يوم، والذي ما زال موجود فينا، فذلك الطفل يعلم ما اللحظات السحرية؛ دائما ما نتجاهل بكاءه، لكننا لا نستطيع أن نسكت صوته. وإذا كنا لا نولد من جديد وإذا كنا عاجزين عن النظر إلى الحياة مجددا ببراءة الطفولة وحماستها، فهذا يعني أن الحياة فقدت معناها».

  • لا تقتل روحك

من المؤكد أننا سنتألم وأن المشقات ستعترض سبيلنا، لكنها ليست سوى مراحل انتقالية لا تترك أثرا. وفيما بعد سيكون بوسعنا أن نلتفت إلى الوراء باعتزاز وبقوة

الطفل الذي يقصده الكاتب هنا هو ذاتنا الحقيقية، رغباتنا وأحلامنا. ما نحب أو نريد في هذه الحياة. وهي الأشياء التي يجب أن نتعلم كيف ننصت إليها جيدا، ونخلصها من شوائب الخوف واليأس والظروف. وإذا أنكرنا هذا الطفل، فإننا نحكم على أنفسنا بالموت. يقول «كويلو»:

«هناك طرق عديدة للانتحار، فأولئك الذين يحاولون قتل جسدهم إنما يسيئون إلى سنة الله، وأولئك الذين يحاولون قتل روحهم إنما يسيئون هم أيضا إلى سنة الله، وإن كانت جريمتهم خافية عن أعين البشر».

ماذا ستقرر «بيلار» وصديقها في النهاية؟ لا يهم. المهم أن «باولو كويلو» يطمئننا  في ثنايا الرواية على لسان البطل:

«من المؤكد أننا سنتألم وأن المشقات ستعترض سبيلنا، لكنها ليست سوى مراحل انتقالية لا تترك أثرا. وفيما بعد سيكون بوسعنا أن نلتفت إلى الوراء باعتزاز وبقوة».

ثم ينهي «كويلو» رواية «على نهر بييدرا هناك جلست وبكيت» بجملة واحدة «الأحلام تقتضي عملا كبيرا».

أميرة عبد الرازق

أميرة عبد الرازق

محررة صحفية ومترجمة مصرية مهتمة بشؤون التعليم واللغات وريادة الأعمال