رئيس التحرير أحمد متولي
 إثيوبيا.. هكذا أصبحت «مضرب المثل» في التنمية الاقتصادية

إثيوبيا.. هكذا أصبحت «مضرب المثل» في التنمية الاقتصادية

إثيوبيا، دولة أفريقية استطاعت أن تصبح مضرب المثل في التنمية الاقتصادية، وصارت من أكثر الدول الأفريقية جذبا للاستثمار، والأسرع تجربة في النمو الاقتصادي.

ففي بداية التسعينيات كان على إثيوبيا أن تنزع نفسها من آثار الحرب الأهلية التي دمرت بنيتها التحتية تماما، والمجاعات التي قتلت مليون شخص، ودفعت الدولة لتلقي المساعدات الغذائية من الخارج.

لم يمر وقت طويل، حتى تطور اقتصاد إثيوبيا كثيرا، ووصلت معدلات النمو  إلى 7.5% مع العام 2017؛ وانخفضت معدلات الفقر من 44% إلى 30%، ودخلت في استثمارات ضخمة مع الدول الكبرى.

وحتى تحقق إثيوبيا كل هذا اتبعت خطة للتنمية الاقتصادية قد تكون مثالا لأي دولة نامية تحاول الخروج من أزمات اقتصادية متلاحقة.

استغلال الثروات الطبيعية

  • الزراعة والثروة الحيوانية

 

تخرج إثيوبيا من الحرب الأهلية والمجاعة، لتدرك أن لديها موارد طبيعية لا حصر لها، وكفيلة بأن تضمن لها الأمن الغذائي لسنوات.

الدولة ستبدأ أولا في إصلاحات واستثمارات خاصة بمجال الزراعة، فلديها مساحات زراعية مهولة، فهي الدولة التي ينبع منها النيل الأزرق الذي يغذي نهر النيل بـ84% من مياهه.  

الإصلاحات الزراعية شملت إعادة تهيئة التربة المهملة وإصلاح الري، ثم تنظيم الحيازة الزراعية وإعفاء المستثمرين الإثيوبيين في مجال الزراعة من الضرائب لمدة 3 لـ7 سنوات من بدء مشروعاتهم، وتمكين المواطنين من العمل في هذه المشروعات الزراعية؛ حتى أصبحت الزراعة تستحوذ 80% من الأيدي العاملة.

وبالتوازي شجعت الدولة الاستثمارات الأجنبية بتأجير وشراء مساحات شاسعة من الأراضي لإقامة مشاريع زراعية، وما يرتبط بها من تصنيع وتصدير الطعام، ومشروعات الثروة الحيوانية وتصنيع وتصدير اللحوم؛ وكذلك مشروعات استغلال الغابات في تقطيع  وتصدير الأخشاب.

استغلال الزراعة كمورد طبيعي كان له دور في دفع البلاد نحو النمو الاقتصادي، فإثيوبيا تنتج الكاكاو والقهوة والشاي والزيوت المختلفة والورد والقمح والشعير والفول والعدس والبازلاء وفواكه الموز والبرتقال والمانجو والأفاوكادو؛ أما سلعتها الذهبية فهي القهوة التي تنتج أجود أنواعها وتصدرها للعالم. 

الاستثمار في البنية التحتية 

  • الخطوط الجوية الإثيوبية

بعد تطوير الزراعة، تريد إثيوبيا أن تصبح دولة صناعية، فرغم أنها تقع على منبع نهر النيل لكن طبيعتها الجبلية تتسبب في حدوث موجات من الجفاف وبالتالي المجاعة.

تتجه الدولة إلى تطوير البنية التحتية لقطاع الطيران؛ لتصبح الخطوط الجوية الإثيوبية هي الأهم في القارة الأفريقية، وتربط القارة الإفريقية بالعالم من خلال الترانزيت.

ويعمل الطيران الإثيوبي على سد الثغرة لدى الدول الإفريقية؛ ليصبح بديلا عن الطيران الحكومي في البلدان الأفريقية التي ليست لديها خطوط طيران، مثل مالي وتوجو.

معدلات النمو السابقة والحالية والمتوقعة؛ وفقا لإحصائية  موقع «Statista».
  • جذب الاستثمار 

في دولة منهكة من الحرب الأهلية؛ وضعت إثيوبيا أولوية لمشروعات البنية التحتية، كما وضعت خطوة لتتحول من تلقي المساعدات المالية إلى دولة جاذبة للاستثمار.

الحكومة بدأت بجذب الاستثمارات لتطوير البنية التحتية مثل الطرق وشبكات المواصلات والقطارات؛ والكهرباء، وتوصيلها للمناطق المنعزلة؛ ثم تطوير التكنولوجيا والاتصالات؛ إلى جانب إصلاح مجال التعليم والصحة؛ بحسب وزير الصناعة هاديس تاديسي هايلي في حديثه حول أسباب التنمية في إثيوبيا لموقع Africa Renewal.

  • بناء السدود

تقرر إثيوبيا أن تمزج بين مواردها الطبيعية ومشاريعها الصناعية والاستثمارية؛ فتتجه لبناء عدد من السدود لتوفير المياه والكهرباء.

وفي السنوات الأخيرة كان مشروع سد النهضة على رأس أولوليات خطة إثيوبيا للتنمية؛ حتى إن الحكومة قد خصته بـ4 مليارات دولار غير الاستثمارات الأجنبية؛ وهو السد الذي سوفر لها كمية ضخمة من الكهرباء توازي الثروة المكتشفة في بلاد النفط، وفقا لتقرير شبكة «سكاي نيوز».

شيء آخر تهدف له إثيوبيا وهو أن تصبح أكبر مصدر للكهرباء إلى إفريقيا، بعد أن تسد حاجتها للكهرباء خصوصا مع المشاريع الاستثمارية والتكنولوجية التي بدأتها.

هذا هو سد النهضة وفائدته التنموية بالنسبة إلى أفريقيا، والتي بدأت في بناءه باستثمارات أجنبية ضخمة تعتبر الصين شريكا رئيسيا فيها؛ رغم ما يثيره السد من مخاوف حول تأثير على حصة مصر في مياه النيل.

دعم المشروعات الصغيرة 

إثيوبيا نجحت في جذب استثمارات الدول الكبرى؛ وعلى رأسها الصين وكوريا الجنوبية؛ ودول الخليج مثل السعودية. لكن شيء كبير كان ينقص خطة إثيوبيا في التنمية وهو اهتمامها بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة؛ حتى يستفيد المواطنون البسطاء من هذه التنمية؛ وهو الشيء الذي أعلن وزير الصناعة في العام 2015 عن أن إثيوبيا بدأت بالفعل في إدراجه بخطتها.

تطوير القدرات البشرية

لم تكن البلاد لتحقق كل هذا دون إعادة تأهيل المواطنين علميا ومهنيا؛ وهو الأمر الذي أدركته مبكرا للغاية. فبدءا من العام 1993 تم العمل أولا على مكافحة تسرب الأطفال من التعليم؛ وإلحاق 3 ملايين طفل بالمدارس؛ ووصلت  هذه النسبة في العام 2008 إلى 17 مليون طفل.

وبجانب التعليم اهتمت الدولة بتنمية المهارات المهنية لخريجي المدارس والجامعات؛ وذلك بما يتناسب مع سوق العمل والمشاريع القومية التي تساعد في نهضتها الاقتصادية؛ وفقا لورقة أعدها رئيس المجلس الفيدرالي الأثيوبي كاسا تكلبرهان.

أخطاء ودروس 

نجحت إثيوبيا في خطتها التنموية، لكن اهتمامها الزائد بالاستثمار وبتحقيق نمو اقتصادي سريع حال دون تحقيق العدالة الاجتماعية.

كانت الأراضي الزراعية الشاسعة تنزع من الأهالي لمنحها للمستثمرين، ولإعادة توطين أفراد القبائل في مناطق أخرى. واتباع هذه السياسة لسنوات طويلة أدى إلى تظاهرات عنيفة قادتها القبائل عام 2015؛ وقتلت منهم الشرطة 600 متظاهر؛ وفقا للجنة الإثيوبية لحقوق الإنسان.

انتهاكات حقوق الإنسان التي وقعت فيها الحكومة الإثيوبية أثرت على تراجع خطتها التنموية؛ فقد تراجع الاستثمار بمقدار 20% بعد أن هاجمت القبائل الشركات الأجنبية.

كما أن سيطرة دول بعينها على أغلب الاستمثارات الأجنبية أثار الشكوك حول استقلالية القرار الإثيوبي؛ خصوصا أن إسرائيل تعتبر شريكا اقتصاديا بواقع 112 مليون دولار في العام 2013؛ وفقا لموقع ALL Africa. وهو رقم ضئيل مقارنة بالدول الأخرى؛ فالصين حوالي 12 مليار دولار، والسعودية والمغرب 5 مليارات، وتركيا 3 مليارات.

ربما حققت إثيوبيا إنجازا كبيرا رغم كونها دولة فقيرة كما يقول رئيس المجلس الفيدرالي؛ بالشكل الذي أصبحت به نموذجا لغيرها من الدول؛ لكنه يظل إنجازا مهددا إن لم تتعلم من أخطائها.

أميرة عبد الرازق

أميرة عبد الرازق

محررة صحفية ومترجمة مصرية مهتمة بشؤون التعليم واللغات وريادة الأعمال