طب نبص على سنغافورة في 2017.. الاقتصاد في خطر
سنغافورة كانت مستعمرة بريطانية، وهي بلد صغير في وسط آسيا استخدمها الاستعمار كسوق تجاري وقاعدة عسكرية ومصدر للموارد الطبيعية. دولة ضعيفة ونامية ومستنزفة الموارد من دول العالم الثالث، وأكثر من 75% من مواطنيها متسربين من التعليم.
تركها الاستعمار عام 1960 ببنية تحتية ضعيفة واقتصاد ينهار واختفاء تدريجي للصناعات المحلية؛ وصراعات بسبب التعددية العرقية والدينية، واضرابات عمالية، وبيئة غير مبشرة أو جاذبة لأي نوع من الاستثمار.
خمسون عاما فقط مرت بعد الاستقلال حتى أصبحت سنغافورة من أكثر الدول رفاهية والأفضل في التعليم. يترك الطالب الأوروبي والأمريكي كبرى الجامعات في بلاده ليدرس في سنغافورة.
في تقرير للبنك الدولي تحتل سنغافورة المركز الثاني بعد نيوزلاندا، في ممارسة أنشطة الأعمال 2017.
ويقيم التقرير الأنظمة التي تعزز النشاط التجاري وتسهل ممارساته وحماية المستثمرين والتجارة عبر الحدود؛ وفقا لموقع البنك الدولي.
وفي المقابل كان العام 2016 مليئا بالأزمات الاقتصادية التي شهدتها مصر، وانتهت بانهيار قيمة الجنيه المصري أمام الدولار، وتعويم العملة، فهل هناك شيء يمكن أن تتعلمه مصر من تجربة سنغافورة مع بداية العام الجديد 2017؟
الستينيات وتحريك المياه الراكدة
كان الشيء الأساسي الذي يحتاجه مواطنو سنغافورة في فترة التسينيات وبعد الاستقلال هو توفير فرص عمل في مجتمع تفشت فيه البطالة بشكل كبير؛ فالاقتصاد يحتاج إلى دعم كبير، فما العمل؟
شجعت الحكومة بقيادة رئيس سنغافورة السابق لي كوان يو، الصناعات البسيطة أولا، فمنها توفر وظائف للمواطنين الغاضبين ولتهدئة الاضطرابات العمالية؛ ومنها تضع أساسا لخطة اقتصادية تنموية؛ وفقا لموقع حكومة سنغافورة «EDB». وبدأت بصناعات بسيطة للغاية مثل النسيج والملابس الجاهزة ولعب الأطفال والمنتجات الخشبية.
وجنبا إلى جنب اتجهت الحكومة لدعم الصناعات الثقيلة، مثل صناعة البترول والحديد والصلب.
نجاح هذا البرنامج كان يعني شيئا واحدا، وهو اتخاذ خطوة أخرى تتمثل في صناعة المواد الخام، فحتى ذلك الوقت كانت المواد الخام تأتي من ماليزيا؛ إضافة للاتجاه للتصدير وجذب الاستثمار الأجنبي.
السبعينيات وحل التكنولوجيا
ومع قدوم السبعينيات كانت سنغافورة قد حققت إنجازا كبيرا في الخطة الاقتصادية كما وضعها مجلس التنمية الاقتصادية بسنغافورة، وشيدت كثير من المصانع والشركات الناشئة التي دعمت بالعمالة الماهرة.
وأصبحت الصناعات أكثر تعقيدا بعد أن اتجهت سنغافورة بخطوات بسيطة إلى سوق التكنولوجيا، فبدأت تصنيع أجزاء الكومبيوتر والبرمجيات ورقائق السيليكون التي يصنع منها معالج الكومبيوتر، حتى أصبحت سنغافورة من الدول المصدرة لهذه القطع التكنولوجية.
وعقدت الدولة العديد من الاتفاقيات والمنح التدريبية لتدريب المواطنين في مجالات الصناعة وصناعة التكنولوجيا مع العديد من الدول مثل اليابان وفرنسا وألمانيا وهولندا والهند والفلبين.
وهذه المهارة التي اكتسبها أبناء سنغافورة في الخارج، كان لها أثر كبير في العبور بالدولة لمرحلة أكثر تطورا من الناحية الاقتصادية.
بالتعليم المرح اليابان في الصدارة.. طب إزاي؟
الثمانينيات وتهديد الركود الاقتصادي
انتقلت سنغافورة من إرسال طلابها وعمالها للخارج لتلقي العلم والتدريب اللازم للنهوض بالاقتصاد؛ إلى عقد شراكة مع هذه الدول الكبرى وبالتحديد مع اليابان وفرنسا وألمانيا، لإنشاء معاهد تكنولوجية وصناعية، لإمداد الدولة بالموظفين المهرة في مجالي الهندسة بمختلف فروعها والتكنولوجيا، وتعزيز البحث العلمي الذي يخدم المجتمع ويناسب التطبيق العملي في هذه المجالات.
لكن سنغافورة وقعت في مشكلة كادت أن تضيع كل هذا الجهد هباء وتعيدها عشرات السنوات إلى الوراء.
فبسبب سياسة الأجور المرتفعة لجذب العمالة وتشجيعها وتسريع الصناعة وبسبب المبالغ الكبيرة التي أنفقت على معاهد التكنولوجيا، تضخمت نفقات الدولة ومع الركود الاقتصادي العالمي، انزلقت سنغافورة في هذا الركود هي الأخرى.
كان على سنغافورة أن تعود لمكانتها مرة أخرى، وهنا اقترح وزير الصناعة «لي شيان لونج» باتباع النظام المرن للأجور، فزيادة المرتبات ستكون بناء على نسبة زيادات أرباح الشركة.
ووضع مجلس التنمية الاقتصادية خطة جديدة بالتوسع في جذب الاستثمارات العالمية في مختلف المجالات المصرفية والتعليمية والتكنولوجية والطبية؛ لتكون سنغافورة مركزا متكاملا لرواد الأعمال.
وكان نتاج هذه الجهود هو إنشاء أول محطة لإنتاج رقائق السيليكون، ثم إنشاء مصنع «آبل» للكومبيوتر.
التسعينيات والتمسك بالكفاءة
انتقلت سنغافورة من مرحلة إنشاء وتأسيس الشركات والمصانع إلى رفع كفاءتها في الصناعات الهندسية والتكنولوجية والكيماوية. كما بدأت بتطوير صناعات جديدة مثل التكنولوجيا الطبية وصناعة الأدوية. كل هذا جعل الاقتصاد في سنغافورة متنوع المصادر ومتوازن بشكل كبير.
كما دخلت سغافورة في مرحلة جديدة وهي جذب أصحاب الخبرة والأيدي العاملة الماهرة من جميع أنحاء العالم.
يسجل رئيس سنغافورة السابق لي كوان يو، هذا الاندهاش من التقدم الاقتصادي غير المسبوق الذي حققته البلاد في وقت قصير، فيقول في كتابه «من العالم الثالث للأول.. قصة سنغافورة» إن: «كل من توقع حين انفصلنا عن ماليزيا عام 1965 بأن سنغافورة ستصبح مركزا ماليا اعتبر مجنونا».
دعك من كل ما تسمعه.. ماذا تعرفه عن الوجه الآخر لأمريكا
الألفية ومنافسة الدول الكبرى
في مقال نشر عام 2013 بموقع «SBR» يقول ألفونسو سبارزا إنه «بينما تشهد الدول الكبرى تباطؤا في معدلات التنمية فإن الدول الآسيوية الناشئة مثل سنغافورة يتصاعد نموها الاقتصادي بشكل مثير للإعجاب، والولايات المتحدة لا تزال تتعافى من آثار الأزمة الاقتصادية العالمية؛ إنها تسير بمستوى متوسط لكنه ثابت. أما أوروبا واليابان فيحتاجان لمزيد من الدفع لمواجهة تحديات اقتصادية حالية».
وإذا عدنا إلى ما قبل ذلك في عام 2006 فقد وضعت سنغافورة ميزانية تقدر بـ13 مليار دولار للبحث العلمي والتنمية التكنولوجية خلال خمس سنوات.
وتأسست المؤسسة الوطنية للبحوث لتصبح سنغافورة واحدة من الدول صاحبة الاقتصاد القائم على المعلومات والذي يقوم على الابتكار وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
ماذا فعل التعليم بسنغافورة؟
كانت سنغافورة بلدا ضائعا في الفترة التي تلت انسحاب الاستعمار البريطاني، ولم تكن النهضة الاقتصادية لتتحقق دون أن يكون التعليم موازيا لها.
لقد كان التعليم بالفعل سببا مباشرا في النهضة الاقتصادية؛ فكل مرحلة من التطور الاقتصادي الذي شهدته سنغافورة بدأ بإرسال البعثات التعليمية والتدريبية للدول المتقدمة، ثم استقدام الخبرات الأجنبية لتدريب المواطنين بالداخل، ثم إنشاء المعاهد والمؤسسات العلمية المبنية على أحدث النظم التعليمية والتكنولوجية.
ولم تلبث سنغافورة أن تضع بصمتها في التعليم وتتفوق على كبرى الدول في التعليم كما تفوقت عليها في الاقتصاد.
وأسست الدولة نظامها التعليمي على مبدأ واحد فقط هو المرونة وتحبيب الطفل من صغره في التعليم؛ فمنذ مرحلة الحضانة لا يوجد إجبار للطفل على دراسة شيء لا يحبه.
تتنوع المدارس في سنغافورة لتصبح أشبه بالمدارس المتخصصة، فهناك المدارس التي تركز على العلوم أو على الرياضة أو على المهارات الفنية، وعلى الوالدين أن يراقبا ميول الطفل ويقدما له في المدرسة التي تناسب موهبته. في هذا البلد الناشيء لا يوجد ما يسمى بدراسة شيء لا تحبه.
وتؤكد وزارة التعليم بسنغافورة أن الطفل عندما يكبر على دراسة كل ما يتعلق بموهبته، فهو أجدر بأن يكون أكثر إبداعا في عمله عندما يكبر، وهذا يعني مزيدا من التقدم والتنمية للبلد ككل.
إنجازات أخرى حققتها سنغافورة في التعليم سواء على مستوى التعليم الأساسي أو الثانوي أو الجامعي. يمكنك الاطلاع على التفاصيل بقراءة هذا الموضوع «التعليم في سنغافورة.. هنا يختار الطلاب مناهجهم».