رُهاب الساحة.. قد تقضي نصف عمرك في المنزل بسبب الفوبيا
فجأة ودون مقدمات حالة من الرعب سيطرت عليها أثناء تواجدها في الشارع لتفقد القدرة على التحكم في نفسها، فظلت تصرخ رغم محاولات أمها التي كانت برفقتها في إسكاتها، هكذا حكت جاسمين سمير، 39 عاما، لـ«شبابيك» عن معاناتها مع مرض رُهاب الساحة.
في التقرير التالي تنقل «جاسمين» قصتها مع المرض بداية من اللحظة الأولى التي اُصيبت به حتى تماثلها للشفاء، فضلا عن آراء خبراء الطب النفسي.
تبدلت حياتها
في غمضة عين انقلبت حياة «جاسمين» رأسا على عقب، فاصابتها بالمرض جاءت بشكل مفاجئ، وتحكي القصة من بدايتها وتقول: «أنا كنت إنسانة طبيعية جدا ومكنتش بخاف من حاجة تقريبا لكن في لحظة جاتلي نوبة هلع فجاءة وأنا في الشارع، حسيت برعب ومقدرتش اتحكم في نفسي بقيت أصرخ وأمي تحاول تهديني».
وتتابع: «بعدها حياتي اتغيرت تماما، ما بقتش عارفة أنزل من بيتي. لما كنت بحاول اضغط على نفسي واخرج كنت بشوف عذاب مش قادرة أوصفه، لأني طول الوقت عندي أعراض نوبة الهلع، كانت ضربات قلبي سريعة، وعرق، وضيق في النفس، وتشويش في الرؤيا. طبعا اللي كان بيخرج معايا كان بيتعذب لأني خايفة طول الوقت وخايفة امشي من طرق معينة».
استشاري الطب النفسي، الدكتور جمال فرويز يرى أن رُهاب الساحة (الساح) عادة ما يحدث نتيجة لتعرض الشخص لموقف ضاغط أثناء تواجده بالشارع، كرؤية حادث مثلا، أو تعرضه للضرب أو السرقة، أو حتى رؤيته لشخص يرتدي نفس الملابس التي كان يرتديها شخص اعتدى عليه من قبل.
لكن في بعض الحالات لا يكون هناك أسباب واضحة للإصابة بالمرض، وفقا لأستاذ الطب النفسي بجامعة الزقازيق الدكتور أحمد عبد الله، وهو الحال مع «جاسمين». ويشير «عبد الله» إلى أنه كلما زادت الضغوط التي يعاني منها الشخص في حياته، مع وجود جينات أو أسباب وراثية، زادت احتمالية الإصابة برُهاب الساحة أو فوبيا الخروج من المنزل.
بعد الإصابة بالمرض يصبح خروج الشخص من منزله أمرا شاقا بل ومرعبا بالنسبة له، ففي كل مرة يخرج فيها يشعر بالخوف الشديد الذي يصاحبه عدة أعراض، منها: الصداع، والزغللة، وجفاف الحلق، وضيق التنفس، ورعشة في الأطراف، والتنميل، والعرق، وفقا لأستاذ الطب النفسي بجامعة الزقازيق.
كفاية «شيزوفرينيا».. هكذا تكتشف الفصام وتتعافى منه
17 عاما من المعاناة
«نص حياتي تقريبا قضتها مع المرض، بدأ معايا وأنا لسه عندي 21 سنة، واستمر أكتر من 17 سنة بس أخر 5 سنين مكنتش بخرج خالص»، هكذا تسرد «جاسمين» معاناتها مع المرض.
وتتابع: «في مرة كنت خارجة مع ابني واختي وجاني خوف شديد أوي وأنا معاهم في الشارع، ابني بقى بيبوصلي وهو مخضوض وفي اليوم ده روحت بأعجوبة وقررت إني مش هاخرج تاني من البيت من كتر العذاب اللي بحس بيه وخوفي على ابني مني ليبقى زيي خصوصا لأني مطلقة وملوش غيري، وفعلا فضلت لمدة 5 سنين كاملين ابعد مشوار روحته يبعد عن بيتي بشارعين، وكل حياتي في البيت وابني بيخرج مع أمي واختي، وناس ماتت وناس اتجوزت في عيلتي لكن معرفتش أشوف حد».
تكرار حدوث نوبات الهلع والإحساس بالخوف الشديد بمجرد الخروج من المنزل، يدفع الشخص إلى التوقف عن الخروج نهائيا، مثلما فعلت «جاسمين»، لأنه يجد في ذلك وسيلة للهروب من العذاب الذي يواجهه في كل مرة يخرج فيها، وفقا لاستشاري الطب النفسي، الدكتور جمال فرويز.
التماثل للشفاء
لم تستسلم للمرض بل قررت مقاومته حتى لا يحدث مضاعفات تجعل حالتها أكثر سوءا، لذلك قررت «جاسمين» أن تشغل وقتها بعمل لا تحتاج فيه إلى الخروج من منزلها، فكان شغل «الهاند ميد» سبيلها لتتجنب الاكتئاب لكونها حبيسة داخل منزلها لسنوات عدة: «لأني مكنتش بخرج من البيت فمبقتش عارفة أشوف أهلي كويس، هما بس كانوا بيجوا من وقت للتاني، ولا كنت بشارك في أي مناسبة لدرجة حسيت إني داخلة على حالة اكتئاب لكن شغل الهاند ميد مخلنيش أوصل للمرحلة دي».
وعن تجربة «جاسمين» في التغلب على المرض نهائيا، تحكي: «كنت بتعالج من المرض على أساس أنه مشكلة نفسية لكن طلع في الأخر مشكلة عضوية، مرتبط بخلل في الغدة، تحديدا الغدة الكظرية الموجودة فوق الكلى، لأنها بتفرز بطريقة غلط وبتدي إشارات غلط للمخ فبتسبب الخوف غير الطبيعي. تابعت مع دكتور وأخدت العلاج وبقى فيه تحسن بسيط في البداية بقيت أقدر أنزل في الأسانسير لوحدي، لحد ما خفيت تماما الحمد لله».
العلاج الدوائي يأتي في المقدمة الأولى لعلاج رُهاب الساحة، وفقا لخبيرا الطب النفسي، حيث يؤكدا على أنه يساعد في علاج الحالة بنسبة 60 إلى 70 % تقريبا، ثم يأتي بعده العلاج المعرفي بنسبة 40 إلى 30 %: حيث يتناقش الطبيب مع المريض حول طبيعة المرض ولماذا حدث؟ حتى يُغير طريقة تفكيره عنه ويتمكن من مواجهته.
وأخيرا العلاج السلوكي، ويتم اللجوء إليه في حالة عدم جدوى العلاج الدوائي والمعرفي أو في حالة وجود بعض الأعراض الجسمانية، حيث يتدرب المريض على كيفية تنظيم عملية التنفس، بالإضافة إلى ممارسة تمارين الاسترخاء.
فضلا عن العلاج بالتطبيق العملي، حيث يكون على المريض الخروج برفقة شخص آخر أكثر من مرة في اليوم الواحد، ويستمر ذلك عدة أيام، على أن يتم بشكل تدريجي بحيث يبقى معه طوال الوقت في المرة الأولى وفي الثانية يتركه في مكان ما بمفرده لفترة معينة ليعود إليه بعدها وفي المرة الثالثة يتركه يعود للمنزل وحده، وفي النهاية يكون على المريض الخروج والعودة لمنزله بمفرده دون مرافقة أي شخص.