هنا دير مار جرجس.. حامي الآثار وطارد اللصوص في قنا والأقصر
لا يمكن أن تكون في محافظتي قنا أو الأقصر دون أن تزور دير مار جرجس الذي يقع في حضن جبل الرزيقات بمركز أرمنت. تبعد أرمنت عن القاهرة 691 كم، وتقع على الضفة الغربية لنهر النيل، وتبعد عن الأقصر حوالي 20 كم.
احتلت أرمنت موقعاً جغرافياً وتاريخياً ممتازاً لموقعها وقربها من عاصمة مصر الفرعونية طيبة (الأقصر)، وكانت تعرف باسم «أيون منت» أي مدينة الإله منتو، وعرفت باللغة القبطية باسم «هرمنت»، ثم حرفت في العربية إلى أرمنت وهي المدينة التي ولد فيها إخناتون وتربى على يد كهنتها.
حكايات الأهالي
ستجذبك حكايات الأهالي عن هذا الدير وصاحبه، وستكون مدفوعاً دفعاً للزيارة بعد أن تعلم أن به كنائس تاريخية تعود للقرن الرابع الميلادي.
أثناء استقلالك عربة الأجرة سواء من أرمنت أو من الأقصر في طريقك للرزيقات سيخبرك الأهالي أن الجبل مقدس ومبارك وأن مار جرجس يحميه طوال اليوم.
سيحدثونك أيضاً عن معجزات مار جرجس والتي تدور حول فكرة الحماية والحراسة لهم وللأقصر كلها، والتي وصلت بالخيال الشعبي أنه هو الذي يحافظ على الآثار من النهب والسرقة. بل إنه يحاسب اللصوص.
وإذا كنت من محبي القراءة في التاريخ الفرعوني سيأتي على خاطرك ذلك النص الموجود على معبد دندرة لحراس ساعات الليل والنهار والذي تقوم الآلهة فيه بحراسة جسد أوزوريس 24 ساعة.
أصبحت مهيأ الآن لزيارة الدير الذي أنشئ في نهاية القرن الـ19 ما بين عامي 1850 و1870، وهو من الأديرة المنتشرة في صحراء مصر الغربية والتي تنسب إلى الأنبا باخوميوس مؤسس الرهبنة في صعيد مصر.
كنيسة أثرية
ستشاهد داخل الدير كنيسة يرجع تاريخها إلى القرن الرابع الميلادي، وستنبهر بـ11 قبة مبنية كلها من الطوب اللبن في نظام بديع تشتهر به الأديرة المسيحية المصرية.
ستلاحظ أيضاً التشابه الكبير بين أيقونة مار جرجس الموجودة على جدران الكنيسة وهو يقتل التنين، وجدارية معبد هيبس والتي تصور حورس فوق حصانه وهو يقتل الثعبان رمز الإله ست إله الشر بحربته.
سيدي العريان.. قصة قديس مسيحي يتخذه المسلمون ولياً
معالم المولد
ستكون محظوظاً إذا تزامنت زيارتك للدير مع مولد مار جرجس الذي يقام في الفترة من 10 حتى 17 نوفمبر. وتتجمع آلاف الأسر داخل الدير ويضيئون الشموع ويوزعون النذور، ويشاركهم في ذلك المسلمون الذين يأتون من كل مكان.
لا تقلق فالناس هنا يعرفون كيف يتعاملون مع الزوار ويوفرون لهم كل سبل الراحة، خاصة أن زوار هذا المولد يفوقون في عددهم زوار موالد أخرى أكثر منه شهرة.
في هذا المولد الضخم يتحول الجبل إلى مدينة ذات سوق كبير واحتفالات شعبية تلمح فيها جذوراً قديمة جداً، ويبدو فيها تأثير عاصمة مصر القديمة واضحاً، ورغم تغير العقائد أكثر من مرة وتغير اللغة أكثر من مرة فإنك ستفاجئ بأن الروح لم تتغير على مر العصور.
ستفاجأ بعشرات الآلاف من الزوار الذين جاءوا من جميع أنحاء مصر، وستلاحظ ذلك من لافتات السيارات التي تحمل أسماء لمدن مختلفة. ستجد أيضاً أجانب كثيرين جاءوا من الأقصر وأسوان بكاميراتهم لالتقاط صور لهذا الحدث السنوي. سيأثرك الراوي الشعبي الذي يعزف على ربابته وهو يحكي بصوته الجميل سيرة مار جرجس حتى الصباح.
الناس هنا يتهافتون على المأكولات الصعيدية خاصة الفايش (نوع من الخبز) والعيش الشمسي والملوخية الصعيدي الناشفة التي يشترون منها كميات كبيرة ليس لاستهلاكها في المولد ولكن ليأخذونها معهم ويقدمونها هدايا لأحبائهم وأقاربهم. الملوحة أيضاً هنا لها مكانة عالية في بيعها.