رئيس التحرير أحمد متولي
 عشرون عاما من حوادث القطار المروعة.. ومن الجاني؟

عشرون عاما من حوادث القطار المروعة.. ومن الجاني؟

تستيقظ مصر بين حين وآخر على حادث قطار مروع.. ضحايا كثيرون ومشاهد مفزعة؛ حتى أصبح السؤال الملح هو لماذا تتكرر حوادث القطارات حتى تخطت 20 حادثة مروعة، في الخمسة والعشرين سنة الأخيرة؛ هذا فضلا عن الحوادث الصغيرة.

هل هو تهالك في منظومة السكة الحديد أم خطأ بشري بحت؟ وماذا تقول لنا حوادث القطارات السابقة وكذلك الخبراء والمسئولين؛ عن هذه الأسباب؟

الإهمال في منظومة السكة الحديد

  • حريق قطار العياط 2002 

 

كانت الساعة الثانية فجرا من يوم الاثنين الموافق 20 فبراير 2002؛ عندما  كان القطار رقم «832» المتجه إلى أسوان على وشك مغادرة مركز العياط بالجيزة.

كان القطار مكتظا بالمسافرين الذين يستعودن لقضاء إجازة عيد الأضحى مع ذويهم؛ عندما اندلعت النيران في العربة الأخيرة للقطار؛ وانتقلت إلى سبعة عربات أخرى.

361 قتيلا أسفر عنهم الحادث؛ والسبب الحادث هو انفجار أنبوبة بوتجاز، كما صرح رئيس الوزراء الأسبق وقتها «عاطف عبيد».

فصل السائق عربات القطار المحترقة وانطلق مسرعا ليتفادى احتراق المزيد من العربات؛ وليترك الركاب مع مصيرهم، بعد أن أبلغ عن الحادث.

كانت كارثة إنسانية هزت البلاد بالفعل، وكشفت عن حجم مرعب للفساد في السككة الحديد؛ في الوقت الذي يصرح فيه رئيس الوزراء أنه لا يوجد أي دليل على التقصير من هيئة السكة الحديد؛ فالقطارات سليمة وتتم صيانتها بشكل دوري قبل أن تخرج من الورشة.. أما الحريق فسبب إهمال الركاب واستخدامهم لأنابيب البوتجاز داخل القطار.

أغلقت القضية ببراءة جميع المتهمين فيها ومنهم مهندسين صيانة، وعمال بورش القطارات؛ واستقالة وزير النقل الأسبق «إبراهيم الدميري».

حُكم المحكمة أيد قول رئيس الوزراء، رغم أن حيثيات الحكم تحمل شهادة أحد خبراء فحص القطار الذي قال أنه لم يكن مزود بـ«طفايات فعالة للحريق».. كان هناك طفايات ولكنها غير صالحة للاستخدام.

  • قطار المنصورة 2006 وعُطل الفرامل


في أغسطس 2006 كان القطار القادم من بنها مكتظا بالركاب، يتكدسون في الممرات والنوافذ؛ وعندما وصل إلى محطة قليوب توقف القطار قليلا، والتي لم يكن مصرحا له بالوقوف فيها؛ ليصطدم بقطار آخر،«المنصورة- القاهرة» اصطداما عنيفا أسفر عن أكثر من 50 قتيلا.

كان السائق بقطار بنها قد أشعل ضوءا تحذيريا بعد وقوفه، لكن سائق قطار المنصورة لم يرَ الضوء، وعندما شاهد القطار أمامه فجأة، حاول الإبطاء من سرعته لكن جهاز التحكم لم يكن يعمل.

لم يكن هناك متهمون هذه المرة، غير سوء حالة القطارات؛ فمحكمة النقض برأت جميع المسئولين في القضية؛ وأرجعت الحادث لعطل في جهاز الفرامل.

  • قطار البدرشين وتهالك العربات

كان الضحايا جميعا من أبناء القوات المسلحة.. 17 مجندا لقوا مصرعهم وأصيب 100 آخرين؛ عندما انفصلت العربة الأخيرة في القطار الحربي بالبدرشين.

لم تنفصل العربتان فقط، فنتيجة لتوقف القطار، اصطدمت العربتان بقطار بضائع قادم من الخلف؛ ما أحدث إصابات خطيرة بين المجندين.

منذ بداية الرحلة في فجر يوم 17 يناير من العام 2013؛ وهناك مشاكل فنية أنذرت بالحادث القريب أبرزها سقوط مثلث العجلات بالعربة، وأوقف السائق القطار وأبلغ ملاحظ «البلوك» خوفا من اصطدامه بقطار آخر؛ لكن هذا لم يشفع له أمام النيابة التي اتهمته بالتقصير.

تعليقات وزير النقل الأسبق الدكتور «حاتم عبد اللطيف» على هذا الحادث، قالت إن 85% من عربات السكة الحديد انتهى عمرها الافتراضي؛ وأنها تحتاج للكثير من الصيانة الدورية وقطع الغيار؛ إضافة إلى إعادة تأهيل العنصر البشري بهيئة السكة الحديد.

وفي ذلك الوقت أعلن وزير النقل أنه بحاجة إلى 10 مليارات جنيه، لتنفيذ عمليات التطوير.

حوادث قطارات بسبب الإهمال البشري

  • قطار منفلوط وإهمال عامل المزلقان 

كان الوقت صباح السبت الموافق 17 نوفمبر 2012؛ عندما استقل التلاميذ الصغار الحافلة المدرسية، متوجهين إلى معهد النور الأزهري بمدينة منفلوط التابعة لمحافظة أسيوط.

في الوقت نفسه كان سائق القطار رقم «165» المتجه للمنيا؛ يتفحص الطريق والقضبان جيدا؛ منتظرا أي إشارة قبل عبوره المزلقان.. لم يجد السائق أي إشارات تحذرية، استكمل طريقة بالسرعة ذاتها حتى فوجئ بالحافلة المدرسية أمامه.

اصطدم القطار بالحافلة.. قُتل 50 تلميذا، وسائق الحافلة، ومُدرسة بالمعهد الأزهري.

الإجراء الأول كان إلقاء القبض على عامل المزلقان؛ الذي تركه مفتوحا، ولم يكن متواجدًا لحظة الحادث.. في اتهام صريح بالإهمال وتوجيه إليه المسئولية كاملة، وفقا لمحافظ أسيوط آنذاك «يحيى كشك».

شهود عيان حاول عامل المزلقان أن يثبت من خلالهم تواجده في الموقع؛ وأنه هرب بعد الحادث مباشرة خوفًا من غضب الأهالي.

العامل لم يكن المتهم الوحيد؛ فشهادة سائق القطار تقول إنه رغم أن المزلقان كان مفتوحا وتفاجئ بالحافلة المدرسية أمامه؛ إلا أنه كان يسير بسرعة 120 كيلو مترا في الساعة.. الطرق متهالكة، والقطارات أيضا.. وهذا ما جعله خائفا من إيقاف القطار فجأة حتى لا تنقلب العربات؛ كما يقول في تصريحات لـ«المصري اليوم».

حُكم بالسجن 10 سنوان على عامل المزلقان، وملاحظ البلوك؛ ورفضت المحكمة الطعن على الحكم. كما استقال وزير النقل وقتها «محمد رشاد المتيني».

  • قطار العياط 2009  وإهمال السائق والمواطنين


انطلق القطار المتجه من القاهرة إلى الفيوم في صباح يوم 24 أكتوبر 2009، وعندما وصل إلى مركز العياط، كان أمامه شيء لم يكن في الحسبان.. «جاموسة» تقف على القضبان.. يصطدم بها القطار.. يدهسها تحت عجلاته.. يتوقف السائق لتهدئة الأهالي الذين ثاروا لمقتل «الجاموسة».

وفي هذه الاثناء يأتي قطار آخر من الخلف والمتجه إلى أسيوط.. يحدث اصطدام بين القطارين، تنقلب عربات القطار الأول وتتهشم وتلتصق ككتلة «صفيح» واحدة، وينتهي الأمر بمقتل 30 شخصًا، وإصابة 58 آخرين.


الروايات التي توردها التقارير الإعلامية تختلف في سبب الحادث؛ تقارير تقول أن السائق لم يعطِ أي إشارات تحذيرية لتوقفه؛ وتقارير أخرى تقول أنه أرسل الإشارات ولم يستجب عمال المزلقان.

لم يحاكم أي مسئول في هذا الحادث، ولم يحدث أكثر من استقالة وزير النقل «محمد لطفي منصور» بعد دعوات شعبية بإقالة الحكومة بأكملها.

لماذا تتكرر حوادث القطار؟

لم تقف حوادث القطارات عند هذه الأمثلة فحسب، ففي تقرير للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، وصلت حوادث القطار في العام 2016 إلى 1249 حادثا بما فيها الحوادث الصغيرة والجسيمة.. قد يبدو الرقم كبيرا، لكن حوادث القطارات قد تراجعت بنسبة  7.8% مقارنة بالعام 2015.

شهادة سائقي القطارات أنفسهم تقول إنه مهما تعددت الأسباب لوقوع حوادث القطار الصغيرة منها والكارثية، فهناك سبب رئيسي ومشترك يرجع إلى تهالك منظومة السكة الحديد، بدءا من القطارات نفسها، والقضبان والمزلقانات.

 «حتى في حالة إجراء صيانة فأنت تجريها لقطار متهالك لا تصلح معه أي صيانة؛ أما سائق القطار فيعرف كل هذا ويسير بالقطار على مسئوليته»..  كانت كلمات السائقين أنفسهم في تقرير أجراه برنامج «بتوقيت مصر» بالتليفزيون العربي؛ حول حوادث القطارات في مصر، تم تصويره في العام 2016، وتمت إذاعته منذ أسبوع.

لكن تقرير المركزي للحاسبات يقول أن 71.3% من هذه الحوادث سببها العنصر البشري؛ و18.2% سببه الأعطال الفنية، و3.7% سببها حالة الطرق.

رئيس هيئة السكة الحديد يقول إنه تم تطوير 240 مزلقان ضمن  1400 ملزقان، لتعمل إلكترونيا، تلافيا للخطأ والإهمال البشري، ويوضح أن الرقم الذي يشير إليه الجهاز المركزي للمحاسبات يشمل جميع الحوادث.. «عندما يصطدم القطار بدابة فهي تقيد كحادثة» وفقا لتصريحاته بالبرنامج.

لكن رئيس هيئة النقل بالبرلمان اللواء «سيد طعيمة» يقول إن هناك قصورا في تطوير السكة الحديد؛ بسبب أن مسئولي هيئة السكة الحديد يتجهون للتوفير في الميزانية.

فميزانية السكة الحديد هي 7.5 مليارات جنيه، لكن المسئولين يتجهون لتوفير أكثر من 40% على حساب التطوير.. المشكلة الأكبر هي أنهم يطالبون الحكومة بعدم صرف أكثر من 3.5 مليارات كميزانية للعام الواحد؛ في الوقت الذي تشير فيه الحكومات المتعاقبة أن تطوير السكة الحديد يحتاج إلى ميزانية ضخمة، لا إلى التوفير فيها.

أميرة عبد الرازق

أميرة عبد الرازق

محررة صحفية ومترجمة مصرية مهتمة بشؤون التعليم واللغات وريادة الأعمال