شكري سرحان وآخرون.. عندما يعتزل الرجال الفن ماذا تكون الأسباب؟
عندما نسمع عن اعتزال أحدهم للفن، فغالبا ما تكون امرأة، وغالبا ما تكون الأسباب المُعلنة هي الرغبة في التوبة وارتداء الحجاب. ولكن ماذا عن الفنانين الرجال؟ من هم المعتزلون منهم؟ ولماذا يقرر أحدهم الاختفاء بعيدا عن الأضواء؟ هل هناك دوافع وأسباب يتشاركون فيها؟
الدين
- شكري سرحان ونشأته الدينية
سبع سنوات كاملة قضاها شكري سرحان بعيدا عن الأضواء حتى وفاته عام 1997. قد يبدو ذلك غريبا عن الفنان الذي يقول إنه أخذ مسيرته الفنية بجدية، للدرجة التي كان يقضي فيها سهراته مع أصدقاءه، يدرسون روائع المسرح العالمي لشكسبير وموليير.
التقارير الإعلامية تفسر ذلك بالنشأة الدينية لـ«سرحان»، فهو نجل مدرس اللغة العربية الأزهري، الذي تربى على أخلاق القرية، وكان يذهب إلى المسجد في سن 7 سنوات للاستماع للشيخ محمد رفعت.
وعندما اختلف مع والده بسبب دراستة للتمثيل، جعله ذلك أكثر حرصا على ألا يحيد عن نشأته المحافظة، وألا يتهاون في حياته الخاصة أو يصبح «شابا طائشا»، بسبب الفن.
وبالعودة إلى المقابلات الصحفية التي أجراها «سرحان» قديما، سنجده يقول إنه كان يرغب في اتخاذ خطوة الاعتزال كثيرا، لكنه اضطر لتأجيلها لسنوات، لتراكم الضرائب عليه بسبب سفره لألمانيا؛ فوضع خطة حتى يستمر في العمل لحين تسديد الضرائب حتى لا تتراكم الديون على أبناءه من بعده.
وأخيرا تحقق لـ«سرحان» ما أراد؛ واعتزل الفن نهائيا بعد آخر أعماله وهو فيلم «الجبلاوي».
- حسن يوسف والشعراوي
كانت طباع حسن يوسف في بداياته بعيدا عن النشأة الدينية، بعكس شكري سرحان، الذي عاصره في تلك الفترة؛ فقد كانوا يلقبونه بـ«الولد الشقي»، فهو الشاب العصري الذي تجري وراءه الفتيات. وكان هذا قبل أن يلتقي بالشيخ محمد متولي الشعراوي ويعلن التزامه دينيا.
عشر سنوات كاملة يبتعد «حسن يوسف» فيها عن «الشقاوة» والفن؛ وظن الجميع أنه سيعتزل نهائيا. لكنه حاول جاهدا أن ينفي الشائعات الذي طاردته، في إحدى لقاءاته الصحفية، بقوله: «لم أعتزل، ولم أقُل أنني تركت الفن للأبد؛ كنت فقط في حالة حيرة أو توهان، وأخذت وقتا طويلا، لأعيد ترتيب حساباتي، والشكل الذي سأعود به للفن بعد الالتزام».
وأخيرا عاد إلى الشاشة، ليقدم البرامج والمسلسلات الدينية؛ كان أشهرها مسلسل «إمام الدعاة» 2003 والذي يجسد فيه شخصية «الشعراوي» بجانب المسلسلات الاجتماعية مثل «زهرة وأزواجها الخمسة» ليفاجئ الجميع أن التزامه لن يمنعه من أداء الأدوار الاجتماعية أيضا.
- وجدي العربي والدين والسياسة
لا أحد كان يمكنه التنبؤ بأن أشهر طفل في السينما، وجدي العربي، سيتعتزل التمثيل نهائيا، وينشغل بالسياسة والبرامج الدينية.
عندما ترى صورته في الطفولة ستتذكره بسرعة؛ فهو «هاني» نجل «فاتن حمامة» في «نهر الحب»، و«كمال» ابن «أحمد عبد الجواد» في «بين القصرين».
أما أشهر أفلامه في مرحلة الشباب، فهو «احنا بتوع الأوتوبيس» الذي يسلط الضوء على تعذيب المواطنين داخل السجون في الحقبة الناصرية.
وكان الفيلم هو بداية لمرحلة اعتزاله؛ فاقتصرت أعماله بعدها على المسلسلات التاريخية الدينية. لكن هذه المرحلة لم تستمر طويلا؛ فقد اعتزل «العربي» الفن، واتجه إلى تقديم البرامج الدينية. وبعد ثورة 25 يناير، ظهرت ميوله السياسية؛ فأعلن دعمه للرئيس الأسبق محمد مرسي، وشارك في اعتصام رابعة.
- محمد العربي.. التزام واختفاء
هو الشقيق الأكبر لـ«وجدي» لكنه بعكس أخيه، قرر الابتعاد عن الأضواء تماما بعد الاعتزال. «محمد» عرفه الوسط الفني كشاب هادئ الطباع وخجول، رغم أن أشهر أعماله هو الفيلم الأكثر جدلا والممنوع من العرض «حمام الملاطيلي».
كان اختيار مخرج مثل «صلاح أبو سيف» لـ«محمد العربي» ليؤدي بطولة الفيلم، ينبيء بأن هذا الشاب سيكون له مستقبلا كبيرا في الفن؛ لكنه ترك كل هذا بسبب الالتزام الديني.
ومثل أخيه، شارك في الأعمال التاريخية والدينية، واشتهر بشخصية «عمار بن ياسر» في فيلم «الرسالة» الذي يحكي سيرة الرسول، وأًنتج باللغة الإنجليزية والعربية.
لكنه لم يتوقف عند المسلسلات الدينية؛ فكانت آخر أعماله فيلم «الزهور لا تموت» عام 1989، وبعده اتخذ قراره الحاسم بالاعتزال.
اختلاف الزمن وعدم التقدير
- محمود ياسين وشائعات اعتزال
منذ سنوات ومحمود ياسين يفضل الابتعاد عن الأضواء؛ ويطل بعمل بين الحين والآخر، ليختفي من جديد. فبعد اعتكاف لمدة 8 سنوات، بعد فيلمه «فتاة من إسرائيل» يخرج من عزلته في فيلم «الجزيرة 1»، ثم فيلم «عزبة آدم» ثم يظهر بشخصية الجد الثري والبخيل في فيلم «جدو حبيبي»، ليقول إنه لا زال قادرا على تقديم أدوار مختلفة عنه.
محمود ياسين اختفي لسنوات بعد هذا الفيلم؛ وهو ما ساعد على ظهور شائعات تقول إنه في حالة اعتزال غير معلن؛ بسبب مرضه ومشاكل بذاكرته تجعله ينسى المشاهد أثناء التصوير.
لكن زوجته الفنانة «شهيرة» ترفض أن تسمي هذا اعتزالا، فزوجها في حالة عزلة ورفض لأي عمل يعرض عليه؛ لأن مستوى الأعمال لم يعد يليق به حتى لو لم تكن سيئة للغاية؛ ولعدم قدرته على تحمل ضغوط العمل في عصر مختلف ومتسارع عن الطريقة التي اعتاد العمل عليها.
- يوسف شعبان وانحدار الفن
ولسبب مشابه قرر الفنان يوسف شعبان أن يعتزل بنفسه قبل أن يدخله الزمن في حيز النسيان. لحظة اعتزال «شعبان» يبدو أنها قد سبقتها سنوات كثيرة من التفكير واسترجاع أدواره الخالدة؛ فهو ضابط المخابرات «محسن ممتاز» في مسلسل «رأفت الهجات»، والحاج «سلامة فراويلة» في «المال والبنون».
لا يترك «شعبان» مناسبة إلا ويترحم على زمن الفن الجميل، فـ«الفن هذه الأيام لم يعد يهتم إلا بالبلطجة والانهيار الأخلاقي».. كما يصرح دائما في لقاءاته الإعلامية.
وهناك سبب آخر لا يتحدث عنه «شعبان» وربما كان سببا في تعجيل اعتزاله؛ وهو خلافات مع منتج أخر أعماله فيلم «المشخصاتي 2» في العام 2016 بسبب خلافات مالية وحذف لأغلب مشاهده، للدرجة التي قال فيها «شعبان» أنه يحمد الله لخسارة الفيلم.
- محمود الجندي وعدم التقدير
أحوال الفن هذه الأيام يبدو أنها لا تعجب محمود الجندي أيضا الذي أعلن اعتزاله بعد مسلسل «رمضان كريم» 2017. «الجندي» لا يقوم عادة بدور البطولة، فشهرته قامت كشخصية ثانوية تعطي للعمل الفني «نكهة» خاصة؛ ورغم أنه رضي بهذه المكانة لسنوات؛ إلا أن سبب الاعتزال لأنه لا يأخذ حقه مقارنة بالممثلين الجُدد.
ليس هذا هو السبب الوحيد كما يقول، فنوعية الأدوار المعروضة عليه لم تعد تناسبه. فكّر في الاعتزال منذ سنوات طويلة لكن بسبب بعض الأدوار «المغرية» يتراجع عن قراره، ومن هذه الأدوار شخصية «عم دهب» الثري البخيل في مسلسل «نيللي وشيرهان» 2016.
وإذا تبدّل الحال، فلا يجد «الجندي» أي مشكلة في التراجع عن الاعتزال. يقول: «لو كنت شوفت بادرة أمل أواختلاف في المعاملة، كنت فكرت كثيرا في الاستمرار في الفن».
يوسف شاهين.. سينما الغموض والفكرة والتمرد
- أحمد رمزي والتجاهل والنسيان
التجاهل إلى حد النسيان التام، كان من نصيب الفنان كثير المرح أحمد رمزي، أحد جوه زمن الفن الجميل؛ وربما أراد هو نفسه أن يحتفظ بصورة «الشاب العضلات» في ذهن الجمهور.
كان ذلك في أواخر السبيعينيات عندما قرر «رمزي» أن يبتعد عن الساحة الفنية، ويشتغل بالتجارة إلى حين. لم يعتزل، ولم ير أيضا أنه سيكون له مكان وسط الجيل الجديد.
تأتي التسعينيات ويحاول «رمزي» العودة للشاشة مرة أخرى؛ وكانت التجاعيد وبوادر الشعر الأبيض ظهرت على ملامحه لتقول إن الزمن لم يسمح له الاحتفاظ بصورة «الشاب الشقي» أكثر من ذلك.
شعر بالتجاهل ففضل العزلة، لكن يبدو أن اشتياقه للفن والجمهور لم ينتهِ، ففي أيامه الأخيرة قبل وفاته عام 2012، كان يطل بين الحين والآخر على البرامج التليفزيونية.. «أريد من الناس أن يتذكروا أحمد رمزي الإنسان وليس الفنان فقط، فأنا لم أعتزل برغبتي للأسف وكنت دائما على كامل الاستعداد لتقديم العديد من الأعمال الفنية المتميزة» كانت هذه كلماته بأحد اللقاءات الصحفية.
المرض
- جورج سيدهم والصدمة والمرض
لم يبتعد جورج سيدهم هو أيضا بإرادته عن عالم الفن، ولأكثر من 25 عاما، اختفى فيها عن الأنظار تماما؛ فلا أعمال فنية أو مقابلات صحفية، والسبب هو شدة المرض.
فعالم التمثيل الذي عرف فيه «سيدهم» كيف يرسم البسمة على وجوه الجمهور، بدءا من أعماله في ثلاثي أضواء المسرح؛ وحتى أعماله السينمائية ومسرحياته المنفردة؛ كان هو المتهم في ما وصل إليه.
الأمر بدأ بصدمة وفاة صديق عمره الضيف أحمد، ثم تفكك الفرقة بانفصال سمير غانم؛ ثم حريق مسرح الهوسابير الذي أنفق أمواله جميعها على تطويره وشراء معدات له من الخارج؛ كل هذا أدى إلى إصابته بجلطات متتالية في المخ، وأصابته بشلل نصفي أفقده القدرة على الحركة والكلام.
ورغم كل هذا يصر «سيدهم» على عدم الاستسلام، فما إن تحسنت صحته قليلا بعد 20 عاما، حتى ظهر في إعلان بيبسي 2014 وهو يجلس مبتسما على كرسي متحرك، وقد فقد الكثير من الوزن، ويقف بجواره رفيقه الذي تخلى عنه قبل سنوات سمير غانم.