عبرت الرسائل المتبادلة بين الأديب الراحل إحسان عبدالقدوس ووالدته فاطمة اليوسف عن حجم العلاقة القوية التي كانت تربطهما. «شبابيك» يستعرض عدداً من هذه الرسائل، وغيرها والتي تكشف عن علاقة الأديب بالرئيس الراحل جمال عبدالناصر على خلفية أحداث بعينها.
نصائح لرئيس التحرير
في العام 1945 تولى إحسان عبد القدوس رئاسة تحرير مجلة روزاليوسف وفي هذه المناسبة كتبت له والدته خطاباً مفتوحاً قالت له فيه:
ولدي رئيس التحرير
عندما اشتغلت بالصحافة وأسست هذه المجلة كان عمرك خمس سنوات. قد لا تذكر أني حملت العدد الأول ووضعته بين يدك الصغيرتين وقلت: هذا لك.
مر عشرون عاماً قضيتها وأنا أرقب في صبر وجلد نمو أصابعك حتى تستطيع أن تحمل القلم، ونمو تفكيرك حتى تستطيع أن تقدر هذه الهدية التي كونتها بدمي وأعصابي خلال سنين طويلة لتكون اليوم لك.
والآن وقبل أن أضعك أمامي لأواجه بك الناس، دعني أهمس في أذنك بوصية أم إلى ابنها ووصية جيل إلى جيل: مهما كبرت ونالك شهرة، لا تدع الغرور يداخل نفسك، فالغرور قاتل.
كلما ازددت علماً وشهرة فتأكد أنك ما زلت في حاجة إلى علم وشهرة.
حافظ على صحتك، فبغير الصحة لن تكون شيئاً.
مهما تقدمت بك السن فلا تدع الشيخوخة تطغى على تفكيرك، بل كن دائماً شاب الذهن والقلب، وتعلق حتى آخر أيامك بحماسة الشباب.
حارب الظلم أينما كان، وكن مع الضعيف على القوي ولا تسأل عن الثمن.
كن قنوعاً، ففي القناعة راحة الحسد والغيرة.
ثق أني معك بقلبي وتفكيري وأعصابي. فالجأ إلي دائماً.
وأخيراً دع أمك تستريح قليلاً!.
رسالة من سويسرا
أثناء وجوده في سويسرا أرسل تحفة أدبية في شكل رسالة إلى أمه خطّها على ورق الفندق الذي كان يقيم فيه هناك. جاء فيها:
حبيبتي ماما
أكتب إليك وأنا جالس في شرفة الفندق، وبحيرة لوجانو تحت قدمي، وجبل على يميني وجبل آخر على يساري، وبين أحضاني أشجار رائعة طرّز الخريف أوراقها باللون الأحمر والأصفر والأخضر، ولكني في هذه اللحظة لا أرى البحيرة ولا الجبال ولا الأشجار ولا الخريف.
أراك أنت وحدك، أراك في قلبي، وأراك في عيني.. أراك جميلة وعظيمة.. أجمل وأعظم من كل ما في أوروبا.
كنت أراك جميلة طول عمري.. وما زلت حتى اليوم أراك بضفائر طويلة في لون الذهب، وبشرتك في لون اللبن المخروط بعصير الورد، وعيناك في لون الربيع تنبضان بالحياة والحنان.
كنت في صباي لا أستطيع أن أقدر لماذا أنت عظيمة؟.. ماذا فعلت حتى تكون عظيمة.. إنك مشهورة، وإنك ناجحة.. نجحت في المسرح، ونجحت في الصحافة، ولكن ليس كل المشهورين عظماء، وليس كل الناجحين عظماء، فلماذا أنت عظيمة.. ما سر عظمتك؟!.
ولد «خسران»
في 19/7/1947 كتبت إليه أثناء سفره إلى باريس قائلة:
إنني متعبة وأصارحك أنني الآن في حال لا تمكنني من مواصلة العمل في هذا الجو، وهذا الحال يضطرني كثيراً إلى الحضور إلى الإدارة صباحاً ومساءً، كما أن الحالة السياسية المصرية خاصة في مراحل المفاوضات الأخيرة، وكذلك انتقال مصر إلى حالة جديدة، كل هذا يتطلب وجودك الآن في المجلة.
لقد جاءني اليوم خطاب منك تقول فيه إنك اتفقت مع إحدى الصحفيات الإنجليزيات على كتابة مقال أسبوعي للمجلة نظير ثمانية جنيهات على المقال الواحد نشر أم لم ينشر وطلبت مني أن أوافيك بعقد بيني وبين هذه السيدة لتوقع عليه، وهذا الطلب يمكنني التحدث فيه عند حضورك، فالحالة المالية الآن لا تسمح بصرف مثل هذا المبلغ أسبوعياً.
شاهدت مع لولا (زوجة إحسان) صورة جديدة لك فحمدت الله أنك في صحة جيدة، وفي الوقت نفسه أيقنت أنك «ولد خسران» لا تهتم بإرسال صورة لوالدتك.
أما أختك ميمي فإذا لم تكتب لك خطاباً مطولاً وهذا عائد إلى تبلبل أفكارها بشأن الزواج.. والحمد لله قد تزوجت من شخص أخلاقه توافق أخلاقها والعكس بالعكس، والمهم في الموضوع – وكما أعتقد أن هذا يهمك – أن تكون في معيشتها الجديدة متفقة مع الشخص الذي اختارته زوجاً لها والاستعداد قائم الآن من والد ووالدة العريس لعمل شقة لهما ومن حسابهما الخاص.
رسالة إلى الزعيم
أرسل «إحسان» رسالة إلى جمال عبد الناصر لم تكن لأجل غرض شخصي يريده، ولكنها كانت بخصوص رسام روزاليوسف الشهير جمال كامل الذي اعتقل.
علاقة «عبد الناصر» و«إحسان» بدأت قبل الثورة. كان الضباط الأحرار يتابعون حملته التي شنها على الأسلحة الفاسدة، لكن «عبد الناصر» اعتقله في العام 1954 حين كتب مقالاً بعنوان «الجمعية السرية التي تحكم مصر» وطالب فيه بعودة الضابط الأحرار إلى ثكناتهم العسكرية فهم قاموا بدور كبير ولا بد وأن يحكم البلد مدنيون، وقد كتب في رسالته:
تحية إيمان وإخلاص.. أتقدم إليكم ملتمساً أن تصدروا أمركم بالنظر في موضوع اعتقال جمال كامل رئيس قسم الرسم والإخراج بدار روز اليوسف.
عمل جمال كامل في الدار مدة عشر سنوات، استطعت خلالها أن أراقب اتجاهاته السياسية وتفكيره السياسي ونشاطه داخل مجال العمل، وخارج مجال العمل، وتأكدت من صدقه ووطنيته وتحرره من الشيوعية أو غيرها من المذاهب الدخيلة علينا.. ثم كانت الثورة، فكان دائماً، وفي جميع أطوارها من أشد المتحمسين والمؤمنين بها، وبدعوتكم وخطواتكم السديدة... إنني على استعداد بأن أضمن تصرفاته مستقبلاً، وواثق بها.
ناصر وماجدة
هناك رسالة أرسلها جمال عبد الناصر لإحسان عبد القدوس لم يكتبها بخط يده. كانت من الفنانة ماجدة الصباحي تشتكي فيها «إحسان» إلى الرئيس الراحل الذي أرسلها بدوره إلى «إحسان» ليعرف الحقيقة، وجاء فيها:
السيد الرئيس جمال عبد الناصر
على الرغم من صدور قانون الصحافة الذي حفظتم به سمعة الناس وأعراضهم في الأخبار المجهولة، نشر إحسان عبدالقدوس في العدد 29 من مجلة صباح الخير خبراً بعنوان «عذراء الشاشة» يحمل سباً صريحاً في عرضي لغرض ابتزاز المال.
ارحموني وأحموا الأعراض من أمثال هؤلاء الذين ينتهكون قانونكم وينزلون بالصحافة إلى الحضيض في عهد نتكاتف فيه للارتفاع بمصر.
أوكلكم عني في إبلاغ النائب العام.
كان هذا الخطاب على خلفية أزمة بين الفنانة والأديب الراحل. كانت هناك قصة سينمائية أخذتها «ماجدة» من «إحسان» وقدمتها سينمائياً من انتاجها ونجحت ولكنها لم تدفع لإحسان ثمنها، وبعد فترة أعجبتها قصة أخرى فأرادت أن تقدمها سينمائياً فرفض «إحسان» حتى تدفع ثمنها، إلا أنها لم تدفع ولم تنتج الفيلم.
اقرأ المزيد: