رئيس التحرير أحمد متولي
 هل استغل الضباط الأحرار إسماعيل يس؟.. هذه نهاية «أبو ضحكة جنان»

هل استغل الضباط الأحرار إسماعيل يس؟.. هذه نهاية «أبو ضحكة جنان»

«يلا يا إسماعيل قول لنا نكتة»، قالها الملك فاروق لإسماعيل ياسين حين كان في حضرته، إذ جمعهما حفل خيري في ملهى الأوبرج أواخر العهد الملكي عام 1950.

وكان «سُمعة» يُلقب بالمونولوجست المحبوب في ذاك الوقت، ولم يطلب الملك رؤيته سوى لشعبيته العالية في الكوميديا، لكن «سُمعة» وجد نفسه متوترًا لهذا الطلب المفاجئ، وحين حاول تدارك الموقف خرجت منه هذه الكلمات:

- «مرة واحد مجنون زي جلالتك كده!...»

إسماعيل ياسين في مستشفى المجانين.. حرفيًا!

نتيجة بحث الصور عن الملك فاروق

- «إنت بتقول إيه.. يا مجنون!»

هكذا رد الملك صارخًا، أما «سُمعة» فقد سقط متظاهرًا بالإغماء ليفر من هول الموقف! وتركه الملك ساخطًا، وتحفزت الحاشية في انتظار العقاب الذي سيأمر به.

 وهنا تدخل طبيب الملك محاولاً تمرير الموقف بادعاء أن «ياسين» مصاب بحالة من الارتباك وضعف الذاكرة وليس على المريض حرج، فما كان من الملك إلا أن أمر بإيداعه «مستشفى الأمراض العصبية والنفسية».

غادر «سُمعة» منفاه بعد 10 أيام، ولم تدخر الصُحف جهدًا في مدح ولي النعم ملك البلاد الذي شمل الممثل المسكين بعطفه فعالجه على نفقته من مرض الصرع الذي أصابه في الحفل الخيري.

 وترك الموقف غصة في حلق إسماعيل ياسين ولم يذكره بعدها حتى أمام زوجته، وأمام الآخرين بالذات خشية المزيد من العقاب، إلا أنه شعر حتمًا بأن القدر يقتص له بشكل ما بعد عامين فقط، وهذا مع نجاح ثورة يوليو 1952 بقيادة الضباط الأحرار.

يتأخر عن عرضه فيلمه.. ليشكر فيه الجيش

نتيجة بحث الصور عن فيلم اللص الشريف

لم يكن «سُمعة» الوحيد بين فناني جيله الذي احتفى بالثورة، فقد فاقه في ذلك صلاح جاهين بأشعاره التي غناها عبد الحليم حافظ ليصير «مُطرب الثورة» عن جدارة، لكن «ياسين» شعر بفرح مُضاعف وكأنه استرد كرامته، فعبر عن امتنانه عمليًا وإن كلّفه هذا تأخير عرض آخر أفلامه قبل الثورة «اللص الشريف».

أصرّ «سُمعة» على تأجيل طرح الفيلم وإضافة فقرة خاصة لتهنئة الشعب المصري وإعلان تأييده للثورة، فغنى مونولوج «عشرين مليون وزيادة» بين الناس في الشارع بكلمات الشاعر «ابن الليل»، وكانت الكلمات واضحة تعبر عن ظلم العهد البائد وفساده، كما ذكر دور الرئيس محمد نجيب بالاسم في المونولوج.

أفلام العسكرية.. صنعت المجد والشعبية

نتيجة بحث الصور عن الشاويش عطية

لم يكن غريبًا أو جديدًا أن نرى موهبة إسماعيل ياسين تعبر عن الجيش وقد صار بطل الشعب الذي قام بالثورة، فالسينما أقرب الفنون للجماهير في تلك الفترة لغياب المسرح.

 وكثيرًا ما عبرت الشاشة عن جيوش بلادها في روسيا وأمريكا وألمانيا وقت الحاجة، لذا تم الاتفاق من الجهات الرسمية على تنفيذ سلسلة أفلام عن الجيش المصري للتأكيد على انضباطه وقوته، وهذا بحسب روايتي زوجة إسماعيل ياسين ونجل الفنان الراحل رياض القصبجي الشهير بالشاويش عطية.

C:\Users\Shbabbek\Desktop\افلام سمعة عن الجيش.jpg

بلغ العدد 6 أفلام عن أسلحة الجيش المختلفة؛ كالطيران والأسطول وغيرهما، وكانت هي الأقرب لقلب «سُمعة» رغم أفلام بطولته التي بلغت 200 فيلم غير أفلامه المجتمعة المقدرة بـ 483 فيلم، وقد حضر الرئيس جمال عبد الناصر بنفسه عرض فيلم «إسماعيل ياسين في الجيش» لتستقبله الموسيقى العسكرية على جانبي بوابة سينما ديانا، وأعلن الرئيس رضاه الشديد، وذكر أنه لم يضحك كمثل ضحكه في هذا الفيلم.

C:\Users\Shbabbek\Desktop\يسل.png

تم عرض الأفلام في المدارس والاحتفالات والمناسبات الوطنية وتم تصويرها في وحدات الجيش وثكناته بإشراف من القادة والضباط ليخرج الفيلم في أجمل صورة كما تم الشكر في بداية فيلم «إسماعيل ياسين في الجيش».

والأفلام تظهر إسماعيل ياسين دومًا بالحائر والغارق في المشاكل يبحث عن نفسه، فيدخل الجيش لتنصلح أحواله ويجذب انتباه حبيبته ببطولاته وشجاعته، فكانت في نظر أغلب الناس خير تعبير عن جيش البلاد.

يتبرع بمبلغ كبير لدعم الجيش 

أما التبرع النقدي للجيش فلم يغفله إسماعيل ياسين أيضًا، فقد تبرع مع زميل كفاحه السيناريست أبو السعود الإبياري بمبلغ 2000 جنيه في عام 1956، وشكره رئيس مجلس الوزراء بنفسه، فالمبلغ كان عظيم القيمة في ذلك الوقت، والجيش كان في فترة صعبة لدخوله في مشاكل العدوان الثلاثي وتأميم القناة.

C:\Users\Shbabbek\Desktop\DIzoyN0XkAAj2s3.jpg

كان هذا في وقت لمع فيه نجم إسماعيل ياسين حتى صار أجره عن الفيلم 5000 جنيه، وقد وصل عدد أفلامه في العام إلى 16 فيلما بل وصنع ثلاثة أرباع الأفلام المصرية في أعوام 1947-1952، وتلك هي الفترة التي جعلته فاكهة كل فيلم وتميمة الحظ لكل المخرجين، وكان اسمه فقط يكفي لنجاح الفيلم، وهنا فكّر إسماعيل ياسين وصديقه أبو السعود الإبياري في إنشاء مسرحه الخاص باسمه كما فعل من قبله الراحل نجيب الريحاني.

الجيش يساعد في إنشاء مسرح «سُمعة»

برأس مال 10000 جنيه، بدأ التجهيز للفرقة المسرحية، وإن كان موقع المسرح نفسه مجهولاً، فقد نشرت الصُحف خبرًا عن سعي إسماعيل ياسين مباشرة لمقابلة الصاغ صلاح سالم وزير الإرشاد القومي بشأن اختيار «مسرح حديقة الأزبكية» لفرقته، وهو اختيار عسير لأن الحكومة وقتها ستتخلى عن المسرح الذي تعمل عليه.

C:\Users\Shbabbek\Desktop\e6cz0dqn.jpg

يتدخل هنا وجيه أباظة أحد الضباط الأحرار لتهسيل استئجار «مسرح ميامي» بوسط القاهرة لفرقة إسماعيل ياسين حتى تبدأ عملها، وتم بالفعل تقديم 51 مسرحية ناجحة لخلو الساحة من المنافسين أمام إسماعيل ياسين، لكنه شهد تراجعًا في عدد أفلامه لضيق الوقت وحصر أدواره في قوالب ثابتة، حتى المسرحيات قلت إلى واحدة فقط في العام.

هبوط المنحنى.. تراجع الشعبية وتراكم الديون 

كان إسماعيل ياسين مهددًا بالطرد من مسرحه لتراكم ديون الإيجار عليه، لكن تأميم المسرح كان في صالحه حين صار الإيجار رمزيًا، بل إن وزير الثقافة ساعده بمنحة مالية ليستمر في عمله وأمر بإذاعة 8 إعلانات تليفزيونية مجانًا كل شهر، واضطر إسماعيل ياسين أن يعود للمونولوج مجددًا على حفلات التليفزيون حيث استقبله الجمهور باحتفاء شديد.

أما عقود الأفلام لم تعد تطاره كالماضي ومكث في البيت عاطلاً، وترددت شائعات حول تدخل عبد الناصر في هذا الأمر، لكن سامية شاهين زوجة نجل الراحل نفت ذلك تمامًا لأن إسماعيل ياسين والرئيس كانا على أتم وفاق، حتى أن نجل إسماعيل ياسين كان صديقًا مقربًا لابن عبد الناصر، وإنما عزت الزوجة الأمر إلى منافسيه وحربهم ضده، فما كاد إسماعيل ياسين يوافق على سيناريو فيلم ما، حتى يفر المنتجين منه دون سبب.

ضرائب تسببت بشلل نصفي

نتيجة بحث الصور عن فيلم اسماعيل ياسين في الجيش

شائعات أخرى كثيرة تتهم جمال عبد الناصر بمصادرة أموال إسماعيل ياسين في وقت الحاجة الشديدة لها بعد أفول نجمه، لكن زوجة نجله الوحيد أعلنت أن عبد الناصر لم يفعل ذلك، وإسماعيل ياسين نفسه كان يتجنب طلب العون من الرئيس رغم المعرفة بينهما.

وأوضحت الزوجة أن إسماعيل ياسين سافر إلى لبنان للعمل هناك بعد النكسة كما فعل الكثير من فناني جيله، وبالفعل مثل في الإعلانات التليفزيونية وقدم مسلسلاً هناك ليسبق عصره في هذه التجارب، لكنه حين عاد من لبنان فوجيء بأمواله تتقلص من 300 ألف جنيه إلى جنيهين فقط بسبب الضرائب!.

لم يتحمل الممثل الراحل الصدمة وأصابه الشلل النصفي لأسبوع، وكان غيابه عن العمل بمثابة حكم الإعدام كما عبّر بنفسه في رسالة وجهها أخيرًا للرئيس جمال عبد الناصر، وقال فيها: «العمل هو صحتي وحياتي ووجودي، أتمنى ألا يكون هناك حكم بالإعدام ضدي، فإني سأموت عاطلا بائسا تملأ الدموع عيني بعد أن ملأت قلوب الناس بالأفراح». 

حاربه رجال السادات..ولم يكمل عمله الأخير

تؤكد زوجة نجله مجددًا، أن مراكز القوى في عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات اضطهدوا إسماعيل ياسين، ومنعوا عرض أعماله، رغم ما تردد عن نية السادات في تكريمه، لذا وجد نفسه يلجأ للكباريهات والملاهي الليلية ليكسب عيشه كما بدأ حياته، وحين علم الفنان رشدي أباظة بما وصل إليه حال إسماعيل ياسين، أصر على تمثيله في فيلمه وقتها مع نور الشريف «الرغبة والضياع» عام 1972.

لم يكمل إسماعيل ياسين الفيلم إذ وافته المنية بعد 4 أيام من التصوير إثر أزمة قلبية حادة، والملاحظ لسيرة الراحل سيجد أنه كما يسمونه أحيانًا «الضاحك الحزين»، فكل ضحكات الجمهور التي تسبب فيها قابلها الحزن والغم في حياته الشخصية، لكنه سيظل مخلدًا في ذاكرة الجميع بلقبه الآخر الأشهر «أبو ضحكة جنان».

محمود حافظ

محمود حافظ

روائي وصحفي، مهتم بالسينما والأدب ومزجهما بالتاريخ والفلسفة