«شيخ جاكسون».. قصة جريئة إلى الأوسكار ولكن «مولانا» يضعه في ورطة
منذ أن عُرض فيلم «شيخ جاكسون» في مهرجان الجونة السينمائي، أحدث جدلا كبيرا، خصوصا أنه الفيلم المصري والعربي، الذي لقي احتفاءً غربيا، بعد عرضه أيضا بمهرجان «تورونتو» بكندا.
الفيلم يضم مجموعة متميزة فهو إخراج عمرو سلامة، وبطولة أحمد الفيشاوي وأحمد مالك، وأمينة خليل وماجد الكدواني ومحمود البزاوي.. فماذا تكون حكاية هذا الفيلم المثير للجدل؟
الشيخ خالد أم الشيخ جاكسون؟
عندما جلس السيناريست، عُمر خالد، للبحث عن فيلم «يكسر الدينا» لم يجد أكثر من قصة تحكي عن شاب سلفي وإمام مسجد؛ يخوض صراعا داخليا بسبب حبه لموسيقى مايكل جاكسون، مطرب البوب العالمي.
بدأ «عُمر» في وضع الخطوط العريضة للفيلم، فالبطل هو طفل يدعى «خالد» مهووس بموسيقى مايكل جاكسون.. يقلده في ملابسه وقصة شعره ورقصاته، حتى يناديه أصدقاءه بجاكسون، ويستطيع جذب أنظار الفتيات في مدرسته.. ولكن؟
الطفل الصغير سيدخل في عدة صدمات نفسية، يبدو أن أهمها صراعه مع والده بسبب عشقه لجاكسون. ينهره والده دائما لأنه «يتشبه بالمخنثين».
وعندما يكبر هذا الطفل سيختار الاتجاه المعاكس تماما، يصبح إمام جامع متدينا جدا إلى حد التطرف، لكن عشقه لجاكسون يظل مدفونا بداخله؛ فالشيخ خالد سيصاب بصدمة أخرى عندما يعلم بخبر وفاة مايكل جاكسون في العام 2009.
ويدخل الشيخ خالد في صراع أعنف، مصحوبا بالكوابيس والاكتئاب، فهو يسأل نفسه دائما من أنا؟ هل أنا ذلك الطفل المتمرد أم إمام الجامع؟ أم الاثنين معًا في شخص واحد؟
وبعد أن يعرف الشيخ خالد أو «الشيخ جاكسون» حقيقة نفسه.. ماذا عليه أن يختار؟
هل الشيخ جاكسون هو عمرو سلامة؟
كان يوما مختلفا عندما تلقى المخرج عمرو سلامة، مكالمة تليفونية قبل ثلاثة سنوات، من عُمر خالد، ليخبره أنه يريد كتابة فيلم يحكي قصة شيخ سلفي يحب مايكل جاكسون.
تحمس عمرو للفكرة «المجنونة» لدرجة أنه عرض عليه أن يشاركه في كتابة الفيلم وليس إخراجه فقط.
الفيلم ليس قصة تحكي حياة «عمرو سلامة» بالضبط، وإن كانت تتشابه معها.. «كل اللي شارك في كتابة الفيلم قالوا إن الفيلم بيعبر عنهم وعن فترة من حياتهم».
وكأن «شيخ جاكسون» يستطيع أن يلمس جزءًا ما داخل بعض شباب هذا الجيل وصراعهم الداخلي بين التدين الشديد والرغبة في التمرد وتأثير التربية في اختيارتهم؛ فأحمد مالك الذي يؤدي الطفل الذي يتصادم مع والده بسبب عشقه لجاكسون.. يقول: «علاقة بطل الفيلم بوالده والصراعات اللي بينهم، بتصور جزء حقيقي من حياتي وعلاقتي باللي حواليا».
ربما يكون أحمد الفيشاوي هو التجسيد الأكبر لبطل الفيلم في الواقع، الذي انتقل هو نفسه من التدين حد التطرف إلى التمرد التام.. «شعرت أنني أعود بالزمن للوراء، إلى نفسي القديمة، لما كنت متدين جدًا وبعتبر كل شيء حرام، وخلال التصوير، كنت بتسحضر نفسي القديمة، عشان المشهد يكون حقيقي».
كواليس الاستعداد للفيلم
عندما استقر المخرج على «مالك» و«الفيشاوي» ليؤديا شخصية «الشيخ خالد» في طفولته وشبابه، لم يكن كافيا أن حياة هذين الممثلين تتشابه إلى حد ما مع بطل الفيلم.
فيجب عليهما أن يذهبا إلى «كورس للرقص»، ليتدربا خصيصا على رقصات مايكل جاكسون ويصبحا نسخة مشابهة كثيرا للأصل في حركات جسده وتعبيراته.. « قعدنا 3 شهور نذهب إلى الكورس إلى جانب التصوير، وكمان كان مطلوب في الدور أني أفقد 15 كيلو من وزني عشان أقدر أجسد دور طفل مهووس بجاكسون في موسقاه وحركاته ولبسه» هكذا يقول «مالك».
فيديو يوضح رقصات «مايكل جاكسون» الحقيقي:
- ممثل أجنبي في «شيخ جاكسون»
هذا بالنسبة لشخصية «الشيخ خالد» الذي كان مهووسا بمطرب البوب الشهير في طفولته.. لكن ماذا عن مايكل جاكسون الحقيقي؟ ألا يجب أن يظهر بموسيقاه ورقصاته في خلفية الفيلم ليضفي إليه روحًا خاصة؟
وهنا جاءت مهمة البحث عن شبيه جاكسون.
وجد عمرو سلامة ضالته في «كارلو رايلي».. أحد الممثلين الشباب الموهوسين بمايكل جاكسون، ويستطيع أن يتقمص شخصيته بإتقان، في ملامحه ومكياجه وحركاته وملابسه العجيبة؛ حتى إن «كارلو» أصبح من الممثلين الشباب الذين يُستعان بهم في أي حفل أو دور يتطلب تجسيد جاكسون الحقيقي.
- نقاد هوليود لا تعجبهم موسيقى «جاكسون»
بعد العثور على شبيه جاكسون، لا بد أن يحين الوقت لإضفاء لمسة من موسيقاه الساحرة على الفيلم، وهنا واجه عمرو سلامة مشكلة أخرى وهي المبالغ الضخمة التي تطلبها شركات الإنتاج المالكة لحقوقها، واضطر سلامة للبحث عن بديل للموسيقى أيضا.
وقع اخياره على الفنان هاني عادل، جلسا معا طويلا، واستمعا لموسيقى مايكل جاكسون لساعات أطول، حتى استطاع «عادل» تأليف موسيقى تصويرية مستوحاة من أعمال جاكسون وقريبة منها، لتتماشى مع مشاهد الفيلم، ورقصاته؛ والتي ظهر البعض منها في التريلر.
حاول الفريق أن يخرج مزيجا متوافقا قدر المستطاع، لكنه لم يعجب نقاد هوليود الذين يمتلكون حاسة تذوق متميزة لموسيقى جاكسون التي تربوا عليها.
«غابت موسيقى جاكسون الحقيقية عن الفيلم، وبالتالي غابت روحه، كان من الممكن الإتيان بشيء أفضل».. هذا ما يقوله الصحفي والناقد الفني «دينيس هارفي» بعد مشاهدته للفيلم في مهرجان «تورنتو».
الشيخ جاكسون في مواجهة مولانا
استكمل «سلامة» فيلمه وهو يراوده حلم لأن يكون الفيلم المصري الذي سينافس على جائزة الأوسكار لعام 2018. اطلع على الشروط سريعا، ليقدمه إلى اللجنة المصرية المختصة.
وهناك؛ كان «شيخ جاكسون» على موعد مع منافسه اللدود، فيلم «مولانا» الذي يناقش التطرف الديني أيضًا.
استطاع «شيخ جاكسون» أن يتفوق بإجماع أصوات النقاد على أفلام مصرية جيدة، مثل «الأصليين» و«الكنز» و«علي معزة وإبراهيم»، لكن عندما جاء دور «مولانا» حصل الفيلمان على أكثر الأصوات، بما يعني إعادة التصويت بينهما.
حُسمت النتيجة لصالح «شيخ جاكسون» الذي ترشح بـ17 صوتا، مقابل 5 أصوات فقط لـ«مولانا».. ليبدأ شيء أشبه بالمعركة بين صناع الفيلمين.
«الفيلم غير موافق لمعايير الترشح، التي تشترط عرض الفيلم تجاريا قبل تقديمه للجنة».. هذا ما يقوله مخرج «مولانا» مجدي أحمد علي.
الخلاف ذهب بعيدًا، إلى الحد الذي وجه فيه «مجدي» اتهاما واضحة لعمر سلامة بالتزييف: «فيه واحد بيشتغل معاه في لجنة التحكيم ووافق على الفيلم» و«هم عايزين يصدروا للغرب الأفلام بتطلعنا بشكل مضحك».. هذا ما قاله مخرج «مولانا».
ولكن اللجنة قد حسمت قرارها بعيدا عن هذا الخلاف.. «مولانا.. هو فيلم منضبط دراميا وإخراجيا، وكنت هختاره وأنا مغمضة. لكن شيخ جاكسون لغته جديدة في تناول قضية التطرف وربطها بطرق التربية في الطفولة».. هكذا تحاول الناقدة علا الشافعي توضيع الأمر.
قصة الفيلم الشائكة جعلته وجبة فنية منتظرة بشدة من قبل الجمهور، والذي يتوقع أيضا أن يثير الكثير من الجدل بعد عرضه في السينما.
أما عن الموعد المتوقع لطرح الفيلم للجمهور فسيكون مع بداية شهر أكتوبر المقبل، وفقا لتصريحات المنتج محمد حفظي؛ فهل سيوافق جميع هذه التوقعات العالية أم سيأتي مخيبا للآمال؟