رقية سمير تكتب: ويبقى عطر الياسمين

رقية سمير تكتب: ويبقى عطر الياسمين

أجلس الآن تحت شجرة كبيرة في الجزء الشرقي من حديقة كبيرة ممتلئة بالأزهار والورود زاهية الألوان.. أتأملها بعناية وألاحظ أشكالها المهندمة في لوحات جذابة وكأن البستاني يُربيها على الجمال والحب والإحسان كما ربتني أمي وجعلت نشأتي ملتفة حول تلك الصفات.

 شردت بخيالي إلى نوستالجيا ذكريات الطفولة الرائعة، أتساءل دائمًا لماذا يود الجميع أن يرجعوا أطفالًا مرة أخرى، لعل الإجابة تكمن في أننا كنا لا نعلم أى شيء عن بذاءة هذا العالم المحيط بنا وعندما نشعر بالحزن، يمكننا الهرولة إلى أحضان أمهاتنا نحتمي بها من كل هذا العبث، يمكن أيضًا للسبب أن يكون في أن القناة الدمعية كانت بكرًا فكانت تمنحنا كريستالات الدموع ببزخ متناهي تسحب معه أوجاعنا المتثاقلة إلى الخارج.

كبرنا يا أمي كبرنا لدرجة مقيتة وصار العالم يُحاربنا ويقتل طفولتنا المتناثرة الباقية في قلوبنا، كبرنا وأصبحت أنفسنا نفتت حول مئات الأماكن والأشخاص، نبحث عن عمل يرضي شغفنا ويحقق الأحلام التي حلمنا بها صغارًا راجين من الله تعالى أن يلهمنا الصراط المستقيم الذي نكمل عليه دروب حياتنا.

أو تعلمين بأنني أشتاقك حتى وأنا بين ذراعيك وأراقب تحركاتك في المنزل عن كثب، وكأنني انتقي منها ما يمحو بها من ذكرياتي عبث هذا العالم في أحلامي وطموحاتي.

أنا خائفة من هذا العالم يا أمي! روحي الصغيرة مهما كبرت تظل بنقائها وتتقهقر من غوائل القهر والظلم وانحطاط الأخلاق والقيم.

عندما يحدث أي شئ سيء أشعر بأن روحي تتآكل بصمت، ولا أجد ما أفعله سوى الذهاب إلى غرفتي الصغيرة وأغفو.. لعل النوم يطلق فيضًا من الألوان في أحلامي لتتحقق.

أريد أن أصارحك بشئ.. أنا لا أريد أن أكون مثلك.. لا أريد أن أضحي بعملي ودراستي وأفكاري وصحتي لأكون ربة منزل فقط اتحمل على عاتقي تربية أطفال .. لا أريد لأنني أضغف من تحمل هذا.. أضعف من تحمل تلك المسئولية ولا أملك الصبر والمثابرة والمعافرة لتحقيق السلام النفسي لأولادي.

إنى أخاف المجهول يا أمي وأعتقد أن هذا شيئًا طبيعيًا مع كل ما يحدث حولنا من أحداث، ولا أعلم إلى متى سأظل هكذا.. وما الذي يمكنني فعله إذا ظل هذا الخوف ينبض في جسدي بدلًا من الخوف!

إننى مرهقة يا أمي، أشتت طاقتي في أكثر من مكان حتى أستطيع أن أحقق نفسي وأثبت جدارتي، وأتمرد على كل ما أتعلق به وأملي في الحياة أن أموت واقفة، فأنا أعلم جيدًا أن لا أحد يدوم غير الله عزوجل.

استيقظت فجأة من خُيالات أفكاري وشرودي عندما سمعت صوت أغنية مألوفة لي وأحبها .. نعم، هي أغنية بنت قوية لـ«عزيز مرقة» كم أبتهج عندما أسمع تلك الأغنية من قبيل الصدفة لطالما تأتي في الأوقات الصحيحة، وعند تلك النقطة تحديدًا شعرت بيد أمي تحنو عليّ بالرغم من أنها لم تعد تتواجد في هذا العالم السحيق، تملكتنى ابتسامة رضا وهممت واقفة أتجول في الحديقة وحمدت الله على أني أخرجت كل ما في قلبي لأقرب الناس لقلبي حتى ولم تكن هنا.. فهى قابعة في قلبي وروحي للأبد.

هذا المقال مشاركة من كاتبه في إطار مسابقة «شبابيك» التي أطلقها في الذكرى الثانية للموقع.
 

 

شبابيك

شبابيك

منصة إعلامية تخاطب شباب وطلاب مصر