شيكولاتة كورونا.. السعادة السحرية والغزالة البرية في خلطة خريستو
الشيكولاتة تسعد الملايين، وليس الأطفال فقط، بل كثير من أولئك المنتمين إلى فئات عمرية متباينة، وقعوا في غرامها واستسلموا لها، واعترفوا بضعفهم أمامها.
وربما لا يعلم كثيرون من عشاق الشيكولاتة أن أول من أدخل هذه الصناعة مصر، هو رجل سويسري الجنسية يدعى تومي خريستو الذي أسس شركة كورونا. لكن ما قصة هذا الرجل الذي يدين له أطفال مصر بسعادتهم؟ ولماذا اتخذ من الغزال النحيف رمزاً لشركته؟ وكيف انتهى به المطاف؟
الإسماعيلية نقطة البداية
يقول عقد شراء الأرض التي أقيم عليها المصنع عام 1919 أن المشتري هو: تومي خريستو ابن إيفن غيبور، المولود والمقيم بالإسكندرية، وأنه دفع ثمناً لقطعة الأرض الموجودة في محرم بك ما يقرب من ألفي جنيه، لكن هذه لم تكن البداية.
بدأ «خريستو» نشاطه بمصنع صغير في الإسماعيلية أطلق على منتجاته اسم «شيكولاتة رويال»، ثم انتقل إلى الإسكندرية وبدأ بقطعة أرض صغيرة. كان «خريستو» ينتقي العاملين بعناية، لأن الماكينات التي استوردها من أوروبا لعمل عجينة الشيكولاتة تحتاج لمهارة ما، لذا كانت البداية بعدد قليل من اليونانيين والمصريين.
مزاج الصانع
كان «خريستو» يؤمن بشرط مهم لصناعة الشيكولاتة، وهو أهمية أن يكون صانع كل هذه السعادة سعيداً. واختار قطعة أرض قريبة من المصنع وأعدها كملعب كرة قدم، كانت تقام عليه مباريات بين العاملين يديرها بنفسه.
في الوقت نفسه كان يرى السينما وهي تدخل إلى مصر ببطء لكن بثقة، فوقع في غرامها وأراد أن يشارك في التجربة، فبنى داري عرض هما الأشهر في الإسكندرية حتى الآن هما: سينما ستراند، وسينما رويال، وكانت مكافأة نهاية الأسبوع للعاملين هي دعوات مجانية لاصطحاب عائلاتهم لمشاهدة الأفلام.
وعهد تومي خريستو إلى شقيقه ديمي خريستو، بإدارة العمل معظم الوقت وكانت وصيته هي حالتهم النفسية، فعجينة الشيكولاتة حساسة جداً وتلتقط بسهولة مزاج من يطبخها.
كان «خريستو» يقضى معظم وقته في سويسرا، لكن الصورة الجماعية الوحيدة المتاحة له مع عمال المصنع في الأربعينيات، تظهر بشدة ما أسسه في وجدان عمال مصنعه. ابتسامة عريضة صادقة ارتسمت على وجه من كان في تلك اللقطة سواء كان يرتدى جلبابا أو عفريتة الشغل.
شراكة مع نادلر
على مقربة من مصنع كورونا انشأ رجل يوناني اسمه بولين موريس نادلر، مصنع آخر للحلويات، لكنه تخصص في البونبوني والأرواح. وكان مصنعاً صغيراً ولسبب ما حدث ما يشبه الشراكة بينه ومصنع خريستو.
كان «خريستو» يستخدم حلويات «نادلر» لخلطها بالشيكولاتة وتقديم أنواع جديدة، وكانت شراكة ناجحة، وبالرغم من أنها لم تكن شراكة رسمية إلا أن الحكومة المصرية اعتبرت حلويات «نادلر» جزءاََ من كورونا في وقت ما.
مصير التأميم
كانت شيكولاتة «خريستو» قد استقرت في تفاصيل حياة المصريين، كان الجميع يعرفون الشعار المميز لإعلانات كورونا «لنأكلها سويا».
ظهرت أنواع أخرى قادمة من الخارج، إلى جانب محاولات غير ناجحة للتصنيع في مصر، لكن الوجدان العام ظل مديناً جيلاً بعد جيل لمن فتح الباب أمام البهجة. كان مصنع خريستو يعرف بالوقت النقطة التي ارتبط بها من خلاله المصريون فكان يذيل إعلاناته بجملة «كورونا .. حلم جميل يداعب طفلك» مع صورة لطفل نائم بعمق، انطلقت هذه الجملة في الأربعينيات.
لكن الحكومة المصرية كان لها رأي آخر، فأصدرت في العام 1963 قراراً بتأميم كورونا، وضمت إليها أيضاً شركة «نادلر» وتم اعتبارهما كياناً واحداً (شركة الإسكندرية)، وأصبحت قطاعاً عاماً، وأسندت إدارة الشركة إلى أحد اللواءات (اللواء علي نقطة)، ومهندس مصري (محمد رشاد زكي)، وكانت تركة ثقيلة ليس على مستوى الصناعة فقط ولكن على مستوى صناعة لها علاقة بأحد أسباب السعادة عند المصريين.
كان التأميم محبطاً لـ«آل خريستو». واستقر تومي خريستو في سويسرا إلى الأبد، أما شقيقه «ديمي» فقد مات حزناً على ضياع الحلم بعد فترة قصيرة وأوصى بدفنه في الأسكندرية، بعدها حولت الدولة منزله إلى مقر تابع للأمن.
أما «نادلر» فلا أخبار عنه سوى أن ابنته الكبرى «ليا» تزوجت من دبلوماسي صغير في ذلك الوقت صار أمينا للأمم المتحدة هو بطرس غالي، وتزوجت شقيقتها من وزير إسرائيلي، ويقال أن الأختين كان لهما دور ما في بدايات معاهدة السلام.
زكي المنقذ
بعد التأميم كان انهيار التجربة وشيكاً لولا زكي المصري، فكان قريباً من «آل خريستو»، وأسموه زملاؤه «المصري» لأنه قاهري، لكن بحثه عن الرزق جعله يستقر في الإسكندرية.
كان ماهراً وكان المصنع كله يعرف أنه «العجّان» الأهم، الذي يمتلك سر الخلطة بعد أن التقطها من الخواجة، وبعد التأميم كان «زكي» هو الأمل الوحيد الذي قد ينقذ صناعة مهمة من انهيار كان يتوقعه كثيرون.
حافظ «المصري» على سر الخواجة وصنعته، وبالرغم من أن المصنع تحول إلى قطاع عام إلا أن الإدارة ظلت تكافح عاماً بعد عام لاستثناء زكي المصري من المعاش بعد أن بلغ سنه، وظلت تستصدر له قرارات بالمد إلى أن توفى.
غزالة كورونا
ولكن ما سر اتخاذ الغزالة شعاراً لشيكولاتة خريستو؟ يحكي أحد العاملين أنه قبل عدة سنوات زارت ابنة تومي خريستو المصنع، وكانت برفقة بعض صديقاتها وكانت تحكي لهم عن والدها الذي كان سبباً في سعادة الكثيرين. ولم تطل الزيارة أكثر من 10 دقائق ثم ودعت الابنة المكان بنظرة للغزالة المرسومة على مبنى الشركة. فهل كانت تعرف القصة؟
كان ملعب الكرة الذي اختاره «خريستو» بالقرب من مصنعه عندما كان اسمه «رويال» ملعباً ترابياً مشهوراً بوجود غزال بري شارد يظهر فيها كثيراً، وكان العمال يعتنون به ويدللونه، وذات يوم، وعلى هامش إحدى المباريات، انطلقت قذيفة كروية اصطدمت برأس الغزال، فمات في التو.
كان خريستو حاضراً، وحزن بشدة، ثم قرر بعدها أن يجعل هذا الغزال رمزاً لما يقدمه، فوضع صورته على أغلفة الشيكولاتة ليخلده، ثم بنى له تمثالا في مدخل المصنع، وأغلب الظن أن «كورونا» كان اسم الغزال.