علاء عبدالصادق: كعبة سلفي!
أول ما يخطر ببالك عند ذهابك إليها أن تلتقط لنفسك صورة سيلفي – أي صورة لنفسك بنفسك – وأنت تقف أمامها، ثم تنشرها على صفحاتك على مواقع السوشيال ميديا ليعلم الجميع أنك تحج، فيباركون ويهنئون وأنت بدورك ترد التهنئة.
صحيح أنك خرجت من موطنك وأهلك ومالك بل ومن ملابسك.. صحيح أنك خرجت من دنياك ليخرجك مولاك من ذنوبك فتعود كيوم ولدتك أمك، وأنك هاجرت وتحملت مشقه السفر رغبة فى آخرتك.
خرجت من كل شيئ إلا من إعجابك بنفسك ورغبتك فى أن يعجب بك غيرك.
هل صارحت نفسك وأنت فى موقف المصارحة وأعلنت لنفسك السبب الحقيقي والرغبة غير المعلنة لذلك؟
معك موبايل رفيق رحلتك ليكون شاهدا على كل طقوسك فى الحج وليكون مبلغا عنك غيرك أنك حاجا والمبررات عديدة ومنطقية إلا أنها ليست حقيقية لتسجيل ذكرى قد لا تتكرر.. أو من باب التحديث بنعمه الله عليك، أو من باب فرحتك وإرادة غيرك مشاركتك فيها؛ ولا تدرى يامسكين أنه حظ النفس منك وهو مفسدة للعمل الصالح لأنه لم يكن خالصا لله.
الإخلاص أحد شرطي قبول العمل والله غني عن كل عمل ليس خالصا له.. قال تعالى فى حديث قدسي (أنا اغني الشركاء عن الشرك فمن عمل عملا اشرك فيه معي غيرى تركته وشركه)..
السلف عليهم رحمه الله كانوا يبالغون فى إخفاء العمل الصالح – عادة كانت أو عبادة – لتكون النية خالصة فيه لله.
عبدالرحمن بن أبي ليلى كان يقوم الليل فإذا شعر بأحد قطع صلاة النافلة ونام فى فراشه حتى قال عنه احدهم هذا لا يفتر من النوم غالب وقته فى فراشه نائم وما علموا أنه يصلي ويخفي ذلك عليهم.
بشر الحافي كان يقوم الليل وذات مرة راقبه أحدهم وسمعه يقول فى صلاته «اللهم أنك تعلم فوق عرشك أن الذل – عدم الشهرة – احب إلي من الشرف .. وأن الفقر احب إلي من الغني .. واني لا اوثر على حبك شيئا"، فبكي من يراقبه فلم سمع بشر شهيقه قال "اللهم أنك تعلم أني لو اعلم ان هذا هنا لم اتكلم».
وكان إبراهيم النخعي يغطي مصحفة إذا دخل عليه داخل فسأل فى ذلك قال "لا يراني هذا انى اقرأ فيه كل ساعة"
الإمام الماوردى لما دنت وفاته قال لشخص يثق به: تصانيفي فى المكان الفلانى فإذا عاينت الموت ووقعت فى النزع فاجعل يدك فى يدى فإن قبضت عليها فاعلم أنه لم يقبل منى شيئ فاعمد اليها وألقها فى دجله بالليل وإذا بسطت يدى فاعلم انها قبلت منى وانى ظفرت بما ارجوه من النيه الخالصه فلما حضرته الوفاه بسط يده فأظهرت كتبه بعد ذلك
وكان احدهم يُجلس صبيا معه كوز ماء على بابه وهو يقرأ القرآن بالداخل ويبكى فاذا خرج غسل وجهه حتى لا يرى عليه اثر البكاء
قال الحسن البصري «كان الرجل يجمع القرآن وما يشعر به الناس... وكان الرجل يفقه الفقه الكثير وما يشعر به الناس... وكان الرجل يصلي الصلاة الطويلة فى بيته وعنده الزوار وما يشعرون به... ولقد اركت اقواما ما كانو على عمل يقدرون ان يعملوه فى السر فيكون علانيه ابدا»
كان على بن الحسين يحمل الصدقات والطعام ليلا على ظهره ويوصل ذلك إلى بيوت الأرامل والفقراء ولا يعلمون من وضعها وكان لا يستعين بخادم ولا عبد لئلا يطلع عليه احد فلما مات وجدوا على ظهره اثارا من السواد فعلمو ان ذلك بسبب ما كان يحمله على ظهره
كان ايوب السختيانى يقوم الليل ويخفي ذلك فإذا كان الصبح رفع صوته كأنما قام تلك الساعة.
وكان محمد بن اسلم يقول «لو قدرت أن اتطوع حيث لا يراني ملكاي لفعلت خوفا من الرياء»
داوود بن ابي هند صام 40 سنة لا يعلم به اهله كان يخرج إلى عمله معه طعامه فيتوهمون أنه مفطر فيتصدق به فى الطريق فيرجع آخر النهار إلى اهله فيأكل معهم
وكان مورق العجلى يقول «ما احب أن يعرفنى بطاعته غيره»
وكان الشافعى يقول «وددت أن الناس تعلموا هذا العلم على ألا يُنسب إلي منه شيئ»
وقال سهل التسترى «ليس على النفس شيئ اشقّ من الاخلاص لأنه ليس لها فيه نصيب»
وكان مطرف بن عبدالله يقول «لأن ابيت نائما واصبح نادما أحب إلى من أن ابيت قائما فأصبح معجبا»
هذا هو الفرق
كان السلف عليهم رحمة الله يبالغون في إخفاء عباداتهم لأنهم يريدون بها وجه الله
والبعض - إلا من رحم ربك - يبالغون في إظهارها
فمن يريدون بها ؟.