هشام عبدالجواد يكتب: أعزائي الزومبيين
أسير في شوارعنا الملتوية كأي مواطن زومبي يحاول الهروب مما صارعليه باحثًا عن المساعدة والعلاج فأرى جيراني الزومبي حولي في كل مكان، فهذا مراهق زومبي يرتدي بنطال ضيق لونه أحمر طويل وفي قدمه خلخال صوته صليل، وهذا رجل زومبي حلق نصف شعر رأسه وترك النصف الاخر للوقار والتبجيل.
وهذه فتاة زومبي ترتدي ملابس مُهلهلة وتُظهر جُزء من كتفها لتسمع آهات الشباب وتنعم بالتهليل، وهذه امرأة زومبي تضع من الزينة مايوحي لرائيها أنها جاءت من مخبأ للجن والعفاريت، وهذا مُسن زومبي ارتدى قميصًا مكتوب عليه بالعبري أنا العاهر السعيد، وهذه محلاتنا لافتتها تتحدث الانجليزية كلمات وحروف ورموز وان استخدمت اللغة العربية ستجد سُباب مثل بوتيك الحرامي ومخبز العبيط، وهذه أغانينا خليط من كلمات غير مفهومة وتمتمات مجهولة وموسيقى مجنونة تظن للحظة أنها تعاويذ سحرية ملعونة، وهذه أفلامنا حياة منسوخة من عوالم سبقتنا بسنين ضوئية في مجالات شتي كالعلوم والفنون، وهذه أحلامنا تلخصت في الحصول على الحقوق كالزواج والانجاب ووظيفة وراتب مضمون، وهذه طرق التسلية الخاصة بنا، جلوس على المقاهي ونفث الدخان الحامي والحديث في المصائب والبلاوي ومتابعة التفاهة والتفوه بالسفاهة والتصرف بسخرية وبلاهة.
كنا قديمًا نسخر من أصحاب الطرابيش والآن بتنا أضحوكة كل جيل ولم يتوقف البلاء عند هذا الحد فقد صرنا نتعمق أكثر في قتل ادميتنا ومحو ثقافتنا، نُصر بقوة وباصرار وعزم غريب على محو تاريخنا العريق بحاضرنا الغريق في ظلمات لم يتخللها البريق منذ سنوات طويلة.
تبدأ الحكاية عندما تحمل المرأة الزومبي في طفل زومبينو يركل بطنها رغبة منه للخروج إلى السيرك الذي نحيا فيه، يزحف قليلًا يمرض كثيرًا ثم يصبح طفلًا زومبيًا كما يقول الكتاب، يدخل إلى المدرسة يحفظ ويصم حتى وإن كان أصم، يُقتل ذكاءه تدريجيًا حتى يصل إلى الثانوية فيتم اغتياله معنويًا، ثم ينطلق إلى الجامعة باحثًا عن شريكة حياته ذات الجمال الخارق والأنوثة الطاغية وتتأجج المشاعر الجامحة حتى يتركا بعضهما البعض ويصبح البلوك هو النهاية الحاسمة، ثم الطريق إلى سوق العمل الخالي من الأمل ثم الطريق إلى الزواج في مرحلة الثلاثينات أو الاربعينات أو الخمسينات وبعدها يسأل نفسه ما الذنب الذي اقترفته وما الحل وما العمل ثم التلاهي في أرض الملاهي والسنوات في حياته تشبه الساعات والثواني فلا هدف ولا حلم سوى إشباع النفس وتكرار الأمس وحصول فريقه المفضل على الكأس.
وحقيقة أعزائي الزومبيين لقد صرنا مسوخ لأقوام لم يعرفوا للرقي طريقًا إلا من خلال كتب ونظريات علمائنا في القرون الوسطى ونحن مازلنا نحيا بالواسطة، ولا يجوز لي نُصحكم فأنا مثلكم ولكن السؤال إلى متى سنظل هكذا وهل يومًا سنعود لادميتنا وتحدث المُعجزة؟!