رئيس التحرير أحمد متولي
 عندما صُدم الشيخ عبد الحليم محمود.. حكاية الزي الأزهري وتخلي قيادات الجامعة عنه

عندما صُدم الشيخ عبد الحليم محمود.. حكاية الزي الأزهري وتخلي قيادات الجامعة عنه

«إنت ايش عرفك أنا بسأل عم الشيخ».. جاء الرد صادما لشيخ الأزهر السابق، الدكتور عبد الحليم محمود، أثناء توليه منصب عميد كلية أصول الدين في ستينات القرن الماضي، من سائل رفض أن يأخذ الفتوى منه وأنصت لعامل بمسجد الإمام الحسين تُغطي رأسه العمامة الأزهرية، وأعرض عن أستاذ الفلسفة الإسلامية الذي يرتدي «بدلة».

هكذا روى عميد كلية الدعوة بجامعة الأزهر، الدكتور جمال فاروق، واقعة كانت السبب في تخلي الدكتور عبدالحليم محمود عن ارتداء «البدلة» والالتزام بالزي الأزهري، إثر رفض هذا السائل تصحيح الفتوى الخاطئة التي تلقاها ممن بدا له أنه أهلا لها نظرا لما يرتديه.

عهد أساتذة الجامعة قديما الالتزام بالزي الأزهري، فارتداء «طربوش أحمر تحيط به العمامة البيضاء، وجبة وقفطان»، كفيلة لتشير أن مرتديها من كبار السن عالم أزهري، وعلى مر الزمان أخذت قيادات الجامعة تنتقل إلى ارتداء «البدلة» والتخلي عن الزي الأزهري، حتى أصبحت وكأنها زيهم الرسمي.

ومع تهديد الأزهر الدائم لمرتديه ممن ليسوا أهله، وترغيب علماءه في ارتداءه، ينحصر الزي الآن بين قيادات الجامعة بين القليل من عمداء الكليات، فهل تمردت قيادات جامعة الأزهر على الزي؟ أم أن الزمن تغير وحان الوقت لخلعه؟ وما الدافع وراء التزام البعض به؟.

في قلوبنا والمناسبات

برّر نائب رئيس الجامعة لفرع البنات السابق، الدكتور أحمد حسني، عدم التزامه بالزي بأن متطلبات منصبه وعمله كأستاذ للقانون الجنائي يمنعه من ذلك قائلًا: «لو كنت عميد كلية شرعية كنت ارتديته».

واعتبر حسني أن الالتزام بأعراف الأزهر ليس بالمظهر ولكنه موجود في القلوب، مضيفًا طبيعة الزي، تجعله يمثل صعوبة في التنقل وسط الزحام وهي أحد العوامل التي تدفع قيادات الجامعة لعدم ارتدائه.

وحكى عن ارتداءه للزي: «لما كنت طالب في الثانوية والإعدادية في السبعينيات كنت بلبس الزي وبخطب بيه الجمعة، ولكن لما دخلت الكلية بقت شعبطة المواصلات والمترو تخليني ألبس بدل».

وأضاف لـ«شبابيك»، «عندما كنت أصعد للأتوبيس مرتديا الزي الأزهري وأنا في الخامسة عشر من عمري كان الجميع يتركون لي مقاعدهم لأجلس، وحتى كبار السن منهم تقديرا لما أرتديه».

واتفق معه عميد كلية أصول الدين بالقاهرة، الدكتور عبد الفتاح العواري. وأرجع عدم تفضيل ارتداء الزي الأزهري في العمل للخوف عليه من أن يهان في وسائل المواصلات، غير مستبعد أن يتم إصدار قانون في المستقبل يلزم كل أساتذة الأزهر بارتداءه.

وأكد العواري التزام قيادات الجامعة بالزي في المناسبات الدينية كخطبتي العيدين، وخطبة الجمعة، وأي فاعلية يكونون فيها ممثلين للأزهر سواء داخل مصر أو خارجها، قائلا: «الزي عندي في المكتب وأنا في شغلي كعميد بلبس بدلة ولكن تمثيل الأزهر بالزي».

لسنا علماء دين

بينما رفض عميد كلية الطب للبنين بالقاهرة ، الدكتور أحمد سليم، مبدأ ارتداءه للزي الأزهري، مشيرا إلى أنه سيكون مستغربًا أن يرتدي طبيب العمة والجبة والقفطان: «أنا لست عميد كلية أصولية حتى أرتدريه، وإن كنا نعيب على من يرتدونه من غير العلماء فكيف أرتديه أنا؟».

ولفت سليم إلى ارتباط الزي في أذهان العامة برجال الدين، مؤكدا أن تعميمه حتى على غير المتخصصين بعلوم الدين سيؤدي لخلط المفاهيم بين الناس: «لما الناس تيجي تسألني في الدين هرد عليهم إزاي وأنا لست أهلاً للفتوى».

ويوافقه الرأي العميد السابق لكلية اللغات والترجمة، الدكتور سعيد مطاوع، والذي برهن على صحة موقفه بسؤاله: «لو اتسأل بتاع طب أسنان، يفهم إيه في الدين علشان يرد؟».

وعلق على ارتداءه بالمناسبات بأنه استثناء، معتبرا البعثات الدينية ظروف تستدعي الالتزام به «هذا التصرف ضرورة لما يلقاه الزي من احترام».

محصلناش الكنيسة

ويعيب عميد كلية الدعوة على قيادات الجامعة عدم الالتزام بالزي الأزهري، قائلا: «نحن ضيعنا وفرطنا لأننا غير محترمين في التعامل مع أعرافنا، وهم لا يلتزمون به إلا عندما يسافرون في الخارج».

وشّدد فاروق على أهمية عنصر الزي كأحد عناصر التأثير في الآخرين، مؤكدا أن الناس يقدرون  ويتأثرون بكلام من يرتدي الزي وإن كان صاحب علم، ولا يثقون في آخر حاصل على دكتوراة  لمجرد أنه يرتدي «بدلة».

وشبه فاروق الزي الأزهري، بالبدلة العسكرية التي تكسب مرتديها نوعًا من الوقار، متسائلاً: «ينفع ظابط يروح الكتيبة بلبس مدني؟».

واستشهد بالتزام قساوسة النصارى وعلماء السعودية بزيهم الموحد وتقديسه، قائلًا: «مفتي الجمهورية لو خلع الزي حتى لو كان أعلم أهل الأرض لن يحترمه الناس، فيجب ألا يقتصر ارتداء الزي على شيخ الأزهر والوكيل ولكن يجب أن يلتزم به رئيس الجامعة وعمداء الكليات، علشان نحصل الكنيسة حتى».

تاريخ الكاكولا

أستاذ التاريخ الإسلامي الدكتور عبد المقصود باشا، يقول إن هناك من يرى «الكاكولا» زي تركي الأصل وفد إلى مصر في عهد الدولة العثمانية والاحتلال الفرنسي ليكون مقابلاً للقبعة الأجنبية، إلا أن أستاذ التاريخ يؤكد أن زي الأزهر هو عربي قديم، بحسب تصريحات صحفية لموقع «رصيف 22».

«الكاكولة»، هى عبارة عن جلباب مفتوح من الأمام له بطانة، وهو أشبه بجاكيت البدلة لكنه طويل يصل إلى ظاهر القدم، ويُرتدى تحته جلباب أبيض، ويزين «الكاكولة» طربوش أحمر ملفوف بشال أبيض يسمى العمامة.

يشار إلى أن العمامة والجبة كانتا الزي المعتاد لدى العرب، ومع تطور الزمن أصبحت العمامة ذات طابع معين تطورت بتطور كل عصر، وكان ستر الرأس من شروط قبول الشهادة لدى بعض الفقهاء.

وفي العصر العثماني غلب على العمامة اللون الأحمر، وليتميز كبار العلماء وضع شال أبيض عليها، ومع مرور الزمن أصبحت العمامة والكاكولة زياً لطلاب الأزهر من المرحلة الابتدائية إلى الجامعية.

أحمد عبده

أحمد عبده

صحفي مصري متخصص في الشأن الطلابي، يكتب تقارير بموقع شبابيك، حاصل على كلية الإعلام من جامعة الأزهر، ومقيم بمحافظة القاهرة