شكوكو.. «الأراجوز» الذي أحبه الناس فصنعوا له تماثيل من الحلوى

شكوكو.. «الأراجوز» الذي أحبه الناس فصنعوا له تماثيل من الحلوى

طفح كيل شيخ الكُتّاب من إهمال التلميذ لواجباته، فقال لوالده: «ابنك مش هينفع في الدراسة. خليه في النجارة أحسن».

عمل الأب بنصيحة الشيخ، وألحق نجله بورشة النجارة التي يمتلكها. ظل الابن الذي امتلك موهبة الغناء يتسلل للمقاهي في شارع محمد علي مشاركاً في الحفلات الغنائية والتي كانت من طقوس المقاهي آنذاك، وبدأ يغني في الأفراح، والأعراس، وغدا مشهوراً في الأوساط الشعبية.

من هنا كانت بداية محمود شكوكو الذي يروي قصته زياد عساف في كتابه «المنسي في الغناء العربي».

تماثيل حلوى

بالصدفة التقاه كروان الإذاعة الشهير آنذاك محمد فتحي، وأبهره غناؤه وطريقة إلقائه للنكت، فقدمه عام 1936 للإذاعة المصرية التي لم يمض على افتتاحها سوى عامين.

انطلق في سماء الفن وقتها محققاً نجاحاً كبيراً، لدرجة أنه كان الفنان الوحيد الذي صُنعت له تماثيل بالجلابية والطاقية المميزة التي كان يرتديها، وأصبحت أجمل هدية يقدمها الآباء والأمهات لأطفالهم تماثيل الفنان «شكوكو»، خاصة بعد أن تم صناعتها من الحلويات في ما بعد.

تسميته بـ«شكوكو» ورائها قصة. كان جده لوالده يهوى تربية الديوك الرومي، وكان من بينها ديك قوي جداً أعُجب بصوته خاصة عندما يصيح «ش كوكو»، فأطلق هذا اللقب على حفيده وتم تثبيت اسمه المركب في شهادة الميلاد «محمود شكوكو».

أسير «السنّيد»

في أواسط السبعينات ظهر «شكوكو» بفيلم «أميرة.. حبي أنا» لعدة ثوان مشاركاً برقص تعبيري مع سعاد حسني وهي تغني «الدنيا ربيع» على المركب المتجهة لرحلة القناطر. وظهر وقتها في خريف العمر بعد أن بدأت الأدوار السينمائية تنحسر عنه بحكم متطلبات شباك التذاكر التي كانت سائدة، رغم تاريخه الحافل والذي تجاوز المائة فيلم.

كانت البداية في أربعينات القرن الماضي وابتدأها بأفلام مثل «أحب البلدي»، «جمال ودلال»، «بنت المعلم»، «عنبر»، «الصيت ولا الغنى»، «ليلة العيد»، «يوم في العالي»، و«قلبي دليلي».

أما مرحلة الخمسينات فكانت الفترة الأكثر ظهوراً في أفلام عديدة، منها «إوعى المحفظة»، «أفراح»، «أسمر وجميل»، «عنتر ولبلب»، «الدنيا حلوة»، و«دلوني يا ناس».

وفي مرحلة الستينات وما بعدها ظهر في عدد قليل من الأفلام مثل «زقاق المدق»، «سجن العذارى»، «واحد في المليون»، «البحث عن المتاعب»، وكان آخر ظهور له في السينما بفيلم «شلة الأنس» عام 1976.

أقبل المخرجون والمنتجون على التعاقد مع «شكوكو» لدرايتهم بمحبة المشاهدين له في أدوار ابن البلد التي أتقنها، فهي لم تكن غريبة عنه كونه عاش وتربى في حي الدرب الأحمر (1912 – 1985) أقدم وأعرق الأحياء الشعبية في القاهرة.

إلا أنه بقي أسير دور الإنسان الطيب الذي يؤدي دور «السنّيد» للبطل، ولم يفكر أي منتج وقتها في إعطائه أدواراً بأفلام تحمل رؤية وسيناريو تكتشف طاقات ومكامن أخرى في شخصيته بدلاً من تقديمه في إطار واحد ومكرر حتى انحسرت عنه الأضواء، وهي نفس المشكلة التي وقع فيها العديد من الممثلين مثل إسماعيل ياسين، وزينات صدقي، وعبدالفتاح القصري، والخواجة بيجو، وغيرهم.

تعاون «شكوكو» مع كبار الملحنين في مصر مثل منير مراد، ومحمود الشريف، وزكريا أحمد، وكتبت له أسماء معروفة أيضاً في مجال تأليف الأغاني، منهم فتحي قورة، وحسيب غباشي، وأحمد المسير، وعبدالغني النجدي.

أول أغنية قدمها «ورد عليك.. فُل عليك». من عناوين الأغاني التي قدمها نلاحظ ارتباطه بشخصية «ابن البلد» حتى بشكل ظهوره على المسرح بالجلباب البلدي والطاقية.

من أشهر الأغاني التي قدمها من خلال السينما والمسارح الغنائية «الجدعنة من بدعنا»، و«حلو الحلو»، و«أنا معلم وابن معلم».

العرائس والأراجوز

كان لـ«شكوكو» دور كبير في إحياء مسرح العرائس في مصر، وتمسك بهذه التجربة لدرجة أنه خسر كل أمواله من أجل نجاح هذا المشروع، وكثيراً ما طالبت أسرته وزارة الثقافة بإطلاق اسمه على مسرح العرائس لكن دون مجيب.

على مسرح العرائس ارتبط اسم «شكوكو» بشخصية الأراجوز التي يتدرب عليها طلبة معهد الموسيقى والتمثيل، وبحكم خبرته في مهنة النجارة كان يقوم بتصنيع العرائس الخشبية بنفسه، ومن خلالها قدم عدة أعمال في مسرح العرائس، منها «السندباد»، «الكونت دي مونت شكوكو»، وأغنية «ع الأراجوز يا سلام سلم».

 ولم يكتف «شكوكو» بتقديم هذا الفن على المسرح، وإنما استأجر سيارة نقل كبيرة حوّلها إلى مسرح صغير، وأخذ يطوف بها مقدماً عروضه في القرى والأرياف ومحافظات مصر، نظراً لإدراكه لأهمية هذا الفن في تنمية خيال الطفل من خلال القصة، والأغنية، والصورة والملابس الزاهية.

ابن بلد

حاز «شكوكو» على لقب «ابن بلد» نتيجة مواقفه التي لا تنسي. أحدها كان مع أم كلثوم عندما احترق المسرح الذي كانت تغني عليه في الخميس الأول من كل شهر، فلجأت لـ«شكوكو» كي يسمح لها بتقديم حفلتها على مسرحه، فكان رده: يوم الخميس ستجدين المسرح جاهزاً.

وعندما ذهبت لإحياء حفلتها وجدت الطريق المؤدي للمسرح مفروشاً بالسجاد والورد، ولحظة دخولها غرفتها وجدت بوكيه ورد مع ورقة مكتوب عليها منولوج من تأليفه ترحيباً بها، فلم تتمالك «الست» نفسها وبكت لتأثرها بهذا الموقف.

وكان من عادة «شكوكو» إحيائه لحفلات الأعراس. وأخطأ العنوان ذات مرة ودخل عُرساً لأحد الفقراء حتى فوجئ أهل العريس بحضوره، فاستدرك الخطأ وتوجه للعنوان الحقيقي وكان عُرساً لأحد الأثرياء، وبعد نهاية وصلته أرسل مع ابنه «سلطان» المبلغ الذي حصل عليه متبرعاً به كنقوط للعريس الفقير.

من مواقفه أيضاً مشاركته في حملة جمع تبرعات أثناء العدوان الثلاثي على مصر، وكذلك تبرعه من حفلاته لدعم المجهود الحربي في مرحلة الستينات.

المصدر

  • كتاب «المنسي في الغناء العربي».زياد عساف.

محمد أحمد

محمد أحمد

صحفي يكتب في التراث والثقافة الشعبية