«مهووسون في السلطة.. تحليل نفسي لزعماء استهدفتهم ثورات 2011» علي عبدالله صالح
رغم أن الرئيس اليمني علي عبدالله صالح قضى في السلطة 30 عاماً إلا أن ذلك لم يرو ظمأه السلطوي، فأراد أن يكون رئيساً لبلاده مدى الحياة أو على الأقل يستخلف ابنه من بعده، ما قاده في النهاية إلى المصير الحتمي الذي يلقاه كل حاكم على شاكلته.
وبشكل عام لا يمكن فصل المحطات التي عاشها الرئيس اليمني الراحل عن صفاته النفسية وتمسكه بالسلطة إلى هذا الحد، وهذا ما استعرضته الكاتبة موريال ميراك فايسباخ في كتابها «مهوسوون في السلطة. تحليل نفسي لزعماء استهدفتهم ثورات 2011».
بداية المشوار
وُلد «صالح» في عائلة فقيرة من عشيرة المرعض، والتحق وهو فتى متسلّح ببعض قواعد اللغة التي تعلمها في المدرسة بالجيش الذي شكّل الفرصة الوحيدة المتاحة أمامه لتحقيق شيء ما في حياته.
ومن غير الواضح كم كان عمر «صالح» حينئذ، باعتبار أن هناك تاريخين لولادته، فسيرته الرسمية تقول إنها 1946، في حين تشير مصادر أخرى إلى 1942.
ولو صح التاريخ الأول فسيكون عمره 12 عاماً فقط عندما تجنّد في 1958، ما يجعل منه طفلاً جندياً بحسب التصنيفات الراهنة لحقوق الإنسان. وحتى لو وُلد في 1942 فسيكون عمره لدى التحاقه بالجيش 16 عاماً وهذا يعني أنه كان جندياً فتياً جداً.
تسلق «صالح» سريعاً سلّم العسكرية، وانتُخب في 1978 رئيساً للجمهورية العربية اليمينة وقائداً أعلى للقوات المسلحة، وأعيد انتخابه في 1983، ووصل بعد مزيد من الترقيات إلى رتبة جنرال ثم لواء، ثم رئيساً للمجلس الرئاسي للوحدة اليمنية في مايو 1990.
أعيد انتخابه في 1993 و1994 و1999، وفي الأخيرة كانت تلك المرة الأولى التي تجرى فيها انتخابات رئاسية مباشرة وفاز فيها دون أن يترشح ضده أحد بـ99.2% من الأصوات.
مدّد البرلمان في غضون ذلك ولاية الرئاسة من 5 إلى 7 سنوات، وولاية البرلمان من 4 إلى 6 سنوات، وأحاط بالبرلمان مجلس تشريعي عيّنه الرئيس ويمتلك سلطات تشريعية.
وأعلن «صالح» في 2002 أنه لن يترشح لإعادة انتخابه في 2006، لكن عاد وفعل رضوخاً لـ«الضغط الشعبي» وفاز 77.2%، وشكّلت رغبته في الترشح من جديد بعد انتهاء ولايته في 2013 احد العوامل التي أشعلت الثورة في اليمن.
وصفهن بـ«الغجر».. الرسائل الخاصة بين السادات وبناته
إفساد السلطة
يقدم علي عبدالله صالح مثالاً جيداً على كيفية إفساد السلطة للمرء، فقد اعتبر الدولة بمنزلة مؤسسة عائلية، وأعطى معنى ملائماً لعبارة «محاباة الأقارب» فمنح الامتيازات إلى أفراد العائلة، ووضع أولاد أشقائه وشقيقاته في أعلى المراتب.
وتضمنت بنية السلطة في عائلة «صالح» كلاً من ابنه و7 أخوة غير أشقاء، و5 أولاد أخوة، و11 صهراً، احتلوا جميعاً مراكز تثير الدهشة.
فابنه البكر أحمد علي عبدالله صالح كان قائداً للحرس الجمهوري ومعه 30 ألف جندي، وكان رئيساً أيضاً للقوات الخاصة، بينما احتل 3 من أولاد شقيقه وجميعهم برتبة عقيد مراكز أمنية أساسية، فيحيى محمد عبدالله صالح كان رئيساً لأركان الأمن المركزي الذي يُقال أنه يسيطر على المدن الكبري بما فيها صنعاء إضافة إلى مكافحة الإرهاب، وكان له دور ناشط أيضاً في الدائرة الاقتصادية في شركة «الماس» للخدمات النفطية وشركة الكابل الصينية «ها – وي».
وفي القائمة نفسها يأتي طارق محمد عبدالله صالح وكان قائداً للحرس الخاص، وعمّار محمد عبدالله صالح نائباً لرئيس جهاز الأمن الوطني. وهناك ابن شقيق آخر هو توفيق صالح عبدالله صالح الذي رأس شركة التبغ والكبريت الوطنية.
وتولى الأخوة غير الأشقاء مناصب عسكرية، فالعميد محمد صالح الأحمر كان قائداً لسلاح الجو، والعميد علي صالح الأحمر ترأس أركان القيادة العامة، والعميد علي محسن الأحمر – وارتباطه العائلي بالرئيس الراحل غير واضح – كان يقود فرقة المدرعات الأولى في المنطقة العسكرية الشمالية الغربية.
بالإضافة إلى ذلك وقعت مناصب عسكرية ريادية أخرى في أيدي عناصر من قبيلة صالح (حاشد) ومن أهالي قريته.
ومن بين الإخوة غير الأشقاء والأصهار وجُد من يتولون مناصب إدارية في قطاعات النفط، والهندسة، والزراعة، والبناء، والنقل، والبنى التحتية، والدواء وما شابه.
أما في الحكم، فالأصهار موجودون في وزارة الشباب والرياضة، ووزارة الخارجية، ووزارة التصميم والتخطيط الدولي، إضافة إلى القصر الجمهوري، والسلك الدبلوماسي. وإكمالاً للدائرة، تزاوجت عائلة «صالح» الكبرى مع عائلات بارزة مثل «آل القاضي».
استخلاف الابن
بعد محاولة «صالح» الفاشلة لتعديل الدستور ليُسمح له بالترشح أيضاً لولاية أخرى، سرت شائعة تقول بأنه خطط لأن يخلفه ابنه بعد موعد انتهاء ولايته في 2013، وهو خيار لم يقبله أحد.
وبعد أن ثارت عليه المعارضة في 2011، قدمت أحزاب اللقاء المشترك في خطتها المؤلفة من 5 نقاط لانتقال السلطة لائحة بأسماء 30 شخصاً تجب إزاحتهم، وكان على رأسهم «صالح» نفسه الذي رد بوحشية، ونفى بعجرفة الشائعات التي تتردد بشأن خلافة ابنه ووصفها بـ«أقصى درجات الوقاحة»، وأعلن في السياق نفسه زيادة رواتب أفراد القوات المسلحة في محاولة لتعزيز التزامهم بقمع المتظاهرين.
لم يتورع «صالح» مع سيطرة العائلة على رئاسة الشرطة، والقوات الخاصة، والجيش عن إصدر الأوامر بإطلاق النار على المدنيين المتظاهرين سلمياً، وضمت قوى القمع قطّاع طرق مدفوعي الأجر، وقناصة أطلقوا الرصاص الحي من سطوح المباني ما أدى إلى وقوع عدد كبير من القتلى.
تكوين نرجسي
شكّل سلوك «صالح» منذ بداية الاحتجاجات والتزايد في حدتها شكلاً من أشكال تكوينه النرجسي في ظل تمسكه بالسلطة. دعم ذلك بتنظيم تظاهرات مؤيدة للحكومة، وعامل المعارضة باحتقار مطلق، ولجأ إلى نظريات المؤامرة، وتلاعب بمحاوريه في ما يشبه لعبة القط والفأر التي تهدف إلى كسب الوقت أملاً في تجنب مصيره المحتوم.
ندد «صالح» بالمحتجين ووصفهم بـ«المحرضين» ليعلن بانتصار «سنبقى هنا»، وبأن غالبية الشعب تسانده، وأن أولئك الذين يدعون إلى الفوضى والعنف والحقد والتخريب ليسوا إلا حفنة صغيرة من تجار المخدرات ومبيضي الأموال.
وعندما حوّلت عدة شخصيات عسكرية كبرى دعمها إلى المعارضة وصفهم «صالح» بـ«الأغبياء» ودان «حماقتهم»، واستمرت أوهام السلطة تدور في رأسه عندما عرض العفو عن العسكريين «المرتدين» كما لو أنه لا يزال يمتلك وسائل ملاحقتهم قانونياً.
تعظيم الذات
وظهر تعظيم الذات في لازمته المتكررة «من بعدي الطوفان»، قائلاً «اليمن قنبلة موقوتة»، وأنه إذا غاب عن الساحة فستندلع الحرب الأهلية، معلناً أنه سيقف في وجه كل من يريدون التسلق للسلطة عن طريق الانقلاب.
وعندما تزايدت حدة الاحتجاجات أعلن استعداداه للرحيل إلا أنه لن يفعل ذلك قبل تسليم بلاده لـ«أيد أمينة»، وهو أسلوب هدف من ورائه إلى كسب الوقت بعد أن باتت شخصيته تعيش نزاعاً داخلياً ما بين رغبته في التمسك بالسلطة من ناحية وبين ما يفرضه الواقع من معطيات جديدة تملي عليه الرحيل من ناحية أخرى. وانتهى الأمر بمغادرة البلاد إلى السعودية بعد محاولة اغتياله في 3 يونيو 2011.
وفي الرياض جُرد «صالح» من كل أبهة السلطة وأرديتها ولم يتبق له إلا أوهام العظمة، ما ساقه للعودة مرة أخرى إلى العاصمة اليمينة لاسترجاع سلطته فدخل فى تحالفات مع أعدائه، وعادى حلفائه، وانتهى الأمر به إلى الموت قنصاً.