قصة «الوفد المصري» الحقيقية.. هكذا سرق سعد زغلول الفكرة واستأثر بها لنفسه
لم يكن سعد زغلول هو صاحب فكرة تشكيل الوفد الذي سافر إلى فرنسا لعرض مطالب مصر في حق تقرير مصيرها والاستقلال عن بريطانيا في مؤتمر الصلح الذي عقد في سنة 1919 عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى سنة 1918، وهو الوفد الذي كان نواة تشكيل حزب الوفد فيما بعد.
المؤرخ عبدالرحمن الرافعي شرح قصة تشكيل الوفد في كتابه «ثورة 1919. تاريخ مصر القومي من سنة 1914 إلى 1921».
بداية الفكرة
لم يخلو مجتمع المفكرين المصريين في أواخر الحرب العالمية الأولى من التحدث عن مصير البلاد، وما يجب عمله لتحقيق أمانيها في مؤتمر الصلح في باريس.
و«مؤتمر باريس للسلام» كان اجتماعاً للحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الأولى قرروا فيه كيف يقسمون غنائم المنهزمين، وكيف يحددون أسس السلام القادم معهم عقب هدنة عام 1918، وشارك فيه مندوبون عن أكثر من 32 دولة وكياناً سياسياً، وكان من أهم قراراته إنشاء عصبة الأمم.
وكان أول من فكر في تأليف وفد للمطالبة بحقوق مصر في المؤتمر هو الأمير عمر طوسون.
التقى «طوسون» بسعد زغلول باشا في التاسع من أكتوبر سنة 1918 في حفلة أقامها رئيس الوزراء آنذاك حسين رشدي باشا بكازينو سان استفانو احتفالاً بعيد جلوس السلطان أحمد فؤاد، وذلك قبل الهدنة، فأفضى إليه بهذه الفكرة، فأقرها سعد ووافق عليها، بل ووعد الأمير بأن يفاتح أصدقاءه بالقاهرة في تنفيذها.
وفي 23 أكتوبر أعاد الأمير الكرة على سعد باشا مرة أخرى في حفلة شاي أقامها السير «رجلند ونجت» المندوب السامي البريطاني على مصر تكريماً للسلطان فؤاد بمنطقة الرمل بالإسكندرية، ثم التقى به غداة اليوم بالقطار الذي أقلهما إلى القاهرة، وحادثه أيضاً في هذا الصدد.
عاد الأمير إلى الإسكندرية، منتظراً ما ينبئه به سعد باشا من نتائج مسعاه مع أصدقائه، فلم يتلق منه جواباً.
سعد ينفذ منفرداً
وفي يوم 11 نوفمبر سافر الأمير عمر طوسون إلى القاهرة والتقي بسعد، فعلم منه أنه على موعد هو وزميلاه على شعراوي باشا وعبدالعزيز فهمي بك لمقابلة «السير ونجت» يوم 13 نوفمبر، وظهر أن سعداً أراد أن ينفذ الفكرة «الوفد» ولكن بعيداً عن الأمير.
وبدا ذلك من اتفاق «الأمير طوسون» مع سعد حين قابله يوم 11 نوفمبر على عقد اجتماع يدعو إليه الأمير في قصره بشبرا يوم 19 نوفمبر، وأرسل فعلاً تذاكر الدعوة إلى المدعوين، ولكن الحكومة المصرية قررت منع الاجتماع، وأبلغ رشدي باشا الأمير هذا القرار.
وقيل أن رشدي باشا اتخذت هذا القرار باتفاقه مع السلطان ومع سعد باشا، فلم يكن من الأمير طوسون إلا أن أرسل إلى المدعوين تذاكر بتأجيل الاجتماع، وقد تأيدت هذه الرواية من كون الأمير تلقى في غضون ذلك رسالة من السلطان على لسان يحيى إبراهيم باشا رئيس محكمة الاستئناف في ذلك الوقت بالكف عن التدخل في هذه المسألة.
والظاهر من هذه الملابسات أن فكرة تأليف الوفد قد صدرت أول ما صدرت عن الأمير عمر طوسون، وتلقاها عنه سعد باشا وانفرد بها لكي لا تكون الرئاسة للأمير إذا ظل مشتركاً في تنفيذها.
غير أن الكاتب يرى أنه قد يكون ما عُرف عن الأمير عمر طوسون من الجفاء بينه وبين الإنجليز، أحد العوامل التي أقصته عن الوفد.
رسائل الهزيمة.. هذا ما كتبه صلاح نصر من السجن الحربي
وتعود قصة هذا الجفاء إلى أول الحرب العالمية الأولى، حين كان الأمير عمر طوسون بأوروبا في صيف 1914، فلما أراد العودة إلى مصر بعد إعلان الحرب عارضت السلطة العسكرية البريطانية في عودته وظل وقتاً طويلاً تحت الملاحظة في مرسيليا إلى أن توسط له السلطان حسين كامل لدى السلطات البريطانية، فأذنت له بالعودة.
يذكر أن الوفد تألف يوم 13 نوفمبر من سعد زغلول باشا رئيساً، وعلي شعراوي وعبدالعزيز فهمي ومحمد محمود وأحمد لطفي السيد، وعبداللطيف المكباتي، ومحمد على علوبة. وكانت تجمعهم رابطة العضوية في الجمعية التشريعية، عدا محمد محمود باشا وأحمد لطفي السيد.