المعتصم.. شاب أردني تغلّب على الشلل الرباعي بـ«أنفه»
منذ ولادة الكاتب الأردني الشاب المعتصم بالله أبو محفوظ، وهو مصاب بالشلل الرباعي. أطرافه الأربعة لا تتحرك ويعاني صعوبة في النطق؛ لكنه رغم كل هذا نجح في الالتحاق بكلية هندسة البرمجيات بجامعة الزرقاء بالأردن، وأن يؤلف كتابين هما «نظرات ثاقبة»، ورواية «عاشقة صاحب الكرسي» بعد أن ابتكر طريقته الخاصة في الكتابة، متغلبا على عجز أطرافه، وهي الكتابة بالنقر بالأنف على جهاز الآيباد، وليصبح ملهما لجميع الشباب العربي الذي يتحجج بالظروف.
«ما دام العقل موجود فأنا بخير»، هكذا يعلق «المعتصم» خلال حديثه مع «شبابيك» عبر موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، وبطريقته بالنقر بالأنف على الآيباد.
ولادة المعتصم بالله بشلل دماغي
عندما وضعت والدة «المعتصم» مولودها الجديد، أخبرها الأطباء أنه نجا من الموت بأعجوبة، وقد لا يعيش طويلا.
كان الطفل حديث الولادة مصابًا بالشلل الدماغي، وإن كتبت له الحياة فسيعيش بلا حركة أو قدرة على الكلام، وذلك بسبب نقص الأكسجين الذي تعرض له وهو جنين في رحم أمه، ثم ولادته المبكرة.
كان الشيء الوحيد السليم في هذا الطفل هو عقله، ورغم تهالك الجسد، أطلق الوالدان على طفلهما اسم «المعتصم» الذي يعني «المنيع» وبدأ الوالدان رحلة البحث عن العلاج الطبيعي للطفل الصغير.
وبعد سنوات، وبعد أن كتبت لهذا الطفل الحياة، خاضا رحلة أكثر صعوبة للبحث عن مدرسة تقبل به ليعيش حياة سوية مثل جميع الأطفال في سنه.
المدارس ترفض التحاق المعتصم بها
بعد عام واحد من الالتحاق بالمدرسة، رفضت المديرة استكماله لدراسته لأن أهالي الأطفال الآخرين لا يريدون أن يلختط أبنائهم بطفل من ذوي الاحتياجات الخاصة.
وآخرون نصحوا الوالدين في شفقة أن يلتحق الطفل بمدرسة لذوي الاحتياجات الخاصة.. «وكأن المجتمع بيعاقبنا على إعاقتنا.. سبب فشل ذوي الاحتياجات الخاصة أن المجتمع بيصر على عزلهم.. نحن لم نولد لنعيش منعزلين، ولكن لنكون بين الناس ونستكشف قدارتنا وسط الأصحاء، أنا بعتبر الإعاقة الجسدية مجرد مرض وطاقة للتحدي والإبداع»، هكذا يروي «المعتصم» القصة في حديثه لـ«شبابيك».
مواجهة «المعتصم» مع وزارة التعليم
«أعيش بينهم غريبا.. أنا لست كالآخرين، ربما تزول غربتي حين أتألق بينهم وأمتاز عنهم، سأثبت دوري.. فأنا لم أخلق عبثًا أنا أملك أن أكون مثالًا ونموذجًا يهدي الناس»، هذه الكلمات جاءت على لسان «سعد» في رواية «عاشقة صاحب الكرسي» والذي يكشف «المعتصم» أن شخصية بطل الرواية هي شخصيته هو نفسه في الحقيقة؛ فقد رفض المجتمع أن يندمج فيه ولم تقبله إلا مدرسة خاصة بالشلل الدماغي، حتى المرحلة الثانوية.
ولكن سنواته الدراسية تنتهي واحدة تلو الأخرى و«المعتصم» يحصد أعلى الدرجات، ويصر على دخول مدرسة ثانوية عادية ويندمج في المجتمع مثل باقي زملاءه؛ ليخوض مواجهة كبيرة مع وزارة التعليم في الأردن.
فالمدرسة الثانوية رفضت إدخاله الامتحانات بجهاز الآيباد، الذي كان وسيلته الوحيدة للتعلم والتواصل مع العالم في ذلك الوقت؛ حتى اضطر لإنشاء صفحة «المعتصم بالله إرادة تتحدى الصعاب» ويكسب تعاطف الناس ويجبر الوزارة على إدخال الآيباد في الامتحانات.
وبعد أن أنهى مرحلته الثانوية بنجاح اختار أن يدرس تخصصًا صعبا مثل هندسة البرمجيات، «لأنها مليئة بالإبداع والتحدي» كما يوضح لـ«شبابيك».
ورغم صعوبة النطق يقدم المعتصم برنامج تحفيزي بـ«يوتيوب» بعنوان «جرعة أمل»:
هادي.. طالب كفيف يهديه الإصرار لتحقيق أحلامه
ابتكار المعتصم للكتابة بالأنف
حاول «المعتصم» كثيرا ومع العلاج الطبيعي الكتابة بيديه أو بقدميه لكنه لم يستطع، وفي النهاية ابتكر طريقته الخاصة في النقر على جهاز «الآيباد» عن طريق الأنف.
فمن خلال هذا الجهاز الصغير يقرأ ويتعلم ويتواصل مع العالم، ويوصل صوته للجميع، وينجح ويتحدى وزارة التعليم ويلتحق بالجامعة ويدرس.
ولا يكتفي «المعتصم» بذلك، فيبذل الكثير من الجهد لتطوير نفسه حتى أصبح يعتمد على نفسه في الدراسة والحركة والخروج للشارع وحده بنسبة 70%، ويكوّن الكثير من الأصدقاء في الواقع الذين أصبحوا «يحبوه جدا جدا ويحترموه» كما يقول لـ«شبابيك» وفي النهاية؛ يكتب اسمه على لوحة الشرف بكلية هندسة البرمجيات بجامعة الزرقاء بالأردن.
مبادرة وكتابين لـ«المعتصم»
كان ابتكاره للكتابة من خلال الأنف نقطة انطلاق وتحول؛ فأنشأ مبادرة «نحن طاقة لا إعاقة» في أكتوبر 2016 لتوعية المجتمع بقضية ذوي الاحتياجات الخاصة، وتسليط الضوء على المبدعين منهم؛ فطوال عمره كان يحلم بإمساك القلم والتعبير عن نفسه، لكنه لم يستطع.
وبدأ يكتب الكثير من المقالات التي تتحدث عن قضيته ومعاناته، إضافة لمقالات في مجالات متنوعة، ومقالات تحفيزية للشباب العربي؛ حتى حان الوقت ليصدر كتابًا كاملًا وهو «نظرات ثاقبة» الذي استغرق كتابته سنة ونصف بالأنف، ويحكي فيه عن نظرة المجتمع السلبية لذوي الاحتياجات الخاصة.
ثم جاءت رواية «عاشقة صاحب الكرسي» التي ألفها في عام واحد بالكتابة بالأنف أيضًا كما يروي لـ«شبابيك» والتي تمزج بين الخيال وسيرته الذاتية، وشعوره برفض المجتمع له ثم الانتصار عليه.
يحلم «المعتصم» أن تدخل كتبه موسوعة «جينس»، فهي أول كتب في العالم تؤلف عن طريق الأنف، وصارت توزع في جميع الدول العربية، وتشارك في معرض القاهرة للكتاب.
كما أصبح أول «يوتيوبر» يعاني صعوبة في النطق، من خلال برنامج بيوتيوب«جرعة أمل» يخاطب فيه الشباب عن الإصرار وعدم الاستسلام للظروف.
«لولا الأهل لم أكن لأصل لأي شيء»، هكذا يختم الكاتب الشاب حديثه لـ«شبابيك»، فقصته كلها بدأت عندما قرر والديه أن يعاملوه مثل إخوته الأصحاء، ويدعمونه في دراسته وحلمه بعد أن ظهرت سمات التفوق العقلي عليه منذ سنواته الأولى، رغم شلل جسده.