نساء عشقن الله.. أشهر متصوفات التاريخ الإسلامي

نساء عشقن الله.. أشهر متصوفات التاريخ الإسلامي

ربما لم يتعلق الناس بمتصوفة مثل تعلق المصريين بنفيسة بنت الحسن (762 – 824) التي ولدت في مكة، وتزوجت بإسحاق بن جعفر الصادق المعروف بـ«إسحاق المؤتمن»، ووفدت إلى مصر وكان بيتها مقصداً للعلماء والعامة على حد سواء.

خرج المصريون قديما لاستقبال «بنت الحسن» عندما جاءت إلى مصر عام 808 بالتكبير والتهليل، وكان بيتها مقصداً للعلماء والفقهاء مثل الإمام الشافعي، وأحمد بن حنبل. وفق حديث لأمين عام اتحاد القوى الصوفية بمصر عبدالله الناصر لشبابيك.

وروى أن الإمام الشافعي كان مريضاً جداً في أواخر أيامه فأرسل لها يطلب أن تدعو له، إلا أنها لم تدع وإنما قالت «متعه الله بالنظر إلى وجهه الكريم»، فعلم الشافعي بقرب نهايته، وكانت تلك إحدى كرامات السيدة نفيسة.

مسجد السيدة نفيسة بالقاهرة

رابعة العدوية

ومن بين المتصوفات تنفرد رابعة العدوية (713 – 801) بوضع مدرسة صوفية ترتكز على ما يسمى بـ«الحب الإلهي» حيث نظرت للذات القدسية كمعشوق وانعكس ذلك في أشعارها. وقال الباحث في الشأن الصوفي علي أبو الخير لـ«شبابيك» إن مفهوم الحب الإلهي مثّل نقلة كبيرة في مجال الفلسفة الروحية فانتقل للمتصوفين الذين جاءوا بعدها كأساس في علاقتهم بالله.

وتعد رابعة العدوية بمثابة «أستاذة علم النفس الصوفي» بلا منازع. وهكذا ذكرها الدكتور عبدالحكيم عبدالغني قاسم في كتابه «المذاهب السياسية ومدراسها»، مدللاً على ذلك بأنها عرفت طبيعة النفس البشرية وعوامل اعتلالها وأسباب شقائها إذا مرضت، وعوامل صفائها ونقاء معدنها ومراحلها وذلك عن طريق المنهج الذي وضعته لمدرستها.

فاطمة النيسابورية

وربما لم تنل متصوفة ثناءً من فقيه متصوف بحجم ذي النون المصري قدر ما نالته فاطمة النيسابورية (ت 837) التي تمثل الشخصية الثالثة المتفق على أهمية دورها الصوفي. وقال أستاذ التاريخ الإسلامي الدكتور عبدالباقي السيد لـ«شبابيك»، إنها كانت تنتمي إلى خراسان، وأقامت في مكة، وأن المصري كان يتردد عليها لسؤالها في قضايا فقهية، ولما سُئل عنها قال: «ولية من أولياء الله وهي أستاذي».

من بين المتصوفات تنفرد رابعة العدوية (713 – 801) بوضع مدرسة صوفية ترتكز على ما يسمى بـ«الحب الإلهي» حيث نظرت للذات القدسية كمعشوق وانعكس ذلك في أشعارها.

عائشة الباعونية

وباستثناء رابعة العدوية تلاحظ الباحثة عزة جلال في دراستها «سيرة المتصوفات في التاريخ الإسلامي. وقفات أولية عبر تأملات منهجية» أن كتب التأريخ تعاملت مع الزهد كقاسم مشترك بين المتصوفات، وأغفلت قيمة المعرفة كركن من أركان التصوف الأربعة (الزهد، والمعرفة، والمحبة، والولاية) رغم وجود أمثلة متناثرة داخل ما أُرُخ عن المتصوفات.

فعائشة بنت يوسف بن أحمد بن ناصر الدين الباعونية الدمشقية (توفيت 1517) كانت عالمة جليلة، وأديبة وشاعرة ذات دين وصلاح، تنسّكت على يد إسماعيل الخوارزمي، ثم على خليفته المحيوي يحيي الأرمي. حُملت إلى القاهرة واقتطفت فيها حظاً وافراً من العلوم حتى أُجيرت بالإفتاء والتدريس، ثم أخذت في التأليف حتى اجتمع لديها طائفة من الكتب والرسائل والقصائد.

ألفت الباعونية «الفتح الحقي من منح التلقي»، وهو مجموعة إنشاءات صوفية ومعارف ذوقية، و«الإرشادات الخفية في المنازل العليا» وهي قصيدة اختصرت فيها كتاب «منازل السائرين» لأبي إسماعيل الهروي، وألفت قصيدة أخرى لخصت فيها «القول البديع في الصلاة على الشفيع» لمحمد بن عبدالرحمن السخاوي.

مولاة الشامية وأم زينب

ولاحظت الباحثة عزة جلال أيضاً أن تناول التاريخ للمتصوفات اتسم في كثير من الأحيان بـ«الشخصنة»، فدارت المؤلفات حول شخص المتصوفة دون الإشارة لصلتها بمعلم أخذت علمها عنه، أو تلميذ خلفته خبرتها، في حين يعرف تاريخ المتصوفين من الرجال سلاسل ممتدة من أستاذ، وتلميذ تحول إلى أستاذ، بحيث انتهى ذلك للطرق الصوفية المعروفة.

وتذكر الباحثة مثالاً بمولاة أبي إمامة الشامية التي كانت تعلم النساء القرآن والسنن والفرائض وتفقهن في الدين في مسجد حمص، ولكن لم ينقل عنها وعن علمها شيء.

وربما كون الأتباع من النساء حال دون النقل عن المتصوفات اللائي لعبن دور الشيخات وأخُذ عنهن العلم، إذ لعبت التقاليد الشرقية التي ترى المرأة كياناً قاصراً عن منح العلم واكتسابه دورها في تقييد التلميذات عن نشر علم أساتذتهن، بحسب الباحثة عزة جلال.

وتضرب «جلال» مثالاً آخر على ذلك بفاطمة بنت عباس البغدادية المعروفة بـ«أم زينب» (توفيت 1314). وكانت زاهدة فقيهة قامت بالوعظ، وانتفع بها الكثير من النساء بمصر ودمشق.

هجيمة بنت حيي

ومن بين الصوفيات اللاتي روي عنهن، الفقيهة الزاهدة المتقشفة والعالمة هجيمة بنت حُيي الأوصابية الدمشقية والمعروفة بـ«أم الدرداء الصغرى». وذكر عمر رضا كحالة في كتابه «أعلام النساء في عالمي العرب والإسلام» أنها نشأت يتيمة في حجر أبي الدرداء ولما توفي خطبها معاوية بن أبي سفيان فقالت «لا والله لا أتزوج في الدنيا حتى أتزوج أبا الدرداء إن شاء الله في الجنة».

روت الكثير عن أبي الدرداء، وسلمان الفارسي، وفضاله أبي عبيد، وأبي هريرة، وكعب بن عاصم الأشعري، وروى عنها جبير بن نفير، وابن أخيها مهدي بن عبدالرحمن، ومولاها أبو عمران الأنصاري، ومسلم، وأبو داوود، والترمذي، وابن ماجه.

وذكر «كحالة» أن «بنت حيي»، التي توفيت عام 1185، كانت معظمة عند بني أمية، فكانت تقيم ستة أشهر ببيت المقدس، وستة أخرى بدمشق، وكان الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان (646 – 705) كثيراً ما يجلس إليها في مؤخر المسجد الأموي بدمشق.

عائشة بنت أحمد

وفي مراكش كان الظهور الأبرز لعائشة بنت أحمد بن عبدالله (توفيت 1561) التي ما زال الناس يزورون قبرها للتبارك. أخذت علمها عن الشيخ محمد بن عبدالله الغزواني، أحد أقطاب الصوفية بالمغرب، وكان الناس يتحامون بحماها فلا يرد أحد شفاعتها لما يعلمون من بركتها وصدق أحوالها مع الله، وفقا للباحثة عزة جلال.

لالة ميمونة

وعلى النقيض تماماً، اتسم التكوين الصوفي لبعض النساء المتصوفات بالبساطة والإيمان العفوي العميق فذاع صيتهن بين مريديهن. في دراسته «التدين الصوفي في طبعته النسوية ورهان النوع الاجتماعي. لالة ميمونة رمز الصلاح الأنثوي»، ذكر الباحث مراد جدي أن «الأمية شكلت مصدراً من مصادر قداسة الولية لالة ميمونة بالمغرب، فكانت نموذجاً للمرأة التي تجهل حتى أبسط أحكام الدين والصلاة، لكن بصدقها وإخلاص نيتها ارتقت إلى مرتبة سامية في سلم الولاية والصلاح».

أهلّها ذلك لأن تصبح معروفة في أكثر من مكان وموقع سواء بالريف أو بالغرب أو بالوسط أو بالجنوب، في شكل أضرحة مقامة على شرفها تتشابه في موقعها على قمم جبلية، يروى فيها زوارها كراماتها المشهورة من ركوب سجادتها والتحليق فوق الأمواج والالتحاق بالمركب الذي أرغم فجأة على التوقف عن الإبحار.

وبحسب «جدي» رويت كثير من الحكايات عن «ميمونة» أبرزها أنها كانت أمة فقيرة تجهل كيفية إقامة الصلاة وترغب في تعلمها، لكنها سرعان ما تنسى ما تعلمته من أدعية وشعائر، وبعد فشلها المتكرر في حفظ الصيغة الرسمية للصلاة، ظلت تردد الصيغة الثابتة لديها بكل خضوع «ميمونة تعرف الله. والله يعرف ميمونة».

عصمت الدين بنت معين

وقدّم اتجاه بعض النساء المتصوفات للوقف على مساجد وزوايا وتكايا أكبر خدمة للتصوف ورعاه فترة طويلة. ذكرت الباحثة عزة جلال أن عصمت الدين بنت معين الدين (ت 1185) المشهورة بالصلاح والدين والإحسان بَنَت للصوفية بدمشق مدرسة ورباطاً، فشيدت المدرسة داخل دمشق بمحلة حجر الذهب قرب الحمام الشركسي، والرباط خارج باب النصر وأوقفت عليهم أوقافاً كثيرة.

فاطمة بنت بري

غير أن هناك صوفيات اكتسبن شهرة من كرامة ولي آخر. وروى شيخ الطريقة العزمية الصوفية علاء أبوالعزايم، لـ«شبابيك»، أن فاطمة بنت بري كانت تسكن في شمال العراق وتميزت بالجمال والقوة الروحية التي جذبت لها عدداً من الأولياء ففقدوا قواهم أمام سطوة جمالها.

الوحيد الذي صمد في الاختبار وفق ما يذكر «أبوالعزايم»، هو القطب أحمد البدوي الذي استطاع أن يجبرها على إعادة القوى الروحية المفقودة للأولياء، فتابت على يديه والتزمت الطريق الصحيح.

المصدر

  • *كتاب «المذاهب السياسية ومدارسها». الدكتور عبدالغني قاسم.     *كتاب «أعلام النساء في عالمي العرب والإسلام». الدكتور عمر رضا كحالة.

    *دراسة «سيرة الصوفيات في التاريخ الإسلامي. وقفات أولية عبر تأملات منهجية».عزة جلال.    *دراسة «التدين الصوفي في طبيعته النسوية ورهان النوع الاجتماعي». مراد جدي.

محمد أحمد

محمد أحمد

صحفي يكتب في التراث والثقافة الشعبية