إلى أحمد إبراهيم القاطن بدير النحاس.. عن الأطفال الأبطال في سينما كمال الشيخ (مقال)
«من حكمدار العاصمة إلى المواطن أحمد إبراهيم القاطن بدير النحاس، لا تشرب الدواء الذي أرسلت ابنتك في طلبه، الدواء فيه سم قاتل».
يتردد صوت المذيع محذرًا بإلحاح عبر المذياع في فيلم «حياة أو موت»، ويتردد الصوت غالبًا بدرجة أعلى في وجدان المشاهدين وذاكرة السينما منذ صدور الفيلم في الخمسينات وحتى الآن.
خلف الكواليس نجد أن مخرج الفيلم له رصيد كبير في أفلام الحركة والأكشن، والجديد أنه جعل البطل فيها طفلاً له دور كبير.
كمال الشيخ وفن الـ Thriller
في كتاب «مخرجو السينما المصرية» لعبد الغني داود، يأتي ذكر المخرج الراحل كمال الشيخ كأحد رواد فن الإثارة Thriller في السينما المصرية، فقد بدأ مشواره السينمائي بفيلم «المنزل رقم 13» عام 1952 عن قصة طبيب يستغل مرضاه لارتكاب جرائم قتل بواسطة التنويم المغناطيسي.
في حين يفضّل «الشيخ» استعمال كلمة «تشويق» بدلاً من «الإثارة»، فهدفه جذب المتفرج للفيلم مبهور الأنفاس حتى كلمة النهاية، لذا تتابعت أفلامه على هذا النهج بلا تطويل حواري ممل، فلقبه كثيرون بـ «هيتشكوك السينما المصرية» نسبة لمخرج التشويق الإنجليزي المعروف ألفريد هيتشكوك.
الشيخ والأطفال.. ارتباط مبكر
ضم كمال الشيخ الأطفال سريعًا لأفلامه بعد سنتين من انطلاقه كمخرج، معتمدًا على تعاطف الجمهور مع هؤلاء الضعفاء الواهنين ضد أشرار المجتمع ومخاطره، ومراهنًا على حضور الطفل ودوره في حل المشكلات.
وراعى تقديم الأطفال بشكل جديد، بعيدًا عن مواهبهم في الغناء والاستعراض مثل «فيروز»، و«لبلبة» في أفلام أنور وجدي، بل كمشاركين في صلب وقضية العمل.
أحمد إبراهيم القاطن بدير النحاس
كان فيلم «حياة أو موت» هو باكورة أعمال كمال الشيخ مع الأطفال عام 1954 عن قصة من تأليفه، محاولاً شد الجمهور برحلة الطفلة «سميرة» الوعرة المحفوفة بالمخاطر عبر العاصمة سعيًا للحصول على دواء والدها، في أجواء تشويقية مستوحاة من الشارع المصري.
احتوى الفيلم جانبًا إنسانيًا خلال قصته المثيرة، فالحكمدار يكرس جهود الشرطة، والإذاعة لأجل إنقاذ حياة رجل واحد أخطأ الصيدلي في تركيب دواءه. قد يرى البعض أن فكرة الفيلم مثالية وكأننا في المدينة الفاضلة، كما أن الفيلم تم تصويره في شوارع وميادين القاهرة الحقيقية، لكن «الشيخ» يؤكد أنه لا يقصد عرض الحقيقة في الفيلم لكنها أمنيته وأمنية كل مصري.
الشيطان الذي صار ملاكًا
في فيلم «ملاك وشيطان» 1960، يشترك رشدي أباظة في كتابة السيناريو، ويقدم دور «عزت» السفاح شديد الإجرام، يتكسب من السرقة والقمار وكل الأعمال المشبوهة، يقتل رجلاً بدم بارد، لتجمعه الظروف مع «سوسن» الطفلة الهشة عديمة الحيلة.
هنا يلتقي الجبروت بالبراءة، الشر بالوداعة، والملاك بالشيطان. كيف يقاوم «عزت» شره ويستسلم لحب هذا المخلوق الرقيق؟ بل يسعى في النهاية لإنقاذها من ظلم العالم الذي لا يرحم، هكذا استغل كمال الشيخ حبه للطفولة في قصة من وحي الواقع بعيدًا عن المثالية هذه المرة.
رشدي أباظة.. دنجوان ما ينفعش واحدة تقوله لأ
وشيطان صغير يهزم الكبار
وأخيرًا يأتي فيلم «الشيطان الصغير» عام 1963 ليعود فيه كمال الشيخ كمؤلف ومخرج، ولم تتغير الحبكة كثيرًا عن الفيلم السابق، فلدينا عصابة وجريمة. في الفيلم أبوان يفقدان ابنهما الطفل الذي يتورط في المعمعة ليصير وضعه خطيرًا لولا مساعدة تنجيه بالعناية الإلهية.
تضمن الفيلم موسيقى مقتبسة من الأسطوانات الغربية ونال جائزة عن السيناريو، لكن «الشيخ» لم يقدم المزيد من بطولات الأطفال، بل أخرج أعمالاً مثل «اللص والكلاب» عن قصة نجيب محفوظ ضمن النمط البولسيي السياسي، وفيلم «قاهر الزمن» المنتمي لسينما الخيال العلمي.
تجربة «الشيخ» مع الأطفال لم تتكرر
تقول الناقدة السينمائية علا الشافعي إن كمال الشيخ من أفضل المخرجين المصريين في العموم بلا شك، وهذا بعد خبرته الكبيرة كمونتير، أما إسناده لدور البطولة في أعماله للأطفال أمام نجوم كبار مثل «مديحة كامل» أو «عماد حمدي» فهو التحدي بعينه.
أضافت «الشافعي» أن ما يميز «الشيخ» عن غيره هو تقديمه للطفل في أعماله بكل صدق، مجرد طفل غرير ضعيف هش، أما الأعمال الأخرى فتعمدت إظهار الطفل ناضجًا عليمًا بأمور الكبار بعيدًا كل البعد عن الطفولة في سنه، وكأن هذا هو الشيء الوحيد الذي ينتزع من الجمهور ضحكاته وإعجابه.
وأنهت الناقدة حديثها بذكر تجربة أحمد حلمي مع الطفولة في برنامجه «لعب عيال» حيث يجيب الأطفال على الاسئلة ببساطة وتلقائية، أما التجارب السينمائية بعد كمال الشيخ فلم تصل لعمقه وجودة تقديمه.
المقال المنشور في قسم شباك يعبر عن رأي كاتبه وليس لشبابيك علاقة بالمضمون