عقيدة الصدمة.. هذا ما تفعله الحكومات بالشعوب لتمرير ما تريد

عقيدة الصدمة.. هذا ما تفعله الحكومات بالشعوب لتمرير ما تريد

عقيدة الصدمة هي سياسة تتبعها بعض الحكومات بافتعال أزمات وكوارث في المجتمع لإجباره على قبول قرارات سياسية أو اقتصادية تحت تأثير الصدمة النفسية.

قد تحدث هذه الصدمة نتيجة حادث إرهابي، أو حالة من التوتر وعدم الاستقرار في البلاد، أو اندلاع لحرب وحشية، أو تعذيب في السجون؛ لخلق نوع من المعالجة بالصدمة وشل تفكير المجتمع بأكلمه لإعادة تشكيله وفقا للسياسيات الجديدة.

 وهو الأمر الذي تحدثت عنه الكاتبة السياسية الكندية «نعومي كلاين» بالتفصيل في كتابها «عقيدة الصدمة.. صعود رأسمالية الكوارث».

عقيدة الصدمة هي سياسة تتبعها بعض الحكومات بافتعال أزمات وكوارث في المجتمع لإجباره على قبول قرارات سياسية أو اقتصادية تحت تأثير الصدمة النفسية.

أبحاث طبية في عقيدة الصدمة

«لم يكن لدي فكرة عندما بدأت في هذه الأبحاث عن إمكانية التوصل لسلاح شرير ورهيب كهذا»، هذا ما يحكيه عالم النفس دونالد هيب، عن أولى الأبحاث على الإطلاق في تأثير الصدمات على قرارات الإنسان.

القصة بدأت في العام 1951 عندما اجتمع ممثلو وكالات الاستخبارات من عدة بلدان غربية في فندق بكندا، مع مجموعة من علماء النفس، وانتهى الاجتماع بمنح تمويل عسكري لأبحاث بعنوان «تأثير الحرمان من الحواس على الإنسان».

توقف «هيب» عن هذه التجربة، لكن الأبحاث استمرت، وأصبحت المختبرات أشبه بمعتقلات التعذيب التي تمارس فيها تجارب مؤلمة على البشر، فالأبحاث تستهدف حرمان الشخص من جميع الحواس ومسح ذاكرته بالكامل بالصدمات الكهربائية.

  • كيف تؤثر الصدمة على المجتمعات؟

كان الهدف هو إعادة بناء العقل من جديد كصفحة بيضاء تمامًا. شيء شبيه بهذا يحدث عندما يتعرض الإنسان لصدمة نفسية شديدة جدا ومفاجئة، فيدخل في حالة من تراجع الشخصية وإعادة بناءها من الصفر.

ومن هنا بدأ تطبيق أبحاث الصدمة على الحياة الاقتصادية، والسياسية، والأمنية التي يعيشها المجتمع يوميًا، بعد أن وجد أستاذ الاقتصاد بجامعة شيكاغو الأمريكية ميلتون فريدمان أن تعرض المجتمع لصدمات اقتصادية عنيفة يخلق لديه حالة من التراجع في أفكاره ومعتقداته، ويقبل بسياسات وقرارات لم يكن ليقبل بها في الظروف العادية.

كيف تطبق الحكومات عقيدة الصدمة؟


 

كان يُنظر لـ«فريدمان» وأنصاره على أنهم مجموعة من البلهاء في البداية، لكن فكرهم أصبح هو السياسة المسيطرة الآن؛ فقد حصل على جائزة نوبل في الاقتصاد.

«لقد احتاجوا أن تكون المجتمعات في حالة من عدم الاستقرار.. لقد احتاجوا لتوجيه صدمات، ولافتعال أزمات، ولخلق حالة طوارئ مستمرة».

 ينسحب هذا المبدأ على مختلف القرارات عندما تتعرض البلدان للهجمات الإرهابية، والحروب، أو الانقلابات، أو يتعرض الأفراد للتعذيب داخل السجون، فيصبح هذا هو الوقت المثالي لتطبيق ما لن يقبله المجتمع في الظروف العادية.

أول تجربة للعلاج بالصدمة

كانت دولة تشيلي قد طبقت إصلاحات في الصحة والتعليم والصناعة في خمسينات وستينات القرن الماضي؛ عندما انتخب أول رئيس ماركسي سلفادور أياندي في العام 1970، والذي بدأ في تطبيق سياسات اقتصادية تسببت في ارتفاع معدل التضخم ونقص السلع الغذائية.

  • صدمة الانقلاب العسكري المسلح

الانقلاب العسكري المسلح في تشيلي

أغضبت هذه القرارات اليمين المتطرف في تشيلي، وبدعم من الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون، الذي حاول الضغط لمنع «آياندي» من خوض الانتخابات، بدأ أنصار «فريدمان» بالتجهيز لصدمات متتالية، خصوصا أن الولايات المتحدة كانت مالكة لشركة التليفونات في تشيلي والتي من خلالها أدارت كل شيء.

أضرب عمال النقل وسائقو الشاحنات، وتوقفت المصانع والشركات التجارية تمامًا، ثم قاد الجيش التشيلي تمردًا مسلحا وقصف خلاله القصر الجمهوري بالطائرات، وقٌتل الرئيس المنتخب، واعتقل آلاف المعارضين، وتعرضوا للتعذيب.

قصف القصر الجمهوري خلال الانقلاب العسكري المسلح في تشيلي
 

وتولى قائد الجيش أوغستو بينوشيه الحكم، الذي قدم نفسه على أنه أنقذ البلاد من الفوضى التي سببتها سياسات الرئيس الماركسي السابق.

  • الصدمة الاقتصادية

قد تحدث الصدمة نتيجة حادث إرهابي، أو حالة من التوتر وعدم الاستقرار في البلاد، أو اندلاع لحرب وحشية، أو تعذيب في السجون؛ لخلق نوع من المعالجة بالصدمة وشل تفكير المجتمع بأكلمه لإعادة تشكيله وفقا للسياسيات الجديدة.

كان مجيء «بينوشيه» للحكم مشروطا بتنفيذ شروط «صبيان شيكاغو» أو أنصار «فريدمان» وهو تطبيق اقتصاد السوق الحر، وإلغاء الدعم، ورفع الرقابة عن الأسعار؛ فقد كانوا يؤمنون أن الاقتصاد سيضبط نفسه بنفسه، إذا توقفت الدولة عن ضبط السوق.

وهي السياسية التي أفادت الأغنياء على حساب الفقراء في تشيلي، لكن التضخم ارتفع بمعدلات غير مسبوقة، وأصبحت العائلات ذات الدخل المتوسط تنفق 74% منه على الخبز فقط.

  • حالة التهديد الدائم

وحتى يضمن استمرار هذه السياسات الاقتصادية الجديدة، كان لابد من عدو واضح وأبدي يخشاه المجتمع حتى لا يفكر في الانقلاب ضد هذه القرارات. وكان هذا العدو هو الماركسية التي تسببت في حالة الفوضى وعدم الاستقرار التي شهدتها تشيلي.

تراجع الصدمة عن المجتمع

لا تنجح الصدمة دائمًا مع جميع المجتمعات، وإن كان تأثيرها قد يشل المجتمع لفترة طويلة.

  • التراجع المؤقت عن الصدمة

مارجريت تاتشر
 

عندما تولت مارجريت تاتشر رئاسة وزراء بريطانيا عام 1979، قدمت نفسها على أنها المرأة الحديدية التي ستنقذ البلاد بسياساتها التقشفية، مثل خفض الإنفاق الحكومي، والحد من ملكية الحكومة، وتشغيلها للصناعات، ووضع سياسة نقدية مستقرة لخفض معدلات التضخم.

مع أول ثلاث سنوات لحكمها تضاعف معدل البطالة، وانفجرت موجة من الإضرابات وأعمال الشغب، وانخفضت شعبية المرأة الحديدية لـ25%.

لكن الحكومات قد تجد وسيلة لإعادة شعبيتها مرة أخرى؛ فقد استغلت «تاتشر» انتصارها في الحرب التي اندلعت بين الأرجنتين وجزر «فوكولاند» التابعة لبريطانيا، ثم انتصارها على اتحاد عمال المناجم الذي استمر إضرابهم لمدة عام كامل أصاب بريطانيا بالشلل، لتبدأ في عدة صدمات اقتصادية أخرى بتخصيص كل شيء في القطاع العام؛ الحديد والصلب، المياه، الكهرباء، الغاز، الاتصالات، البترول، وشركات الطيران.

  • التراجع الدائم.. صدمة التعذيب والحرب


 

كانت أحداث 11 سبتمبر التي وقعت على نحو مفاجئ وصادم، أبرز دليل على تمرير عقيدة الصدمة لتبرير الحرب على الإرهاب في أفغانستان ثم العراق أو بمعنى أشمل «حرب ضد سياسة البنتاجون البيروقراطية» كما يقول وزير الدفاع الأمريكي الأسبق هنري رامسفيلد في خطاب له يوم 10 سبتمبر 2010 قبل ساعات فقط من قصف البنتاجون ومبنى التجارة العالمي.

«لقد فعلوا معي مثلما حدث في العراق بالضبط.. محو البلد بالكامل لإعمارها من جديد وفقًا لسياساتهم الخاصة»، هكذا تقول جايل كاستنر، إحدى الناجيات من التجارب النفسية لمحو الذاكرة بالصدمات الكهربائية.

فأسلوب الحرب الذي تم في أفغانستان والعراق وقصف المدنيين، وتعمد تسريب مقاطع لتعذيب المعتقلين في جوانتانامو وسجن أبو غريب بطريقة أكثر من وحشية، كان صدمة أكبر من أن يتقبلها المجتمع؛ فقوة الصدمة جعلت المجتمع العربي والدولي كله يدرك الهدف الحقيقي لهذه الحرب؛ فلا هي تهدف للديمقراطية ولا للحرب على الإرهاب.

لقد حاولوا محو شخصية «كاستنر» وإعادة تكوينها من الصفر من خلال الصدمات الكهربائية، كما حاولوا محو العراق وشخصية أبناءه وإعادة بناءها من عدم، بصدمة الحرب والتعذيب، وكأنهم يقولون للآخرين، إذا لم تستجب فسيكون مصيرك مثل هؤلاء.

أخيرا.. يمكنكم تحميل كتاب «عقيدة الصدمة.. صعود رأس مالية الكوارث» من هنا.

أميرة عبد الرازق

أميرة عبد الرازق

محررة صحفية ومترجمة مصرية مهتمة بشؤون التعليم واللغات وريادة الأعمال