رئيس التحرير أحمد متولي
 كله بالحب يا نجم.. كيف تحول الحب عند المصريين إلى مصلحة؟ (مقال)

كله بالحب يا نجم.. كيف تحول الحب عند المصريين إلى مصلحة؟ (مقال)

«حسام» شاب مؤدب وخجول، لا يختلط كثيرًا بالمصريين في الشارع أو سوق العمل، لكنه يضطر لذلك في أوقات معينة مثل يوم بناء منزله، لاحظ أن عدد أسياخ الحديد في العمود أقل من الطبيعي، وحين حاول تنبيه المقاول رد سؤاله

-كله بالحب يا أستاذ

وشرح له المقاول أن كل أعمدة المنازل حوله على هذا الشكل، وهي قائمة بخير منذ سنوات لم تتهدم، سأله «حسام» في دهشة أكبر عن سبب بقاء البيوت هكذا مع أنها آيلة للسقوط كما يرى أي عاقل، فجاءه الرد نفسه: «كله بالحب»، ما علاقة الحب بكل هذا؟

بالحب يعني انجز 

أغلب السيارات في مصر بلا إشارات، كيف يقودها أصحابها دون مشاكل؟، كيف يعد السائق النقود ويحاسب الركاب وينادي لوجهة سيارته في نفس الوقت؟، يأتيه الجواب دومًا: كله بالحب، ويؤكد السائق مهارته بعمل «غُرز» وانعطافات دون إشارات.

اختفت دهشة «حسام» مع الوقت، فقد لاحظ أن كلمة «حب» لم تعد تستخدم بمعناها الأصلي، صارت تعني إنجاز المصلحة وحسب، حتى لو كان الإنجاز رديئًا يسبب الخراب أو المصائب، يعتمد المصري على الحب وقد يتبعه بكلمة أخرى أحيانًا «ربك يسترها».

ثقافة الحب فيما مضى

في الوعي الشعبي المصري، لا نجد أفضل من الأمثال الشعبية لنفهم منها كيف كان الحب بمعناه الأصلي، قبل أن تصير بالمعنى المعروف الدارج، والواقع أن هذه الأمثال كادت تختفي من كلام المصريين حتى استدعى الأمر فتح المراجع لتذكرها.

نجد من الأمثال ما يقصد الحبيب مباشرة مثل «اللقمة ما تحلى ولا تطيب الا بوجود الحبيب»، ومنها ما يعني تحمل كل مساويء الحبيب مثل «اللي نحبه نبلع له الزلط واللي نكرهه نحاسبه على الغلط» أو يتمادى التحمل أكثر مثل «العضة محبة من عجوز أو شابة»

الحب عند قدماء المصريين

صورة ذات صلة

أما في الماضي البعيد جدًا، في مصر الفرعونية نفسها، ترك قدماء المصريين الأشعار والكتابات الرومانسية بكثرة في آثارهم وبردياتهم، حتى في المقابر وجدران المعابد نجد الرسوم التي تحوي زهورًا وعناقًا بين المصري ومحبوبته.

وتخبرنا الدراسات الحديثة أن المصريين خصصوا أيامًا معينة للاحتفال بالحب بخلاف عيد الحب المعروف « فالنتاين»، منها عيد «الوليمة» الذي اعتاد فيه المحبين تقديم الزهور لبعضهم، حسب ما ورد في دراسة مركز الغرابلي لبحوث وتنمية المرأة.

الحب في مصر الآن

بالعودة إلى «حسام» وملاحظته عن كلمة الحب، فقد لاحظ أن المشاعر الجميلة عمومًا صارت مختفية تمامًا في بحر الروتين والعمل، أو مبالغًا فيها بشدة لدرجة تسميتها بكلمة أخرى أقرب إلى السب والقذف.

الخلاصة أنه لم يعرف هل يخبر حبيبته يومًا أنه سيعيش معها «بالحب» قاصدًا المعنى الحقيقي للكلمة، في حين أنها قد تفهمه بشكل عكسي تمامًا في هذه الحالة.

المقال المنشور في قسم شبابيك يعبر عن رأي كاتبه وليس لشبابيك تدخل في محتواه 

محمود حافظ

محمود حافظ

روائي وصحفي، مهتم بالسينما والأدب ومزجهما بالتاريخ والفلسفة