جوزيف أنتيلمي.. ما لا تعرفه عن الباشا الفرنسي مؤسس جيش مصر الحديث

جوزيف أنتيلمي.. ما لا تعرفه عن الباشا الفرنسي مؤسس جيش مصر الحديث

عندما عزم محمد على أن يحقق حلمه بإنشاء جيش نظامي لمصر، اتجه إلى إنشاء مدرسة حربية في أسوان لتخريج ضباط الجيش، وكان من الضروري لإدخال النظام الجديد أن يختار ضُباطاً ومعلمين على دراية بأساليب ذلك النظام، فقرر الاعتماد على الأوروبيين لأن هذه الأساليب كانت مجهولة في الشرق إلى ذلك الحين.

ووفق ما ذكره عبدالرحمن الرافعي في كتابه «عصر محمد علي» وجد الباشا عضداً كبيراً في ضابط فرنسي كبير من ضباط الإمبراطورية النابليونية هو الكولونل سيف، الذي عاون محمد علي في تأسيس الجيش المصري على النظام الجديد بحيث صار يصارع أرقى الجيوش الأوروبية، وبرهن في ميادين القتال وقتها على أنه لا يقل عنها كفاءة.

حروب نابليون

ولد جوزيف انتيلمي سيف في ليون سنة 1787، وكان أبوه صاحب مصنع في المدينة، ودخل في سلاح البحرية وحضر موقعة الطرف الأغر (معركة بحرية وقعت بين الأسطول الإنجليزي والأسطولين الفرنسي والإسباني سنة 1805 قرب منطقة رأس الغار جنوب غرب أسبانيا) ثم انتظم في سلك الجيش البري وقاتل في حروب نابليون، وارتقى في المراتب العسكرية حتى بلغ رتبة كولونل.

ولما انتهى عهد نابليون قُضي على «سيف» بالخروج من الجندية، وانقطع للتجارة والزراعة، فنصحه صديق له وهو الكونت دي سيجور بالذهاب إلى مصر لتنظيم جيشها، فوصل إليها سنة 1819.

قابل «سيف» والي مصر محمد على باشا، فأعجب به وعهد إليه تنظيم الجيش المصري على الأساليب الحديثة فكان له الفضل الكبير في الاضطلاع بهذه المهمة.

أسوان البداية

 أرسله محمد علي إلى أسوان لتكوين النواة الأولى من الجيش، وبدأ في العمل بأن قدم إليه 500 من خاصة مماليكه ليدربهم على أن يكونوا ضباطاً في النظام الحديث، وطلب إلى بعض رجاله أن يحذوا حذوه ويقدموا من عندهم من المماليك، فاجتمع لدى الكولونل «سيف» ألف مقاتل.

وبينما كان الكولونل سيف ذات مرة يدرّب الجنود على ضرب النار إذا بأحدهم يرميه برصاصة كادت ترديه، لولا أنها انحرفت ومرت بجانب أذنه، وسمع صفيرها، فلم يتزعزع ولم يفقد شيئاً من شجاعته ورباطة جأشه، بل استمر وأمر التلاميذ بإطلاق النار مرة أخرى.

أخذ «سيف» يدربهم مدة 3 سنوات على فنون الحرب وأساليبهم الحديثة، فصاروا نواة الجيش النظامي إذ تكونت منهم الطائفة الأولى من الضباط.

وذكر المسيو فولابل في كتابه «مصر الحديثة» وكلوت بك في كتابه «لمحة عامة إلى مصر» أن الكولونل «سيف» لقي صعوبات كبيرة في تدريب أولئك الشبان على الأساليب الحديثة، لأن قوام هذه الأساليب النظام والطاعة المطلقة للرؤساء، بينما اعتاد المماليك الصخب والضوضاء والإخلال بالنظام، ولم يألفوا من الحركات العسكرية سوى الكر والفر، لذا لم يرق لهم المناورات والتمرينات العسكرية.

كما أن هؤلاء المماليك لم يعتادوا أن يتعلموا فنون الحرب على أيدي ضباط أوروبيين «مسيحيين»، فجاشت نفوسهم بفكرة التمرد والعصيان، ودبروا المؤامرات للفتك بالكولونل «سيف» على مثال مؤامرات المماليك لاغتيال بكواتهم القدماء.

وبينما كان ذات مرة يدرّب أولئك الشباب على ضرب النار إذا بأحدهم يرميه برصاصة كادت ترديه، لولا أنها انحرفت ومرت بجانب أذنه، وسمع صفيرها، فلم يتزعزع ولم يفقد شيئاً من شجاعته ورباطة جأشه، بل استمر وأمر التلاميذ بإطلاق النار مرة أخرى.

وحدث أن نزع تلاميذه إلى العصيان وهددوه بالقتل، فطلب إليهم أن يبارزوه متعاقبين واحداً تلو الآخر حتى لا يدنسوا أنفسهم بالخيانة، فكان لهذه الشجاعة والبطولة وسعة الصدر تأثير سحري في نفوس أولئك الفتيان الذين مهما يكن ما اتصفوا به من الغدر فإنهم يقدرون الشجاعة حق قدرها، فبعد أن كانوا ناقمين عليه صاروا من خاصة أوليائه، ويحيطونه بإعجابهم فتمكن الكولونول «سيف» من إتمام تعليمهم في مدى 3 سنوات.

استمر «سيف» على هذا النحو إلى أن تكونت من تلاميذه الهيئات الأولى من الضباط وقد كان إبراهيم باشا يصحب الكولونل «سيف» في أسوان، وكان لوجوده تأثير كبير في حمل الشبان على الطاعة وإتباع النظام الجديد.

تمثال سليمان باشا الفرنساوي أمام المتحف الحربي بقلعة صلاح الدين الأيوبي

حروب ومعارك

اعتنق «سيف» الإسلام في مصر واختار لنفسه اسم «سليمان» فصار يُعرف بسليمان بك. واشترك في حرب المورة (1821 – 1832) ثم في حرب الشام والأناضول (1831 – 1833)، ومنحه محمد علي سنة 1834 الباشوية عقب الحرب السورية الأولى، فعُرف من ذلك الحين بـ«سليمان باشا الفرنساوي».

اشترك في الحرب السورية الثانية، وقد عُين رئيساً لرجال الجهادية أي للجيش المصري، واحتفظ بهذا المنصب في عهد إبراهيم، وعباس، إلى سعيد باشا، وتوفى سنة 1860، وأقيم له تمثال في ميدان سليمان باشا بالقاهرة.

ضريح سليمان باشا الفرنساوى في جزيرة منيل الروضة

 

المصدر

  • كتاب «عصر محمد علي». عبدالرحمن الرافعي.

محمد أحمد

محمد أحمد

صحفي يكتب في التراث والثقافة الشعبية