عبر عملية مخابراتية.. «الشاذلي» يهرّب أبناء زعيم الحركة الوطنية بالكونغو إلى مصر

عبر عملية مخابراتية.. «الشاذلي» يهرّب أبناء زعيم الحركة الوطنية بالكونغو إلى مصر

في 17 يناير 1961 كانت الكونغو على موعد مع جريمة نكراء أغُتيل على إثرها الزعيم باتريس لومومبا قائد الحركة الوطنية ضد الاستعمار البلجيكي، ورغم آلاف الكيلومترات التي تفصل بين مصر وهذه الدولة الإفريقية إلا أن القاهرة كانت حاضرة بقوة في هذا الحدث الذي تابعه العالم نظراً لبشاعته. الحكاية كاملة رواها سعيد الشحات في كتابه «ذات يوم.. يوميات ألف عام.. وأكثر».

الزعيم الكونغي باتريس لومومبا قائد الحركة الوطنية ضد الاستعمار البلجيكي

 

معالم الجريمة

البداية كانت عندما اقتادت قافلة من الجنود 3 أشخاص وسط الغابة، كانت وجوه الثلاثة منتفخة من أثر الضرب والتعذيب. توقفت القافلة وأوقفت الثلاثة أمام شجرة ثم أطقلت الرصاص عليهم ليسقطوا قتلى، وتم وضعهم في حفرة وأهال الجنود عليهم التراب لإخفاء معالم الجريمة.

انصرف الجنود بعد ارتكاب الجريمة، وحينما عاد آخرون لإخفاء معالمها كانت المفاجأة في ذراع مرفوعة من تحت التراب إلى أعلى.

كانت الذراع المرفوعة لباتريس لومومبا رئيس وزراء الكونغو وقائد حركتها الوطنية ضد الاستعمار البلجيكي، التي بدأت نضالها من أجل الاستقلال عام 1958، وكانت الذراع شاهدة على فضح الجريمة التي ارتكبها قائد قواته ورئيس الكونغو فيما بعد «موبوتو» بالتنسيق مع البلجيكيين.

عملية مخابراتية

الحضور المصري في هذا الحدث، لم يكن بمساندة نضال لومومبا وحركته الوطنية فقط، وإنما في عملية مخابراتية معقدة لتهريب أطفاله إلى مصر، نفذها عبدالعزيز إسحق رجل المخابرات الفذ في إفريقيا، ولعب الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية دوراً بارزاً فيها، وكان وقتها برتبة «عقيد» وقائد للقوات المصرية المشاركة ضمن قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في الكونغو.

واتخذ الزعيم الكونغولي قراره بتهريب أطفاله بعدما نما إلى علمه معلومات تشير إلى وجود مخطط لاغتياله، فحاول إنقاذ أطفاله تحسباً لأي طارئ وخوفاً على حياتهم.

«الشحات» استمع لقصة التهريب مباشرة من ابن لومومبا «باتريس» وذلك في منزل الراحل خالد جمال عبد الناصر (كان «باتريس» ضيفاً عليه). قال «باتريس» الذي كان عبد الناصر يناديه بـ«عتريس»: «كنا أطفالاً لا نعرف ماذا يحدث، احتضننا والدي في البيت المحاصر قبل خروجنا خلسة قائلاً لنا: «خلوا بالكم من بعضكم وانتم رايحين لأبوكم جمال عبد الناصر وهو هيشوف مصلحتكم كويس».

وأضاف «باتريس»: «كان هناك اقتراح أن يتم توزيعنا إلى كوامي نكروما في غانا، وأحمد سيكوتوري في غينيا، لكن والدي رفض وقرر أن نذهب جميعاً إلى بلدنا مصر ووالدنا جمال عبد الناصر».

عبد الناصر يستقبل زوجة لومومبا

جواز سفر دبلوماسي

يقول «باتريس» في تفاصيل العملية المخابراتية المعقدة: إن عبد العزيز إسحق حمل جواز سفر دبلوماسي بزوجة له إفريقية، ووضعنا عليه بوصفنا أولاده، وأطلق علينا أسماء عربية، وفي المطار قاد سعد الدين الشاذلي فرقتي صاعقة في مهمة تابعة للأمم المتحدة لتأمين المطار، لكن السر كان حماية عملية التهريب.

كادت أن تنكشف في المطار لشك أحد الموظفين في صور الأطفال الذي طلب رؤيتهم، لكن إسحق رد بثقة: «الأطفال نائمون»، وكانت التنبيهات لهم بأن يناموا حتى لو كان تمثيلاً. تكلم «إسحق» بحزم للموظف: «كيف تتصرف هذا النحو مع شخصية دبلوماسية؟»، وكان هناك ضباط مصريون سريون حوله أسهموا في إرباك الموظف الذي خاف من وقوع أزمة.

أقلعت الطائرة، وفي الجزائر هبطت ساعتين ترانزيت، ثم في برشلونة وسويسرا يومين ومنها إلى مصر، وطوال هذه الفترة ظلت العملية سرية، وفي مصر تم الإعلان عن وصول أسرة «لومومبا».

عاش أبناء «لومومبا» تحت رعاية عبد الناصر ولعب ابنه الأكبر «فرانسو» كرة القدم ضمن فريق الزمالك في بدايات جيل فاروق جعفر مطلع سبعينيات القرن الـ20، وظلوا في مصر حتى نهايات السبعينيات، ثم عادوا إلى بلادهم مرة ثانية.

محمد أحمد

محمد أحمد

صحفي يكتب في التراث والثقافة الشعبية