رئيس التحرير أحمد متولي
 نعوم شبيب.. اليهودي الذي استعان به عبد الناصر لبناء برج القاهرة

نعوم شبيب.. اليهودي الذي استعان به عبد الناصر لبناء برج القاهرة

رغم أن وراء بناء برج القاهرة حكاية سياسية روّجها العقل الشعبي المصري، إلا أن الحكاية الأبرز ترتبط بالمهندس اليهودي الذي أشرف على بنائه. الحكايتان رواهما عمر طاهر في كتابه «صنايعية مصر. مشاهد من حياة بعض بناة مصر في العصر الحديث».

عربون محبة

تقول الحكاية التي نسجها العقل الشعبي إن جمال عبد الناصر بعد تولى الرئاسة قرر مساندة المقاومة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي، فأرسلت له أمريكا 6 ملايين جنيه عربون محبة لقائد مصر الجديدة، لكن البنكنوت كان يحمل رسالة ضمنية واضحة تقول «هذه رشوة مستترة وخليك في حالك».

قبل «ناصر» المبلغ و قرر أن يستغله فى تقديم درس جديد من دروس الكرامة للمصريين وبالمرة « يعلّم على الأمريكان»، وكانت الفكرة هي إقامة برج شاهق يطل على نيل القاهرة.

تولى ضابط مخابرات اسمه يسري الجزار مهمة التنفيذ، واختار أرض الجزيرة، لكن كل من عرض عليهم الفكرة من أساتذة الإنشاء أو الهندسة رفضوا الفكرة، وقالوا إنها مستحيلة في هذه المنطقة بالذات. كان «الجزار» قد التقى كثيرين من معماري مصر، ولم يكن من بينهم نعوم شبيب.

بناية ناعوم

كان «شبيب» وقتها حديث مصر كمهندس ومقاول، فقبل عام١٩٥٠ لم تكن في العاصمة المصرية مبان تعلو على اثني عشر طابقاً، ومع ذلك كانت عنده الجرأة الكافية لإنشاء أول ناطحة سحاب، عمارة سكنية من 22 طابقا.

كانت بناية «ناعوم» مثار هجوم البعض مثل رجال الدفاع المدني الذين صرحوا في الصحف بأنهم لا يمتلكون معدات تسمح لهم بإطفاء أي حريق يشب فى هذه الأدوار العليا، و تبرع بعض المعمارين المشهورين بتحذير سكان هذه العمارة من خطر الزلازل، و صرح مدير عام مرفق المياه بأن المرفق لا يمتلك أجهزة تسمح بوصول الماء لهذه الأدوار العليا. كان الهجوم شبه منظم إلا أن ذلك لم يمنع إقبال الناس على السكن فيها.

كان «نعوم» مهندسا بارعاً بالفعل، يقوم فكره على أن البناء يتجاوز مسألة الجدران إلى مسارات الطاقة في السكن والشعور بالراحة، وأن المبنى يعبر عن ثقافة شعب، وأن الجمال في البناء ينعكس على شعور قاطنيه وشعور كل من يمر به.

لخص «شبيب» فلسفته كلها يوم وقف أمام طلبة الهندسة قائلا «التشييد هو عمل الإنسان لمصلحة أخيه الإنسان». هكذا كان يرى مسألة البناء كمهندس ومقاول «خدمة البشرية».

فلوس الأمريكان

يحكي كتاب صنايعية مصر: كانت فكرة «ناصر» تقوم على استخدام فلوس الأمريكان في بناء برج يرد به على صفاقة الرشوة، كصفعة على القفا للذكرى. لذا عرض «نعوم» على «ناصر» تشييد البرج في أرض الجزيرة، وتم تفسير اختيار الموقع بأنه يقع مقابل السفارة الأمريكية على الجهة الأخرى من النيل، وهكذا كلما أطل السفير من مكتبه يرى البرج تصله الرسالة.

فيما بعد ومع بداية المشروع وضع المصريون لمستهم على الرسالة، فقبل أن يتفقوا على تسميته «برج القاهرة» أطلقوا عليه اسمين، واحد حماسي «شوكة عبد الناصر»، والآخر ساخر «وقف روزفلت»، وهكذا اكتملت الرسالة قبل أن يكتمل البناء.

قبل أن يبدأ البناء سأله «ناصر» كم سيبلغ ارتفاع البرج، فقال «ناعوم»: أعلى من الهرم الأكبر، ابتسم «ناصر» وربت على كتف «ناعوم» معجبا بخفة دمه.

كانت خطة نعوم شبيب أن يكون المبنى بسيطاً تماماً، خالياً من أي زخارف، ومحاطاً بجدار خرساني خفيف وأنيق، ويخلو من أي عناصر غير ضرورية، وكان التحدي صعباً لأكثر من سبب، الأول أن السائد في أعمال البناء وقتها كان الأعمال اليدوية أكثر من المعدات، والثاني قدرة الأرض الطينية فى الجزيرة على تحمل مبنى من هذا النوع وتم علاج الأمر بصب القواعد فوق فرشة عبارة عن صخرة خرسانية تم وضعها على عمق 25متراً، والثالث كان العدوان الثلاثى على مصر عقب إعلان «ناصر» تأميم قناة السويس، فكان أن توقف العمل في البرج 3 سنوات من 1956 حتى 1959.

وذات صباح استيقظ المهندس المصري على تليفون من الرئاسة يخبره بأن 500 عامل بموقع البرج في انتظار إشارة معاودة العمل. وكانت النتيجة تشييد برج أطول من الهرم الأكبر بـ42 مترا.

افتتاح البرج

أصيب «نعوم» ببعض الإحباط عندما اعتذر «ناصر» عن حضور افتتاح البرج وأناب عنه كمال الدين حسين وصلاح نصر، لكن هذا لم يثن المهندس عن إلقاء كلمته كأن الرئيس موجود، وقال فيها: «أقدم فيها مبنى تعتز به أنفسنا، فهو عربي في تصميمه، عربي فى إنشائه، عربي في كل مرحلة من مراحل تنفيذه، ولا يفوتنا أن نسجل كفاح العامل المصري وصبره ومهارته في العمل من هذا الارتفاع الشاهق رغم الظروف الجوية العصيبة التي كان يتعرض لها».

قبة نعوم شبيب

من أشهر مباني نعوم شبيب مبنى جريدة الأهرام في شارع الجلاء، وسينما على بابا، لكن تظل «قبة شبيب» أهم اختراعاته. وهي اختراع هندسي حل لعالم البناء مشاكل بناء القباب الرقيقة بالخرسانة المسلحة أيا كانت مساحتها، فاخترع أسهل طريقة ممكنة لبناء القباب الإسلامية، وطبق اختراعه لأول مرة في بناء كنيسة سانت تريز ببورسعيد.

أدار «نعوم» طوال 30 عاماً تقريباً شركته الخاصة التي ضمت حوالي 15 موظفاً وفي أوقات معينة بلغ عدد العاملين في جميع مواقع الأشغال 1000 عامل.

كان «نعوم» معروفاً في الوسط المهني والمجتمع بكامله بالنزاهة والكفاءة، وبالإضافة إلى إنجازاته المعروفة نجح في إنشاء عدد كبير من المشروعات التجارية والسكنية في مختلف أحياء القاهرة: مبان سكنية، ومحال تجارية، ومبان مكتبية، ووحدات سكنية، ومصانع، ومدارس، وكنائس وغير ذلك.

هاجر شبيب إلى كندا في سنة 1971 برفقة زوجته وأولاده الأربعة. وفي كندا بين سنة 1974 وسنة 1977عمل هناك مهندس إنشاءات لشركة «إس إن سي» العالمية، ومن بين المشاريع التي قام بها، تصميم مبنى للمركز النووي في مدينة جانتيي، وتوفي هناك بمدينة مونتريال عام 1985.

 

محمد أحمد

محمد أحمد

صحفي يكتب في التراث والثقافة الشعبية