الدعم المزيف.. لماذا يتظاهر البعض بالتأييد رغم الكوارث؟
طريقة كل منا تختلف في التعامل مع السلطة، سواء كانت السلطة السياسية التي تقود النظام الحاكم للبلاد كلها، أو نموذج السلطة المصغرة مثل الأبوين في المنزل أو سلطة المدير وصاحب العمل، أو سلطة المجتمع الذي تحكمه العادات والتقاليد.
وإذا كانت هذه السلطة ظالمة ومستبدة، فهناك من يميل إلى المسالمة، بإظهار الدعم الزائف أو الخضوع التام.
لماذا نخضع للسلطة المستبدة؟
بداخل كل إنسان منا نوعان من الدوافع تفسر جميع تصرفاته وسلوكياته، النوع الأول هو الاحتياجات الأولية، والثاني الاحتياجات النفسية والاجتماعية.
ومن اسمها فالاحتياجات الأولية هي المقومات الضرورية لبقاء الإنسان حيًا، مثل المأكل والمشرب والمأوى.
والاحتياجات النفسية هي مقومات لازمة لتحسين حياة الإنسان؛ مثل الشعور بالأمان النفسي، وتقبل الآخرين له، والانتماء للجماعة حتى لا يصاب بالخوف النفسي الدائم، وكذلك حرية التعبير.
وبدون تلبية هذه الاحتياجات النفسية، سيظل الفرد حيَا من الناحية الجسدية، ولكنه يصاب بالكثير من الاضطرابات النفسية وأشهرها الإحباط والاكتئاب ويصبح شخصًا غير فعال في المجتمع.
وفي حالات معينة يقرر الإنسان أن يتنازل عن احتياجاته النفسية والاجتماعية مقابل تلبية احتياجاته الأولية، وبقائه على قيد الحياة، كما يوضح أستاذ علم النفس السياسي بجامعة عين شمس، الدكتور سمير عبد الفتاح، في حديثه لـ«شبابيك».
فالسلطة السياسية التي تصادر حرية التعبير، أو السلطة الأبوية في المنزل التي تصادر الحق في الاختيار، أو سلطة المجتمع التي تهدد من يخرج عنها بالنبذ والهجر؛ تجبر الإنسان على الاتجاه إلى مسالمة هذه السلطة أيا كان نوعها حتى يحافظ على مقومات البقاء حيَا.
المسالمة للسلطة ينتج عنها سلوكيات نشاهدها يوميّا، مثل المواطن الذي يظهر دعمه لحزب سياسي خوفا، أو الموظف الذي ينافق مديره حفاظًا على لقمة العيش، أو الابن الذي يخضع لأبويه الذين يرغمانه على دراسة يكرهها، حتى يلبي احتياجه للأمان والقبول الاجتماعي.
لكن، متى يتمرد الإنسان على السلطة؟
يخفي الإنسان مشاعره الحقيقية الرافضة لهذه السلطة، حتى اللحظة التي تصبح احتياجاته الأساسية مهددة؛ فيتمرد بشدة.
وأقرب مثال على ذلك هو ثورة 25 يناير في أيامها الأولى؛ والتي جاءت في ظروف اقتصادية متردية للغاية وشارك بها جميع طوائف الشعب؛ وكانت أول كلمة في شعاراتها «عيش» في الهتاف الشهير «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية»، هكذا يتابع «عبد الفتاح» حديثه لـ«شبابيك».
هذا التمرد الجريء لا يحتاج فقط لأن يشعر الإنسان بتهديد لاحتياجاته الأساسية ولقمة عيشه؛ ولكن لتوافق الظروف الاقتصادية مع السياسية والاجتماعية، والتي تسمح بمثل هذا التمرد.
-
قوة القهر تمنع التمرد
قد يصل الإنسان لظروف قهرية تهدد مقاومات الحياة الأساسية؛ مثل الكثير من الفئات الاجتماعية، وقد لا تجد قوت يومها، ولكنها لا تبدو مسالمة أو خانعة للسلطة فقط، ولكن تظهر تأيدها الشديد، بسبب القوة السلطوية القاهرة التي لا تسمح بالتمرد إطلاقًا.
مرة أخرى يضرب أستاذ علم النفس السياسي مثالًا بثورة 25 يناير، وما تبعها من أحداث واضطرابات جعلت المجتمع يشعر أنه خسر الكثير جدا بسبب الثورة، ولم يحصل على ما يريده منها.
وهذا شكّل حاجزًا نفسيا قويا بين هذا المجتمع وأي نوع آخر من الثورات أو التمرد؛ فترك السياسية وفضّل المسالمة حفاظًا على ما تبقى من لقمة عيشه.
سلوك المسالمة والخضوع لا يقف عند حدود السياسة فقط، بل يتكرر تجاه جميع أنواع السلطات المستبدة، سواء في المنزل أو المجتمع.
-
الرفاهية تسبب الخنوع أيضا
هناك أمثلة واضحة أمامنا، فالأب المسيطر الذي يغدق على أبناءه ولا يحرمهم من أي شيء مقابل التحكم في اختياراتهم مثل اختيار الدراسة أو شريك الحياة؛ وهناك الحاكم المستبد الذي يغدق على شعبه ويلبي احتياجاتهم الأساسية بسخاء.
في الحالتين سنجد أن تمتع الفرد بالرفاهية، يتسبب أيضًا في خنوع الفرد للسلطة، فيتغاضى عن حرمانه من الاختيار أو التعبير عن الرأي في مقابل تأمين حياته بسخاء.
فعندما يضمن الإنسان توافر احتاجاته الأساسية بهذا المستوى المشبع، فسيسالم السلطة السياسية التي تفرض قيودًا على حرية الرأي والتعبير؛ خوفًا من خسارة هذا المستوى المعيشي الجيد.
سيكولوجية الجماهير والخضوع للسلطة
وعلى صعيد السياسة تحديدا سنجد الكثير من المفكرين الذين اهتموا بدراسة علاقة الدوافع النفسية بالخضوع للسلطة أو النظام السياسي المستبد.
«الجماهير بطبعها تميل للحاكم المستبد»، هذا هو رأي المؤرخ الفرنسي جوستاف لوبون في كتابه الشهير «سيكولوجية الجماهير».
وهناك دافع نفسي خفي وراء إعجاب الجماهير بشخصية الحاكم المستبد؛ فلأن الجماهير بطبعها تميل للتمرد على الضعيف، فهي ترى أن الاستبداد نوع من أنواع القوة، مقابل القائد الرحيم الذي قد تراه ضعيفا وغير جدير بمنصبه أو غير قادر على إدارة زمام الأمور.
المؤرخ الفرنسي يفسر هذه الظاهرة، ويقول إنه مهما كان في المجتمع من أشخاص يفكرون بعقلانية؛ فتحت ظروف معينة تذوب شخصية الفرد في الجماعة، لتمتلك المجموعة صفات وشخصية جديدة تحرك المجتمع، والتي تتحول شخصيته لطابع بدائي أشبه بالطفل الصغير؛ وهذا الطفل الذي يميل للتمرد على المعلم الضعيف، بينما المعلم القاسي يبعث في نفسه الهيبة والخضوع.
-
العبودية الاختيارية
النظرية السابقة تتوافق مع نظرية مؤرخ فرنسي آخر هو إيتيان دو لا بويسي، الذي يقول إن الإنسان يختار أن يفقد حريته ويستسلم للمستبد بكامل إرادته.
«إنه لأمر مذهل أن ترى الناس يرزحون في العبودية والشقاء وليسوا مرغمين بفعل قوى عظمى، مفتونين ومسحورين بفعل اسم رجل واحد، ليس عليهم أن يخشوا قدرته لأنه وحيد، ولا أن يحبوا مناقبه لأنه عديم الرأفة بهم ومتوحش؛ لكنهم لا يجرؤون على الخوض في نزاع معه»، كما يقول في كتابه «مقالة عن العبودية الطوعية».