رئيس التحرير أحمد متولي
 الدماغ الناشفة.. ممكن تتكسر بس فيه طرق تانية للتعامل معاها

الدماغ الناشفة.. ممكن تتكسر بس فيه طرق تانية للتعامل معاها

يختلف البشر بطبيعتهم في الرأي، فيدخلون في مناقشات ومحاورات، للوصول إلى الرأي الصحيح في أي قضية، لكن لماذا يتصلب بعض الناس أحيانًا في النقاش وكأن عقولهم من صخر؟

نسمي هذا الشخص في كلامنا الدارج «دماغه ناشفة»، فهو عنيد متصلب الرأي، ورافض للتفكير والأخذ والعطاء. لكن ما أسباب هذه الحالة؟ وما الطرق المثلى للتعامل مع هؤلاء؟!

لماذا العناد؟

افتقاد التعاطف

صورة ذات صلة

استشاري العلاقات النفسية والأسرية محمد هاني، يشير إلى احتمالية إصابة الشخص بالعناد والعصبية نتيجة المعاملة السيئة من الأهل طيلة حياته وخاصة في فترة المراهقة، فيشعر الشخص بالوحدة وافتقاد التعاطف، ويصبح متقوقعًا في نفسه.

يُسمى العنيد في هذه الحالة بالشخصية النرجسية، يرفض المشاركة في الرأي، ويقتصر على ما يفكر فيه وحده، فلا داعي لرأي الآخرين أو تعاطفهم من الأساس، لقد فقد الثقة فيهم واستقل عنهم حتى في النقاش.

الوراثة في الفكر

صورة ذات صلة

الطبيب والباحث في علم النفس كيرلس بهجت، أشار إلى حقيقة التأثر بأفكار الأهل والمجتمع، كما نكتسب منهم الطباع والعادات والتقاليد منذ الطفولة وحتى الشباب، فنحن نكتسب أيضًا معتقدات معينة في الفكر، تختلف من مجتمع لآخر ومن مكان لآخر.

عالم النفس الكندي «لي روز» أجرى تجربة مهمة في قياس مدى تقبل الناس لأفكار الآخرين، واختار مجموعة من الطلبة الجامعيين، وطلب منهم أن يتجولوا في حرم الجامعة وهم يغنون أغنية معينة، ثم سأل كل واحد منهم: هل تتوقع أن يوافق أي شخص آخر على غناء هذه الأغنية؟

أجاب أكثر الطلبة الذين وافقوا على الغناء بأن الأشخاص الآخرين سيوافقوا مثلهم، وهكذا أيضًا أجاب أكثر الذين رفضوا الغناء بأن لا أحد آخر سيرغب في الغناء، وكل فريق ظن أن بقية الناس مثله.

من هنا يرفض الناس أن يغيروا ما يفكرون به، كي يتجنبوا المجهود المبذول في الشك ومراجعة الحسابات فيما عرفوه، فيصبحون متصلبون في الرأي، وغير راغبين في النقاش من الأساس، بل يشعرون بالغيظ والكره تجاه من يخالفهم.

كيمياء التعود​​​​​

نتيجة بحث الصور عن ‪body chemicals‬‏

يلفت الطبيب والباحث في علم النفس كيرلس بهجت إلى سبب آخر للتصلب في الرأي غير الأفكار الموروثة السابقة، فبعض الناس في النقاش أو الحوار العادي، لا يتحمل أن يكون على خطأ، فقد أدمن أن يكون على صواب، وصار يتلذذ بهذا الشعور حرفيًا، لأن الجسم يفرز هرمون السعادة «دوبامين» عند الفوز في أي نقاش، وكأنه فاز في مناظرة عالمية، فكيف يخرج من النقاش مخطئًا بعد هذا؟

والأسوأ حين يخسر الشخص أرضه في النقاش، يفرز الجسم هنا هرمون «الكورتيزول» المسؤول عن التجهز للضغط العصبي، فيحتد الشخص العنيد ويتعصب وكأن المناقشة معركة حربية تسحق الاستعداد لها، لقد أعتاد الجسم على هذا السلوك بسبب تصلب صاحبه في الرأي.

ويقول الشخص متصلب الرأي لنفسه: «يجب أن أكون على صواب، حتى لو جادلت لمجرد الجدال، واستندت في نقاشي لدلائل ضعيفة أو خاطئة».

كيف تتعامل مع الشخص العنيد؟

نتيجة بحث الصور عن ‪deal with Stubborn‬‏

ربما تقابل من يتعصبون لرأيهم، بل قد تكتشف يومًا أنك واحدا منهم، وكلما زاد عمر الإنسان تقل فرصته في التحرر من العصبية والعناد، إلا لو أدرك أبعاد مشكلته وحاول جاهدًا أن يغير طريقة تفكيره وتعامله.

د.محمد هاني ، يقدم هذه النصائح للتعامل مع الشخص العنيد:

اختر الوقت المناسب

لا تحاور الشخص العنيد في أي وقت يسمح بالصدام، بل اختر الوقت المناسب حين يكون في حالة أهدأ وأفضل، بالطبع سيكون عندها أكثر مرونة في التعامل، إلا لو كان الوضع خطرًا ولا مفر من النقاش.

لا تعانده على سبيل العلاج

يتجنب الناس التعامل مع العنيد، فلا تعانده قاصدًا ولو على سبيل العلاج، فهذا لن يغيره وإنما سيحفز عنده كل الأسباب ليعاندك أكثر، بل قد يتضاعف الأمر في هذه الحالة بمنطق «عناد بعناد».

​​​​أحسن توجيه الأوامر

لا يحب الشخص العنيد استقبال الأوامر بسهولة، كيف وهو مستعد للجدال والرفض بكل سهولة كعادته، لذا تجنب توجيه الأمر بشكل مباشر، بل حاول الحديث ببساطة قدر المستطاع.

الصداقة مدخل العلاج

الشخص العنيد يواجه المشاكل في كل مكان، في العمل والأسرة وخلافه، لكنه يحتفظ بعدد من الأصحاب المقربين الذين يستمعون إليه، بل يشعر العنيد نفسه بالأمان في صحبتهم.

هكذا يمكن لأصحابه أن يناقشوه ويحاوروه بصدر رحب، فيستغلون الصداقة كي يقنعوه بأمر ما، وحتى لو عاند وتصلب، فهم يمتصون عصبيته ويحاولون معه من جديد حتى يمتثل برضاه للحق.

تغييره تدريجيًا

ينصح الطبيب كيرلس بهجت بالرفق والهدوء، حتى تتغير كيمياء الجسم نفسها عند الشخص العنيد، فبدلاً من هرمون السعادة واللذة الذي أدمنه «الدوبامين»، يستبدله مع الوقت والحديث مع الناس بهرمون الحب «الأوكسيتوسين»، فيصبح التفاعل مع الناس أسهل.

حتى الأفكار الموروثة قد تتغير مع الوقت، ويكتشف الإنسان في لحظة أن أفكاره ليست هي الصح المطلق، بل من الممكن أن يكون مخطئًا، وأن الاعتراف بخطأه ليس عيبًا أبدًا، ويتحاور مع الناس كبشر يناقشون برقي وليسوا أخشابًا جامدة تصمت كي ترضيه.

محمود حافظ

محمود حافظ

روائي وصحفي، مهتم بالسينما والأدب ومزجهما بالتاريخ والفلسفة