ما السورة القرآنية التي سحرت نجيب محفوظ؟ ومن الشيخ الذي تعلق بصوت تلاوته؟
«في أعماق قلبي وروحي إيمان بالله لم تنتزعه مني دراستي للفلسفة ولا تفكيري المتصل في مشاكل الإنسان والمجتمع والكون»، هذه الجملة التي وردت على لسان نجيب محفوظ تختزل علاقته بالله، وربما أراد بها الرد على كل من شكك في إيمانه بسبب رواية «أولاد حارتنا».
في سرده لمحطات حياته التي رواها أديب نوبل للناقد الأدبي رجاء النقاش، ودونها الأخير بدوره في كتاب «صفحات من مذكرات نجيب محفوظ»، ذكر الكثير عن علاقته بالدين والقرآن الكريم. يستعرض «شبابيك» بعضا منها.
التاريخ السري لأصدقاء نجيب محفوظ.. حشاشين وخمورجية
تعلق منذ الصغر
يقول «محفوظ»: لم أقرأ في حياتي كتاباً واحداً أكثر من مرة باستثناء كتاب واحد هو القرآن الكريم. قرأته منذ الصغر وتعلقت به، وداومت على قراءته بشكل يومي ولو أجزاء قليلة.
قرأت كذلك كُتب التفاسير، خاصة للقرطبي وسيد قطب، وإن كان أكثرها راحة وسهولة بالنسبة لي هو «منتخب التفاسير» الصادر عن مجمع البحوث الإسلامية.
توطدت علاقتي بالقرآن الكريم أكثر بعد تعلقي بأصوات كبار القارئين في ذلك العصر، خاصة الشيخ علي محمود الذي كان يمتلك صوتاً موازياً للوطن، فإذ كان مشهد الوطن يحرك المشاعر، فكذلك كان صوت الشيخ على في ترتيله للقرآن.
وكنت قد اعتدت على حضور ليلة «حفني الطرزي» أحد الشخصيات البارزة في حزب الوفد القديم، وكان معتاداً أن يقيم سرادقاً في حي الحسين مرتين في كل عام في ذكرى مولد الحسين، وفي ذكرى وفاة سعد زغلول. وكانت هذه الليلة يحييها الشيخ علي محمود، وأظل ساهراً حتى مطلع الفجر مبهوراً بصوته المعجز، كما كنت أدوام على سماع الشيخ علي أيضاً في الوقت المخصص له بالإذاعة.
وفي الذكرى السنوية لوفاة سعد زغلول كان يقام سرادق ضخم، كان يحييه في الغالب الشيخ علي محمود والشيخ البربري، ورغم أن السرادق كان يضم أكثر من ثلاثين ألف شخص، إلا أن صوت القارئ سواءً الشيخ علي محمود أو الشيخ البربري، كان يصل إلى الناس بسهولة دون استخدام الميكروفون الذي لم يكن قد ظهر حتى هذا الوقت.
كان الشيخ البربري- ولا أتذكر اسمه كاملاً - له طريقة فريدة في ترتيل القرآن، لم أسمعها من قارئ قبله أو بعده، فهي طريقة أقرب للخطابة ولكن بشكل جميل مؤثر.
وكان للقرآن وأسلوبه وموسيقاه العذبة أثر كبير في أسلوبي في الكتابة، وظهر ذلك بشكل واضح في «أحاديث الصباح والمساء»، والتي قال عنها الناقد محمد حسن عبدالله: تسير على نفس المنهج الذي سارت عليه قصص القرآن، كما ظهر فيها تأثري البالغ بأسلوب القصص القرآني.
سورة الرحمن
أما أكثر سور القرآن التي سحرتني بموسيقاها وأسلوبها، فهي سورة «الرحمن». وقد جاء صحفي أمريكي إلى القاهرة ليجري معي حديثاً، وسألني عن علاقتي بالقرآن وتأثيره عليّ وأسئلة أخرى، ثم سافر عائداً إلى بلاده. وبعد بضعة أيام فوجئت برسالة بريدية منه، حيث أخبرني أنه نسى سؤالاً هاماً ويريد مني الإجابة عنه، وكان السؤال هو: ما أحب سور القرآن إلى نفسك؟ وأرسلت له الإجابة: إنها سورة الرحمن.
ورغم أنني لا أؤمن بأفكار الصوفية ومعتقداتهم كما يؤمن بها المتصوفون، فإنني وجدت في قراءة كتبهم وتأملها راحة عقلية ونفسية كبيرة. جذبتني في الصوفية فكرة السمو الروحي، وفي المقابل لم أقتنع بفكرة رفض الدنيا، فلا أتصور مذهباً دينياً يرفض الدنيا أبدا.
وظهر رأيي بوضوح في رواية «اللص والكلاب» في شخصية الرجل الصوفي الذي يلجأ إليه «سعيد مهران» عسى أن يجد عنده حلاً لمشكلته، فلا يجد سوى لحظات من الراحة النفسية، هي أقرب إلى المسكنات، وليس فيها أي نوع من الحل الأساسي أو الدواء الشافي.
فلسفة الجمال
بلغ من تأثري بالقرآن والكتابات الإسلامية أنني اخترت لرسالة الماجستير التي كنت أنوي إعدادها بعد تخرجي في قسم الفلسفة بكلية الآداب موضوعاً عنوانه «فلسفة الجمال في الإسلام».. وعرضت الموضوع على أستاذي الشيخ مصطفى عبد الرازق فوافق عليه وتحمس له رغم جرأة الموضوع.
كنت أنوي تقديم صورة جديدة للإسلام، أظهر فيه اهتمامه بالجمال والتذوق والانفتاح على العالم، وأنه لم يدع أبداً إلى الزهد والانغلاق، ولكنني لم أكمل مشروع دراسة الماجستير، لأنني انصرفت إلى الأدب وركزت جهدي كله في مجاله.