لماذا لا نشعر بقيمة ما نملكه إلا حين نفقده؟.. الإجابة مفاجئة

لماذا لا نشعر بقيمة ما نملكه إلا حين نفقده؟.. الإجابة مفاجئة

 قصة حب عنيفة جمعت بين «آية» وشريكها، فهما في الأصل أقرباء، واستمرت المشاعر بينها لسنوات طويلة حتى ارتبطا رسميًا بخاتم الخطوبة، لكن هذا الحب كله كان أساس المشكلة كما تحكي «آية» في قصتها لـ«شبابيك».

كان كلاهما يتصرف بثقة كبيرة دون خوف من جرح مشاعر الآخر، لأن الحب والتفاهم موجود، ولكن كلما زادت حدة تصرفاتهما، كانت العلاقة تتدهور أكثر، حتى انتهت بفسخ الخطبة.

تقول «آية» أنها نادمة على كل ما حدث، تفتقد شريكها بشدة، فكيف كانت أقل نضجًا بهذه الطريقة؟ وكيف سمحت بضياع حب عمرها؟ ولم تقدر قيمته إلا بعد فوات الأوان؟

صورة ذات صلة

أما محمد جمال فقد ترك وظيفته في مجال المبيعات الذي قطع فيه شوطًا كبيرًا، ولجأ إلى وظيفة أخرى خاصة بالحسابات من أجل مزاياها العديدة، وظل بالفعل في المكان الجديد لفترة.

لكنه شعر بالحنين لعمله الأول، خاصة بعدما ظهرت مشاكل جديدة لا تقل عن مشاكله القديمة، وفي النهاية عاد لمجال المبيعات بلا ندم سوى على الوقت الضائع.

الحاجة والإشباع

يتكرر موقف «آية» و«محمد» بصور مختلفة وعديدة في حياة قطاع كبير من الناس، أيًا كان ما يفقده الإنسان، مثل شريك حياته الذي يذهب إلى فسخ الخطوبة أو الطلاق، أو الوظيفة التي يتركها بالاستقالة، أو حتى كتبه وأشيائه التي تضيع منه مع الزمن فيعرف كم كانت ثمينة عنده.

السؤال الآن: لماذا نتأخر في معرفة قيمة الشيء في الغالب حتى نفقده؟ والإجابة تأتي من أستاذة علم النفس بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية سوسن فايد.

تقول «فايد» إن كل إنسان طبيعي لديه حاجة أو احتياج تجاه أي شيء، وهذا الاحتياج يشبعه الإنسان بامتلاكه لهذا الشيء، فإذا حدث الإشباع قد لا يهتم به ولا يشغل باله بمزايا الشيء نفسه.

أما حين يضيّع من الإنسان حبيبه أو عمله أو حتى كتابه المفضل، يبدأ عندها في التفكير فيه، أو التفكير بشكل آخر، لأن احتياجه عاد مجددًا وصار بحاجة إلى الإشباع وإلى ملئ هذا الفراغ بداخله، كما أن المشاكل لا تنتهي بذهاب الشيء القديم، بل تأتي مشاكل أخرى تجعله يحن مجددًا.

تأثير خاتم الفرح

صورة ذات صلة

الطبيب والباحث في علم النفس كيرلس بهجت، يشير إلى جانب آخر في تفسير زيادة قيمة الشيء عندما نفقده، خاصة حينما يذهب هذا الشيء إلى شخص آخر، كالحبيب الذي سيبحث عن شريك جديد لحياته، والوظيفة التي سيربحها موظف آخر وهكذا.

يسمى هذا الأمر في علم النفس بـ«تأثير خاتم الفرح»، وشرح هذا الاسم يأتي من موقف فتاة تدخل إلى كازينو، فلو وجدت رجلين فيه، إحداهما يجلس مع امرأة جميلة، والآخر يجلس وحيدًا، الفتاة في الأغلب ستهتم بالجالس مع المرأة الجميلة وتهمل الرجل الوحيد.

والسبب أن مجرد جلوس الرجل مع الجميلة يعني أنه أكثر إغراء، وهذا يجعل الفتاة تنجذب له، فقد ضمنت بالفعل أنه جذاب بالنسبة للآخرين.

هذا الموقف يفسر لنا دومًا شعورنا بقيمة الحبيب الراحل حين يخطفه حبيب جديد، أو الوظيفة التي فاز بها الموظف الآخر، أو أي شيء آخر نفقده، فحين يذهب لغيرنا، ندرك قيمته الحقيقية التي عرفها الآخرون فيه.

تعليق يوسف السباعي

نتيجة بحث الصور عن يوسف السباعي

الأديب الراحل يوسف السباعي، نظر بزاوية أخرى إلى تقدير قيمة الأشياء بعد ضياعها، فقد لاحظ أن الناس تعرف قيمة بعضهم بعد موتهم، وأن الكثير من العظماء كانوا في حياتهم فقراء مهمشين لا يشعر بهم أحد.

لذا كتب «السباعي» في مقدمة روايته الأشهر «أرض النفاق» إهداءً إلى نفسه بدلاً من الإهداء المعتاد إلى أهله أو أحد أصحابه، قائلاً أنه بحاجة للتكريم والاعتراف بقيمته في حياته وليس بعد مماته.

وكتب في مقدمة الرواية: «إني أبغى المديح الآن والتقدير الآن، فما أمتعني شيء كسماع المديح والتقدير، قولوا عني مخلصين وأنا بينكم إني كاتب كبير قدير شهير وإني عبقري، فإذا ما مت فشيعوني بألف لعنة، واحملوا كتبي فأحرقوها فوق قبري، واكتبوا عليه: هنا يرقد أكبر حمار».   

وكأن «السباعي» ينتقد اعتراف الإنسان بقيمة أحبائه بعد وفاتهم، أما في حياتهم فلا يعبر لهم عن الحب والامتنان لوجودهم.

حتى لا تندم

نتيجة بحث الصور عن كرهت الدنيا وما فيها

تضيع منا الكثير من الأشياء والأشخاص والفرص، فحتى لا نندم على فقدانها بعد فوات الأوان حين تظهر قيمتها، ما الحل إذن؟، إليك هذه النصائح الهامة:

احذر غضبك

أستاذة علم النفس سوسن فايد، ذكرت أن أهم سبب لتفرق الشريكين في الزواج أو الخطوبة أو حتى الصداقة هو الغضب، فعندما نغضب لا نعرف كيف نفكر، ويكون حكمنا همجيًا عشوائيًا.

وفي هذه الحالة نصدم شريكنا أو صديقنا، فيبتعد عنا ونفقده، ونسبة رجوعه هنا غير محسوبة، خاصة أنه قد يغضب بدوره، وتستمر دائرة الغضب إلى أوقات طويلة.

والغضب أيضًا قد يجعلك تزهد في وظيفتك وتتركها، ثم تندم بعدها حين تشعر بمزاياها. الدرس هنا هو تجنب الحكم والحديث أثناء الغضب، مما قد يجرنا لفقد أشياء كثيرة مهمة نملكها.

خذ وقتك في التفكير

إذا أردت أن تفقد الشيء بإرادتك، كأن تهجر شريكك، أو تترك وظيفتك، فهذا من حقك وقد يكون لمصلحتك، ولكن كي تتجنب الندم بعد هذا، خذ كفايتك في التفكير.

لا مانع أيضًا من استشارة الآخرين، وإعادة الحسابات ورسم خطة بعد الرحيل، وبعد هذا كله قد تشعر بالحنين مجددًا ولكن حتمًا بشكل أعقل.

قيمة الشيء في ذاته

أحيانًا قد يكون تقديرك لقيمة الشيء مبالغًا فيه، خاصة حين تراه مع الآخرين، عندما تتزوج خطيبتك مثلاً، أو يشغل أحدهم وظيفتك القديمة.

الواقع أن هذا ليس وحده ما يعني ندمك، فقيمة الشيء في ذاته بالنسبة لك أنت، وليس بسبب الآخرين، قد تكون خطيبتك مناسبة لرجال كثيرين، لكنها لا تناسب شخصيتك أنت، ونفس الأمر مع الوظيفة.

امنحهم الاهتمام الآن

لأن كل شيء معرض للفقد، ربما بسبب الزمن قبل أن يكون بسببنا، اهتم الآن بما تملكه، أحبائك وأشياءك ووظيفتك، فحين يرحلون، ستفقد حتمًا هذه الفرصة.

وفي نفس الوقت، إذا وجدت من يهتم بك، بادله الاهتمام، وإذا حاول العودة إليك بعد الخصام، لا تماطله كثيرًا، قبل أن يفقد كلاكما الآخر وتندمان بعد الابتعاد كالعادة.

محمود حافظ

محمود حافظ

روائي وصحفي، مهتم بالسينما والأدب ومزجهما بالتاريخ والفلسفة