رئيس التحرير أحمد متولي
 منيرة عبده.. القارئة الكفيفة التي نازعت الشيخ محمد رفعت عرشه

منيرة عبده.. القارئة الكفيفة التي نازعت الشيخ محمد رفعت عرشه

في بدايات القرن العشرين لم تكن قراءة القرآن الكريم في المناسبات العامة والخاصة للمقرئين الرجال فقط، بل كانت هناك أيضاً مقرئات من النساء نازعن كبار المشايخ الشهرة، وكان لهن أتباع يسافرون لسماع أصواتهن وهن يرتلن آيات الذكر الحكيم.

ورغم وجود عدد كبير من المقرئات في تلك الفترة إلا أن الشيخة منيرة عبده كانت أشهرهن. الكاتب الراحل محمود السعدني روى حكايتها في كتابه «ألحان من السماء».

النياحة

ظهرت الشيخة منيرة في وقت كان بمصر العشرات من السيدات القارئات اللواتي يمارسن المهنة في أحياء القاهرة الشعبية والريف. والسبب في ذلك أنه كانت للأسر المصرية حتى بدايات القرن الماضي تقاليد ساهمت في ظهور المقرئات.

كانت ليالي المآتم تقام 3 أيام للرجال و3 أيام للنساء، وكان لابد من وجود قارئات لإحياء ليالي المآتم عند السيدات. وفي البداية لم يكن هؤلاء السيدات يحترفن مهنة ترتيل القرآن، ولكنهن كن يحترفن مهنة النياحة أو «المعددات» كما كان يطلق عليهم أبناء الشعب. ثم اتجهن إلى احتراف مهنة قراءة القرآن الكريم.

الإذاعة الرسمية

في عام 1920 قرأت الشيخة منيرة أول مرة. كانت وقتها فتاة صغيرة في الـ18 من عمرها، نحيفة وضعيفة وكفيفة أيضاً، وأحدث ظهورها ضجة كبرى في العالم العربي، ولم يمض وقت طويل حتى أصبحت نداً للمشايخ الكبار، وذاع صيتها خارج مصر، وتهافتت عليها جميع إذاعات مصر الأهلية.

وفي عام 1925 عرض عليها أحد التجار الأثرياء التوانسة إحياء شهر رمضان في قصره بصفاقس وبأجر 1000 جنيه، وهو مبلغ يساوي بحساب النقد هذه الأيام الكثير.

ولكن الفتاة الصغيرة الكفيفة لم تستطع تحقيق أمنية الرجل الثري، فلم يكن منه إلا الحضور إلى القاهرة وقضاء شهر رمضان في مصر.

وعندما أنشئت الإذاعة الرسمية في القاهرة، كانت الشيخة منيرة في طليعة الذين رتلوا القرآن من خلال موجاتها، وكانت تتقاضى 5 جنيهات في الوقت الذي كان يتقاضى فيه الشيخ محمد رفعت 10 جنيهات.

عورة الصوت

وقبل الحرب العالمية الثانية بقليل أفتى بعض المشايخ الكبار بأن صوت المرأة عورة، وهكذا اختفت الشيخة منيرة من الإذاعة، وتوقفت إذاعة لندن وإذاعة باريس عن إذاعة إسطواناتها خوفاً من غضب المشايخ الكبار.

وبالرغم من تدفق المئات من خطابات الاحتجاج من المستمعين على إبعاد الشيخة منيرة، إلا أن الإذاعة لم تسمع لذلك.

اعتكفت الشيخة منيرة في أواخر حياتها تجتر ذكريات الأيام الجميلة القديمة الحافلة، وعاشت حتى ماتت وهي تمارس هوايتها الوحيدة، وهي الاستماع والاستمتاع بأصوات العمالقة من القرّاء، فقد كانت تحتفظ لهم بمجموعة كبيرة من الاسطوانات التي تحفظ أصواتهم.

وكانت تردد دائماً أمام الأصدقاء والمترددين عليها أن الزمن يفقد الأصوات بعض خصائصها الجميلة، ولذلك فهي تفضل الاستماع إلى أصوات المشايخ  الكبار عندما كانوا في فترة الشباب.

منافسات الشيخة

غير أن الشيخة منيرة عبده كان لها منافسات نازعنها حب الناس. أشهرهن نبوية النحاس التي توفت عام 1973، وكانت ترتل القرآن في المآتم والأفراح، وكان الاستماع إليها مقصوراً على السيدات في قسم خاص بهن في مسجد الحسين.

أما السيدة كريمة العدلية فقد وصل صوتها للعالم العربي كله من خلال الميكرفون أيام الإذاعات الأهلية، وعاشت حتى تم تمصير الإذاعة، وظلت تذيع القرآن الكريم بصوتها العذب إلى فترة الحرب العالمية الثانية.

وكانت هناك قصة حب شديد وعجيب بين كريمة العدلية والشيخ علي محمود. فكانت تعشق صوته وطريقته الفذة في الأداء، وكان يفضل هو الاستماع إليها ويفضل صوتها على أصوات بعض القراء، وكثيراً ما كانت تصلي الفجر في الحسين في الركن المخصص للسيدات لكي تتمكن من سماع صوت الشيخ علي محمود وهو يرفع آذان الفجر بصوته الذي ليس له مثيل.

المصدر

  • كتاب «ألحان من السماء». محمود السعدني.

محمد أحمد

محمد أحمد

صحفي يكتب في التراث والثقافة الشعبية