حين جرّب المصريون تحضير الأرواح.. كيف انتشرت الفكرة وما حقيقة الأمر؟

حين جرّب المصريون تحضير الأرواح.. كيف انتشرت الفكرة وما حقيقة الأمر؟

ماذا يصيبك حين يموت شخص عزيز عليك؟ في المعتاد يصدمك الخبر، وتحزن بقدر حبك لهذا الفقيد، وفي النهاية تصبر وتعترف أن كل البشر راحلون.

لكن في حالات نادرة، قد يرفض الإنسان هذا كله، ويلجأ إلى حيلة عتيقة غامضة، وهي استدعاء وتحضير ما تبقى من الميت، روحه نفسها التي لا تفنى، فهل هذا ممكن أو معقول؟

بداية تحضير الأرواح

بحسب كتاب «موسوعة الظلام» للدكتور أحمد خالد توفيق، ظهرت فكرة تحضير الأرواح منذ القرون الوسطى، ثم انتشرت بكثافة في القرن الـ19 وأوائل القرن الـ20، وصار لها أندية وجمعيات، خاصة في أمريكا التي اشتهر فيها عدد ممن يزعمون الاتصال بالأرواح ويسمون أنفسهم «الروحانيون».

كانت الفكرة العامة في تحضير الأرواح هي جلوس مجموعة من الناس حول مائدة مستديرة في ضوء الشموع، وإجراء طقوس تحضير الروح حتى تأتي، لتجيب عن أسئلة يلقيها عليها الحضور.

ربما يود ابن الروح أن يبلغها السلام، أو يشعر فقط بوجودها معه، أما طقوس تحضير الروح فلها أكثر من طريقة، وهي:

  • طريقة السلة وهي الأبسط والأسهل.
  • طريقة الوسيط أو الشخص الذي يملك موهبة الاتصال بالروح، فهو يتكلم بلسانها وينقل ما تريده.
  • طريقة لوحة الأرقام والحروف (الأويجا) وفيها يتحرك مؤشرعلى الحروف لنقل كلام الروح.
  • طريقة المرآة، على أساس أن الأرواح تسكنها.

وفي العموم، يشهد من يحضر جلسات تحضير الأرواح أحداث عجيبة تحدث تسمى «ظواهر الغرفة المظلمة»، مثل حركة السلة دون أن يلمسها أحد، كما يتحرك القلم ليكتب وحده كلام الروح، وكأنها حضرت بالفعل لتحرك الأشياء ولا يراها أحد.

أنيس منصور وتحضير الأرواح

صورة ذات صلة

في سنة 1959، أصدر الكاتب المصري الراحل أنيس منصور كتابه «حول العالم في 200 يوم» الذي يحكي فيه عن رحلاته في دول مختلفة من العالم، ومنها «إندونيسيا» التي شهد فيها تجربة تحضير الأرواح بنفسه، وحكاها بالتفصيل في الكتاب.

في مدينة «بوجور» الواقعة على مسافة 70 كيلومترًا من العاصمة «جاكرتا» وجد أنيس منصور اهتمامًا عظيمًا من السكان بطريقة السلة في تحضير الأرواح، حتى أن الحكومة منعتها لأنها تشغل الطلبة عن المذاكرة، مثل التنجيم بالكوتشينة في مصر.

ويحكي «منصور» وقائع غريبة في تحضير أرواح المشاهير، مثل روح السيدة «روز اليوسف» صاحبة الجريدة الشهيرة باسمها، فعند استدعاء روحها شتمت الحاضرين جميعًا، وكتبت لهم «مفيش معاكم حد صحفي» فأجاب الناس بالنفي، لتكتب الروح لهم «بلاش لعب عيال».

ومن الأرواح الأخرى التي استدعاها أنيس منصور، روح الموسيقار الشهير «بيتهوفن» الذي جعل السلة ترتجف بجنون كأنها تعبر عن حالة الموسيقار حين أصابه الصمم، وحين استدعوا روح الراقصة «شفيقة القبطية» راحت السلة تتمايل بحد تعبير أنيس منصور «ترقص على واحدة ونص».

ويحكي الصحفي ما هو أغرب، فحين سألوا أحد الأرواح ذات مرة، لماذا لا تحضرين بلا سلة؟ أجابتهم «كالإنسان لا يمكن أن يمشي بلا ثوب»، وفي مرة أخرى حين حضر أنيس منصور أحد الجلسات وكان متضايقًا، أمرته السلة أن يترك الجلسة ويخرج.

تحضير الأرواح في مصر

نتيجة بحث الصور عن محمد حسنين هيكل
محمد حسنين هيكل

 بعد نشر كتاب أنيس منصور، انتشرت الطريقة التي شرحها في كتابه في مصر والوطن العربي، حتى أنه كتب بنفسه في 2010 في جريدة الشرق الأوسط، أن إندونيسيا منعت الطريقة وانتقلت بعدها إلي العرب مما سبب له نقدًا حادًا، فكانت السلة تباع في الشوارع باسم «سلة أنيس منصور».

أجرى الكثير من المصريين طريقة السلة، وكانت نتائجها مؤذية جدًا حتى حاول جهاز أمن الدولة إيقاف بيعها، لكن عيارها انفلت لدرجة أن فتاة استحضرت روح خطيبها الذي مات في حرب 1967، وكانت لا تفارقها أبدًا حتى أصابها الجنون، واضطر أهلها إلى علاجها شهرًا كاملاً حتى شفيت.

يتخطى الأمر عامة الناس، ففي جريدة الأهرام سنة 1971 كتب محمد حسنين هيكل عن جلسات تحضير الأرواح التي يجتمع فيها كبار رجال السياسة المصريين ومعاوني الرئيس جمال عبد الناصر، ومنهم الفريق أول محمد فوزي، وسامي شرف سكرتير الرئيس للمعلومات وشعراوي جمعة وزير الداخلية.

وحسب رواية «هيكل» في أرشيف جريدة الأهرام، فهؤلاء المجتمعين لم يستخدموا طريقة السلة، وإنما استعانوا بأستاذ جامعي كوسيط روحاني لإيصالهم بالأرواح، وكانوا يسألون الروح عن إجابات تتعلق بالوضع السياسي والعسكري.

حقيقة الأمر​​​​​​​

درس الدكتور مصطفى محمود أغلب الظواهر العلمية في الأحياء والفيزياء وتحدث عنها في برنامجه الشهير «العلم والإيمان»، وأيضًا درس الظواهر الخوارقية التي يعجز العلم عن تفسيرها كتحضير الأرواح، فماذا كان رأيه في «ظواهر الغرفة المظلمة» من حركة السلة والقلم وغيرها؟

يرى مصطفى محمود كما ذكر في كتابه «حوار مع صديقي الملحد»، أن الأمر لا يخلو من نصب وشعوذة في كثير من الأوقات، فقد يستغل هؤلاء الروحانيون رغبة شخص في التحدث مع أمه الميتة مثلاً، ويتظاهر الوسيط أنه يتكلم بلسانها، وكذلك السلة التي قد يحركها أحدهم في الظلام.

لكن لو ثبت أن التجربة عادلة بلا نصب، فهناك تفاسير عديدة، منها التفسير العلمي بأن قوى الوسيط الخفية هي التي تحرك الأشياء، فالقدرة على التحريك دون لمس مثبتة علميًا ومعروفة.

وهناك تفسيرات أخرى دينية أشهرها ما يقوله الصوفية المسلمون، بأن الذي يحضر الجلسة ليس إلا قرين المتوفي من الجان الذي يعرف كل أسراره، لأن الأرواح بعد الموت تكون في البرزخ ولا يمكنها تسلية البشر في جلسات كهذه.

وقد حضر مصطفى محمود الكثير من الجلسات بنفسه، ويؤكد عدم وجود دليل منطقي على حضور الروح، وكل ظواهر الغرفة المظلمة لها أسباب علمية ما يزال البحث عن تفسيرها جاريًا.

قصة الساحر الأمريكي

صورة ذات صلة
هاري هوديني

ومن أشهر القصص التي تروى في كشف خداع تحضير الأرواح، قصة الساحر الأمريكي هاري هوديني التي حدثت سنة 1922 ونشرتها صحيفة الجارديان، فقد كان ساحرًا محترفًا يقدم عروض خفة اليد أمام الجميع بطرق ذكية جدًا، ولا يدعي أنه ساحر خارق القدرات، لكنه مجرد شخص عبقري، وقد كشف عن الكثير من حيله السحرية بالفعل.

حاول أحد أصدقاء الساحر أن يقنعه بفكرة تحضير الأرواح، ودعاه إلى جلسة لاستدعاء روح أمه المتوفاة، وافق الساحر وحضر الجلسة، وبالفعل كتب الوسيط الروحي 15 صفحة كاملة نقلاً عن والدة الساحر.

اكتشف الساحر المحنك الخدعة بسهولة، فالصفحات المكتوبة كانت بالأنجليزية المتقنة جدًا، وأمه الراحلة كانت تتحدثها بصعوبة. هكذا قضى الساحر هاري هوديني حياته كلها يكشف خداع وزيف النصابين الروحانيين، كأنه يريد أن يثبت للعالم الفرق بين ساحر خفة اليد الذي يعترف بقدراته، والساحر الآخر النصاب الذي يزعم اتصاله بالغيب والأرواح.

المصدر

  • *حول العالم في 200 يوم.. أنيس منصور *موسوعة الأساطير.. أحمد خالد توفيق *حوار مع صديقي الملحد.. مصطفى محمود

محمود حافظ

محمود حافظ

روائي وصحفي، مهتم بالسينما والأدب ومزجهما بالتاريخ والفلسفة