طلاب مصر والقضية الفلسطينية.. من الجرأة والتأثير إلى الوضع صامت
أقيمت مراسم افتتاح السفارة الأمريكية بالقدس، الإثنين 14 مايو 2018، وتزامنت معها مليونية العودة الكبري للفلسطينيين، وواجهات قوات الاحتلال المسيرات بالرصاص الحي ما أسفر عن استشهاد وإصابة المئات.
خلت ساحات الجامعات المصرية من ردود الأفعال على غير المعتاد مع القضية الفلسطينية بالتحديد، وبرر رؤساء الجامعات هذا الأمر بانشغالهم بامتحانات نهاية العام، وأصدرت بعض الاتحادات الطلابية بيانات تدين فيه نقل السفارة والتأكيد على أن القدس عربية.
لكن على مدار العقود الماضية، كان الطلاب في مصر الركيزة الأساسية للدفاع عن القضية الفلسطينية، ولهم محطات نضال سجلها التاريخ.
إضراب 1945
أرسل حكمدار بوليس القاهرة مذكرة لرئيس وزراء مصر النقراشي باشا يخبره بما فعله الطلاب للتضمان مع القضية الفلسطينية في العام الدراسي 45 / 1946 في ذكرى وعد بلفور، قال فيها: «في أول نوفمبر سار الطلبة إلى الجامعة بالجيزة بينما كان الإضراب مستمر، وطرحت فيما بينهم فى الجامعة فكرة التظاهر والذهاب إلى القاهرة، ولكن حوالى الساعة الحادية عشرة وخمس دقائق تقرر أنه يكفي أنهم قد أعربوا عن تعاطفهم مع فلسطين وأندونيسيا، وأنه لم تعد هناك حاجة للتظاهر، وانتخبوا بعض المجموعات لتوزيع البيانات والمنشورات على النقابات العمالية والغرف التجارية والمحلات، لتحريضهم على الإضراب في الثاني من نوفمبر حتى يظهروا تعاطفهم مع فلسطين، ثم تفرقوا بعد ذلك في هدوء».
الحرب ضد اليهود
يحكي الدكتور أحمد عبدالله في كتابه «الطلبة والسياسة في مصر» أن «حرب 1948 أحدثت انقساما فى الحركة الطلابية، ورفض اليسار تأييد الحرب ضد اليهود، ودعمت الحرب موقف الإخوان المسلمين، وزادت من استعداد الطلاب للجوء إلى العنف، واندلعت معارك ضارية بين الطلبة والبوليس خلال الهدنة فى فلسطين، وقتلت عناصر طلابية مدير أمن القاهرة المكروه سليم زكى بقنبلة، وتم حل الإخوان وألقى القبض على العديد من طلابهم خاصة أولئك الذين تطوعوا للحرب فى فلسطين، واستمرت موجة العنف التى أودت بحياة النقراشي باشا رئيس الوزراء ثم الشيخ حسن البنا زعيم الإخوان».
أنصار الثورة الفلسطينية
في عام 1971 نشطت الكيانات الطلابية، وظهر أسرة طلابية باسم «جماعة أنصار الثورة الفلسطينية» في كلية الهندسة بجامعة القاهرة أنشأتها مجموعة من القيادات الطلابية التى سبق لبعضها زيارة المخيمات والمعسكرات الفلسطينية بالأردن.
الانتفاضة الفلسطينية الأولى 1987
اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الأولى في 8 ديسمبر 1987 وسميت بالنتفاضة الحجارة، وبعدها تظاهر الطلاب في الجامعات المصرية تضامنا مع القضية.
طلاب جامعة القاهرة نظموا مسيرة حاشدة رفعوا فيها الأعلام الفلسطينية، وتظاهر أكثر من 4 آلاف طالب في حرم جامعة عين شمس منطلقين من أمام كلية الحقوق، وخرجوا إلى الشارع وأغلقوا الطريق وانتقلوا إلى حرم كلية التجارة لعقد مؤتمر طلابي، ونظموا مسيرة أخرى يوم 26 ديسمبر شارك فيها حوالي 6 آلاف طالب.
وفي نفس التوقيت، نظم الطلاب مظاهرات كبيرة في جامعات المنيا وأسيوط والأزهر، واستمرت مظاهرات الطلبة بجامعة المنصورة رغم إلقاء القبض على عدد منهم، وتظاهر عشرات الطلاب في الجامعة الأمريكية بالقاهرة وحرقوا العلم الإسرائيلي، وشارك أساتذة الجامعات مع الطلاب في مظاهراتهم.
مجزرة الحرم الإبراهيمي 1994
تقول نفيسة الدسوقي في كتابها «الحركة الطلابية في مصر كما تعكسها الصحافة المصرية خلال عقد التسعينات» إن من أكبر التظاهرات التي عرفتها الجامعات المصرية، تحديدًا جامعة القاهرة، تلك التي اندلعت احتجاجًا وتنديدًا بمذبحة الحرم الإبراهيمي في فبراير 1994.
الانتفاضة الثانية ومحمد الدرة 2000
اقتحم رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، آرئيل شارون، المسجد الأقصى وبدأت الانتفاضة الثانية نهاية سبتمبر عام 2000، ثم انتشر فيديو لاستشهاد الطفل محمد الدرة ولقي تفاعلا كبيرا من الدول العربية وخاصة الطلاب.
بدأت المظاهرات في جامعة الإسكندرية، وفي اليوم التالي في جامعة المنوفية ثم جامعة القاهرة التي رفع طلابها شعار تحرير القدس واستمرت لعدة أيام، وخرج الآلالف من طلاب عين شمس على مدار عدة أيام تضامنا مع القضية الفلسطينية، وكذلك جامعات الزقازيق وسوهاج والمنيا والإسكندرية والمنصورة، وقرر طلاب الجامعة الأمريكية الاعتصام يوم 2 أكتوبر عام 2000 ونظموا سلسلة مظاهرات على مدار الأسبوع.
وعمت المظاهرات المدارس والمعاهد وخرج التلاميذ يهتفون باسم الطفل محمد الدرة.
ياسين والرنتيسي 2004
استشهد الشيخ أحمد ياسين في فجر الإثنين 22 مارس 2004، وشهدت جامعة الأزهر التي تخرج فيها «ياسين»، أول رد فعل غاضب من طلاب الجامعة ونطموا مسيرات حاشدة ورفعوا صور أحمد ياسين والأعلام الفلسطينية.
وشملت المظاهرات جامعات القاهرة وجامعة عين شمس وحلوان والمنصورة والإسكندرية، وردد الطلاب هتافات مناهضة للولايات المتحدة وإسرائيل، وهتافات مؤيدة للمقاومة الفلسطينية.
وشهدت الجامعات ردود فعل مشابهة عقب استشهاد عبد العزيز الرنتيسي أيضا.
العدوان على غزة 2008/2009
لم يخفت تفاعل الحركة الطلابية المصرية مع القضية الفلسطينية، وخرجوا عقب العدوان على غزة 2008 / 2009، وندد طلاب الجامعات بالجرائم الإسرائيلية والصمت العربي على العدوان.
ضم الحرم الإبراهيمي 2010
في مارس 2010 أطلق الطلاب شرارة الغضب فى 10 جامعات مصرية، بسبب اقتحام المسجد الأقصى وإعلان ضم الحرم الإبراهيمى وباحات المسجد، ونظموا مظاهرات حاشدة، انضم إليها مئات الطلاب والطالبات بالجامعات.
الخفوت بعد 2011
خفت قليلا تفاعل طلاب الجامعات مع القضية الفلسطينية بعد ثورة يناير 2011، ويقول محللون أن السبب هو الانشغال بقضايا مصر الداخلية.
يلقي طلاب الحركات الشبابية والتابعين للأحزاب السياسية اللوم على سلطات الحكم التي تعاقبت بعد عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، في منع الاحتجاج والتفاعل مع الأحداث العامة.
إعلان ترامب 2017.. انتفاضة جديدة
بعدما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نقل سفارة بلاده إلى القدس وإعلانها عاصمة لإسرائيل، أصدرت وزارة التعليم العالي بيانا نددت فيه بالقرار، أعقبه تظاهرات في مختلف الجامعات المصرية يقودها رؤساء الجامعات ومعهم الطلاب والأساتذة.
إدارات الجامعات تبنت هذه الاحتجاحات حتى لا يخرج الطلاب عن السيطرة، وفق خبراء مهتمين بمتابعة الحراك الجامعي. ولم تسمح جامعة القاهرة لطلابها بتنظيم وقفات احتجاجية، واكتفت حلوان بتلاوة بيان في حضرة قليل من الطلاب.
نقل السفارة 2018.. الوضع صامت
الوضع كان صامتا حين احتفل الاحتلال الإسرائيلي بنقل سفارة أمريكا إلى القدس، وقتل قوات الاحتلال للعشرات من الفلسطينيين المشاركين في مسيرات العودة الكبرى، ولم يكسر هذا الصمت سوى بيانات فردية لعدد من الاتحادات وتصريحات خجولة لرؤساء الجامعات.