قصة آية.. حوار أهل الجنة مع أهل النار
كما يتحدث أهل الجنة إلى بعضهم، ويتحدث أهل النار إلى بعضهم، يتحدث كذلك أهل الجنة إلى أهل النار، وأهل النار إلى أهل الجنة، ويعد مشهد الحوار بين أصحاب الجنة والنار والأعراف في سورة الأعراف من أطول مشاهد يوم القيامة ذكرا في القرآن الكريم، وهو مشهد يؤثر في نفوس المؤمنين ويهزها.
مناسبة مجيء حوار أهل الجنة والنار لما قبله وما بعده السورة:
يأتي حوار أهل الجنة والنار عقب ذكر نشأة آدم وخروجه من الجنة بإغواء إبليس له وزوجه، ثم أتبع ذلك بنداء لبني آدم من الحذر من الشياطين فقال تعالى: «يَابَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ...» [الأعراف: 27] ثم أتى نداء آخر بين الله لنا في الجهة التي نتلقى منها شعائر ديننا وشرائعه، فقال سبحانه: «يَابَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ» [الأعراف: 35، 36] فعلى قدر الاستجابة لهم يكون الجزاء يوم القيامة، ويذكر الله تعالى بعد ذكره لحوار أهل الجنة والنار مصير المكذبين بآيات الله ومصير المؤمنين بها يوم القيامة.
قصة آية.. الحق أحق أن يتبع
نداء أصحاب الجنة أصحاب النار وردهم عليهم:
قال تعالى: «وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ...»، وهذا الحوار فيه زيادة سرور وسعادة لأهل الجنة على ما هم فيه، وزيادة حسرة وندامة لأهل النار على ما هم فيه. وقد جاء التعبير بالماضي عن المستقبل في قوله: «وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ...» لأن المستقبل الذي يخبر الله تعالى عنه هاهنا وهو ما يكون في دار الجزاء كالماضي من حيث تحقق وقوعه.
ثم أتبع هذا الحوار بلعن الملائكة لأصحاب النار، فقال تعالى: «فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ» [الأعراف: 44، 45].
نداء أصحاب الأعراف أصحاب الجنة:
«وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ» [الأعراف: 46]
يوجد بين الجنة والنار حجاب وسور عالٍ، وأهل الأعراف هم من تساوت حسناتهم وسيئاتهم فقرت بهم الحسنات عن الجنة، ولم تبلغ بهم السيئات النار.
وأهل الأعراف يعرفون أصحاب الجنة من سماتهم، وكذلك أهل النار. ثم ذكر الله تعالى نداءهم على أهل الجنة وقولهم: سلام عليكم، والسلام هاهنا محتمل لأمرين، أحدهما: أننه دعاء تحية وإكرام، وثانيهما: أنه إخبار وتبشير لهم بسلامتهم وأمنهم من العذاب والعقاب، ولا مانع من اجتماع الأمرين. ويخبر سبحانه أنهم لم يدخلوا الجنة، لكنهم يطمعون في دخولها.
حال أصحاب الأعراف عند رؤية أصحاب النار:
قال تعالى: «وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» [الأعراف: 47].
في وصف الله تعالى حال أصحاب الأعراف بقوله: «لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ» ثم إتباع ذلك بقوله: «وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ...» في ذلك جمع بين حالتي الرجاء والخوف عندهم آنذاك.
ثم يقول الله تعالى: «وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُون» [الأعراف: 48]
ويخبرنا الله هنا عن نداء أصحاب الأعراف على رؤساء وكبراء أقوامهم من عظماء أهل الكفر، وهذا النداء في تكبيت وتقريع ومزيد حسرة وندامة لأهل النار.
ثم يختم الله تعالى هذا الموقف الرهيب لأصحاب الأعراف بقوله: «ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ» [الأعراف: 49].
وينتهي هذا الحوار بقول الله تعالى: «وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ * الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ» [الأعراف: 50، 51].
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل الجنة.