النزاع الأخير للعقاد وطه حسين وأحمد شوقي.. هذه الأمراض قتلت أدباء مصر
الموت حق على كل إنسان، يصل إلى محطته عبر سبل ودروب مختلفة، لكنه في النهاية حقيقة مصيرية. وإذا كان لكل مهنة أمراضها التي قد تقود الإنسان إلى مصيره المحتوم فإن الأدباء والمفكرين عرضة لأمراض بعينها قد تقودهم إلى الرحيل الأخير. في كتابه «الأيام الأخيرة في حياة هؤلاء» يستعرض حنفي المحلاوي الأمراض التي أصابت عدداً من الأدباء والمفكرين وكانت سبباً في موتهم.
أحمد شوقي
ذكر معظم أصدقاء أمير الشعراء أنه أصيب في أخريات سنوات حياته بمرض تصلب الشرايين في القلب، وهذا المرض هو الذي عجّل بنهاية حياته وسط إهماله له وإقباله الشره على تناول الأطعمة بجميع أنواعها.
ويؤكد أحد هؤلاء الأصدقاء أن «شوقي» الذي ولد في أكتوبر 1868 اكتشف هذا المرض حين أبلغه به طبيبه الخاص حسين برسكا في أوخر العام 1930. عندئذ لم يكتف بطبيب واحد لمباشرة حالته الصحية بل جمع حوله أطباء كثيرين، وكان من بين هؤلاء الدكتور سليمان عزمي كبير أخصائي القلب في هذا الوقت.
والغريب أن «شوقي» برغم مرضه في هذه السنوات تمكن وباقتدار من الانتهاء من نظم أشعار أشهر وأخلد مسرحياته «مجنون ليلى»، و«قمبيز»، و«على بك الكبير» التي ألفها وهو على فراش المرض قبل أن يتوفي عن عمر يناهز 64 عاماً.
عباس محمود العقاد
اتصفت شخصية عباس العقاد بالعديد من المتناقضات والتي كانت كفيلة بجعله يعيش في صراع دائم يجتاح فكره وعقله ونفسه أيضاً، وجلبت عليه متاعبا صحية نجح كثيراً في إخفائها، حتى عمن حوله من التلاميذ والحواريين.
وكان من أخطر هذه المتاعب إصابته في فترة مبكرة من حياته بمرض القولون أو المصران العصبي، وهو مرض عادة ما يصيب معظم المشتغلين بالفكر وبالأدب.
وكان «العقاد» على علم بكل تفاصيل هذا المرض الذي عانى منه طويلاً، لكن الأطباء اكتشفوا أن «العقاد» كان مريضاً أيضاً بأمراض أخرى وعلى رأسها أمراض القلب التي كانت السبب الرئيسي وراء رحيله، حيث مات إثر أزمة قلبية في عام 1964 عن عمر يناهز 75 عاماً.
طه حسين
بدأت أيام عميد الأدب الأخيرة مع مطلع عام 1961. وكان وقتها قد بلغ من العمر حوالي 72 عاما عندما أجريت له جراحة عاجلة في العمود الفقري، بعد أن أخبره الطبيب بضرورة إجرائها وإلا واجه خطر الشلل.
نجحت الجراحة، ولكن منذ ذلك التاريخ لم يتوقف زحف المرض على صحة الدكتور طه حسين، إذا ظلت في تدهور مستمر حتى أنه تعرض للإغماء أكثر من مرة لكن بعد فترة تحسنت صحته بعض الشيء.
عاودته أزمات المرض بعد حين حتى أنه اضطر لعقد عدة اجتماعات أدبية في فيلته «رامتان» بالهرم وهو نائم على سريره. وفي بعض الأيام التي كان يشعر فيها بالانتعاش ينزل إلى حديقة فيلته ليستجم مدة ساعة أو نصف ساعة.
وبالإضافة إلى أمراض العمود الفقري وأمراض الشيخوخة عانى عميد الأدب العربي في الفترة ذاتها فراق الأحبة من زملاء الأدب والنقد، حيث زاده رحيل صديقه «العقاد» في عام 1964 ألماً فوق آلامه الكثيرة.
ويبدو أن الألم الشديد أصاب العميد عندما عرف أنهم استغنوا عنه كصحفي وكاتب وكرئيس لتحرير جريدة الجمهورية في الفترة نفسها. ومنذ هذه الفترة ظل ينتظر طه حسين الرحيل وهو قعيد المرض في فيلته حتى صعدت روحه إلى الله في 28 أكتوبر 1973 عن عمر يناهز 84 عاماً.
توفيق الحكيم
قضى توفيق الحكيم السنوات الثلاثة الأخيرة من حياته في متاعب صحية عديدة سواء بسبب أمراض الشيخوخة أو أمراض الوحدة والأحزان التي توالدت عن رحيل ابنه إسماعيل، الذي توفى في عام 1978 بعد إصابته بتليف في الكبد بعد عام واحد من وفاة والدته.
ورغم أن أمراض الشيخوخة بدأت تهاجمه بقوة وقوة في عام 1981، عندما قرر اعتزال الكتابة، إلا أن الأمراض الشديدة لم تبدأ بشكل مباشر في وضع النهايات المحتومة في حياة «الحكيم» إلا منذ عام 1984، عنما نُقل إلى مستشفى المقاولون العرب مصاباً بالغيبوبة إثر إصابته بهبوط في القلب والتهاب رئوي حاد، وقد تم إدخاله غرفة لعناية المركزة ومنع الأطباء من زيارته لحرج الحالة التي يجتازها.
وبعد أن قضى «الحكيم» تسعة أشهر في فراش المرض داخل المستشفى عاد من جديد إلى الحياة، بعدما كان اليأس في شفائه قد ضاع. رجع ولو على استحياء لممارسة نشاطه الذهني والفكري برغم أن هذا الرجوع كان في قرارة نفسه نوبة صحيان يعاود بعدها الاستعداد للرحيل الأخير.
ظل توفيق الحكيم يعيش على هامش الحياة قاعداً أو نائماً أو متألماً لأكثر من ثلاث سنوات كانت صحته تشهد خلالها تدهوراً مستمرا، إلا أن رعاية الأطباء ومتابعتهم حالته الصحية يوماً بيوم قد خففت عنه حدة آلام هذه الأيام إلى أن جاء يوم 12 أبريل 1987 حيث نُقل إلى القصر العيني بعد إصابته بغيبوبة لكنه أفاق ورجع لبيته.
لم يمكث «الحكيم» بعد هذه الأزمة سوى شهرين حتى غادر الدنيا في 27 يوليو من نفس العام عن عمر يناهز 88 عاماً.