شيكابالا.. ابتسامة أخيرة بعد «العتمة»
لم يعد محمود عبدالرازق، شيكا المتمرد الانفعالي الأهوج، كما كان. خسر كثيرا من وزنه وصبغته لحيته بشخصية أكثر نضجا. لم يتغير الاسم فهو مازال شيكابالا، لكنه الآن حمل حقائبه إلى روسيا بشغف وحماس، وابتسامة يراد بها مسح دموع الماضي القريب من أجل استدعاء ماض بعيد.
برفقة 22 لاعبا، غادر محمود شيكابالا، القاهرة، للدفاع عن ألوان الفراعنة في بطولة كأس العالم المقامة بروسيا، في لحظة حلم بها كثيرا، إلى أن اغتنم الفرصة وعاد إلى صفوف المنتخب القومي من بوابة الرائد السعودي، وليس ناديه الأصلي الزمالك.
ربما كان قرار انضمام شيكابالا للقائمة النهائية المشاركة في كأس العالم مفاجئا لقطاع من متابعي الساحرة المستديرة في مصر، بحكم وجود لاعبين أصغر سنا وأكثر تأثيرا، لكن ريمونتادا الأباتشي يراها آخرون، وتحديدا جمهور الزمالك المتيم به، إنصافا لموهبة استثنائية ظلمت كثيرا، وآن أوان إعادة الحقوق إلى أصحابها.
الفهد الأسمر عاش تحولات درامية كثيرة في رحلته مع الساحرة المستديرة، جعتله فارسا لا يشق له الغبار في أيام، و مجرد لاعب موهوب متمرد غير مفيد لفريقه في أيام أخرى. وبين هذا وذاك وقف هو في المنطقة الرمادية حائرا إلى أن وجد ضالته بالابتعاد عن دائرة الضوء في مصر، حيث يلعب الآن بين صفوف الرائد السعودي.
أيقونة شعبية
في رحلته مع الزمالك، لم يكن النجم المحبب لمنصات التتويج، فلم يحقق معهم سوى 11 بطولة في 16 عاما، إلا أن شعبيته تجاوزت كثيرين بسبب إيمان جمهور الأبيض بموهتبه، وارتباط روابط المشجعين به، كأيقونة بيضاء تدافع عن قميص النادي.
فبحسب تعبير صديق زملكاوي قديم، فإن الفهد الأسهر حافظ على شعبية أبناء ميت عقبة من الانهيار في فترة الجيل الذهبي للأهلي بين 2005 حتى 2012، وهي الفترة التي احتكر فيها المارد الأحمر البطولات المحلية والأفريقية، حين وصل إلى قمة مستواه وقاد فريقه للفوز بكأس مصر 2008 والمنافسة على الدوري مرتين متتاليتين أمام الأهلي في 2010-2011، 2011-2012.
في هذه الأثناء، حمل الأباتشي أحلام الأبيض فوق أكتافه، وقاد تشكيلا من اللاعبين المغمورين تحت قيادة العميد حسام حسن، ووصل إلى قمة تألقه بحصوله على هداف دوري 2010-2011 برصيد 13 هدفا، لذا كانت تتغنى المدرجات باسمه كأسطورة خارقة تحارب وحدها.
مسلسل الخروج
بدأ مسلسل شيكا والأزمات مبكرا، فاللاعب الفلتة حينما عاد إلى مصر بعد رحلة احتراف في اليونان إلى الأهلي، بدعوى أن إدارة الزمالك تجاهلته. حينها ذهب لمنزل عدلي القيعي وطلب منه أن ينضم إلى صفوف الأهلي، وفي نفس الوقت رغبته الداخلية كانت تريد الزمالك الذي تربى فيه.
لم يشكل توقيعه للأحمر أزمة مع الجماهير البيضاء، إلا أن الأزمة الحقيقة وقعت بعد 6 سنوات حين دب خلاف بينه وبين مدربه حسن شحاتة بسبب تغييره من مباراة المغرب الفاسي بالبطولة الأفريقية. ففجأة تحول نجم الجماهير إلى عدوها، ليغادر النادي معارا إلى الوصل الإماراتي.
استمرت رحلة الإعارات والهروب وعدم الالتزام لمدة 3 سنوات بين الوصل الإمارات وسبورتنج لشبونة البرتغالي، إلى أن عاد الأباتشي بثوب جديد من بوابة الإسماعيلي، في فترة شهدت استعادته للتألق تحت قيادة أحمد حسام ميدو، حتى عاد الابن التائه من جديد
تصدى الحظ لشيكا في مرات عدة، لكن أبرزها في موسم 2015 الذي صعد فيه الزمالك إلى منصة تتويج الدوري، بعد غياب 12 عاما، دون قائده التائه خارج جدران النادي، كما فعلها معه مرة أخرى حين خسر نهائي دوري أبطال أفريقيا 2016 أمام صن داونز.
حينها وقف الأباتشي عاري الصدر نافرا ضلوعه والدموع تتساقط منه حزنا على لقب غائب عن جدران الزمالك منذ 14 عاما.
ورغم قيادته الزمالك للفوز بكأس مصر نسخة 2016 والسوبر المصري للنسخة نفسها، لكن تجربة شيكا الأخيرة حكم عليها قطاع كبير من جمهور الأبيض بالفشل، بدعوى غيابه عن المباريات الحاسمة وعدم ظهور شخصية كقائد في أوقات صعبة على الفريق.
يدافع شيكا عن نفسه: «لم يكن وزني زائدا كما قال البعض، لقد كنت أشارك مع الزمالك قبل الرحيل وأصنع الأهداف بشكل طبيعي، الأمور كانت طيبة بالنسبة لي عكس ما تم تصويره».
البحث عن الذات
وفي ظل العتمة، آتى نور «الرائد السعودي» لينقذ الفهد الأسمر من براثن رئيس مجلس إدارة الزمالك مرتضى منصور والجماهير الغاضبة من أيقونتها، حتى أعاد اكتشاف نفسه من جديد بـ10 أهداف كاملة في موسمه الأول مع الفريق السعودي.
«الرحيل عن الزمالك كان ضروريا في تلك الفترة لكي أعود للمنتخب مرة أخرى من أجل المونديال، فلم انضم للمنتخب لفترات طويلة، وكنت أريد تجربة جديدة لكي أشارك دون ضغوطات من أجل حلم العودة للمنتخب والمشاركة في المونديال، لم أكن استطيع أن أعطي الكثير في الزمالك»، يتحدث الأباتشي عن آخر أيام رحلته مع الأبيض واللعب في السعودية.
العودة لصفوف المنتخب بعد غياب 8 سنوات لم تكن عادية، فكان نجمه حاضرا بعد إحرازه هدفا أمام غانا في ختام تصفيات كأس العالم. هدف ساهم بشكل كبير في استمرار استدعاء شيكابالا إلى أن وجد نفسه في الطائرة التي تقل محمد صلاح ورفاقه إلى روسيا.