أفراح المقبرة.. كيف نبّأ أحمد خالد توفيق بموته في كتابه الأخير؟
ترك الكاتب الراحل أحمد خالد خالد توفيق عددًا من الروايات السوداوية الجادة مثل «يوتوبيا»، و«شآبيب» وغيرهم، رصد فيها همومًا مصرية وعربية، وناقش أفكارًا إنسانية شائكة، فانجذبت إليه أنظار الوسط الثقافي والنقدي باعتباره أديبًا من العيار الثقيل.
في كتابه الأخير «أفراح المقبرة» الذي صدر بعد وفاته، يأبى «توفيق»، أو «العرّاب» كما يصفه جمهوره، أن يودع قراءه إلا بما بدأ واشتهر به، وهو أدب الرعب والماورائيات الذي يحكي عن الظلام والخوف، وظلام العالم نفسه وظلام النفس البشرية.
لماذا يكتبون عن الخوف؟
سهّير ليالي وياما لفيت وطفت
وفـ ليلة وأنا راجع ف الضلام قمت شفت
الخوف.. كأنه كلب سد الطريق
وكنت عاوز اقتله.. بس خُفت
بهذه الكلمات البسيطة بالعامية المصرية، يلخص الشاعر صلاح جاهين عاطفة الخوف عند الإنسان، عن طريق قصة رجل قابل الخوف في الظلام على هيئة كلب، فأراد أن يقتله ولكنه خاف منه أيضًا.
تثبت لنا كلمات «جاهين» أن الخوف عاطفة راسخة وراقية في كل إنسان، ولا تختلف عن باقي العواطف الأخرى كالحب والغيرة والرغبة والطموح، ولهذا كتب المؤلفون الكبار قصصًا تحرك الخوف في النفس.
حكى الأدباء الواقعيون عن الخوف من الشر والجريمة والتعصب الديني، أما أدباء الخيال فكتبوا عن الخوف من مصاصي الدماء والمذؤبين والأشباح أو ما يطلق عليها ظواهر ما وراء الطبيعة. وهذا هو أدب الرعب الذي يعتبره البعض مجرد «أدب درجة ثانية».
يعترف أغلب النقاد بجودة هذا الأدب بعدما كتبه كبار الأدباء الغربيون مثل «ماري شيلي» قديمًا و«إدجار آلان بو» حديثًا وصولاً إلى «ستيفن كينج» أحد أهم أدباء أمريكا حاليًا. ويُعتبر «أحمد خالد توفيق» من رواد أدب الرعب في الوطن العربي بشكل عام لأنه كرّس قلمه من أجله.
أفراح المقبرة
أتى الكتاب الأخير للعرّاب كمجموعة من 9 قصص قصيرة، يحكي فيها عن ظواهر خارقة للطبيعة، مع مراعاة الجوانب الإنسانية قدر المستطاع في كل القصص، وهي بالترتيب:
نيولوجيزم
تخيل أنك تتكلم فجأة لغة جديدة لم تتعلمها قط، لغة لاتينية أو فرعونية أو لغة مندثرة لم يعد أحد يستخدمها، هذه الظاهرة الغريبة معروفة وحدثت من قبل، وحكى عنها الدكتور مصطفى محمود في روايته «العنكبوت».
يعتبر البعض هذه الحالة دليلاً على تناسخ الأرواح، بمعني أن روحك عاشت حياة أخرى في زمن آخر من قبل، وهي فكرة يرفضها علماء الدين بشكل شبه قاطع، فكيف حكاها «العرّاب» هذه المرة؟
موعدنا الليلة
حين تدخل السينما لتشاهد فيلمًا مرعبًا، لن تحب طبعًا أن تخرج المسوخ والوحوش لتطاردك وترعبك، ولن تحب أن تكون البطل وسط المخاطر، فهذا مجرد فيلم يمتعك ولا يؤذيك، لكن في هذه القصة يحدث هذا بالفعل.
سفاح المستنقعات
قصص مصاصي الدماء مستوحاة في العادة من الأساطير القديمة، وهناك وحوش كثيرة ذكرتها الخرافات تهوى امتصاص الدم، وفي قصة «سفاح المستنقعات» يمر «العرّاب» على أسطورة عبرية وأخرى أندلسية.
تبدأ الأحداث بجرائم قتل متعددة في المستنقعات بينما يرصدها عدد من الصحفيين، تحوم الشكوك حول الجميع ويسقط الضحايا من الأبطال أنفسهم، حتى تأتي النهاية المفاجئة.
الأخرى
الرعب النفسي في أوضح صورة، حين يشك الطبيب في مريضته، ويتصور أنها تخدعه ويدفعه الفضول لكشفها، لكنه يفاجأ بشيء لا يتوقعه.
عشر علامات
يقول المثل «الفضول قتل القط» وهنا يدفع الفضول أحد الصحفيين إلى اقتحام منزل مسكون، والمرعب في الأمر أن هذا الشجاع يحدد لك 10 علامات لتعرف أن المنزل مسكون بالفعل بعيدًا عن الإشاعات، فماذا لو تحققت العلامات العشر معًا أمام عينيه؟
نادي أعداء مصاصي الدماء
مرة أخرى يربط «العرّاب» مصاصي الدماء بمصر رغم أن القصة تبدأ في أمريكا، والمفاجأة الأكبر أن القصة تخبرك عن أول أسطورة ذكرت مصاص الدماء، لتفاجأ أنها مصرية في الأصل.
تدور القصة في جو من المطاردات والخوف من انتقال الوباء، والنهاية كالعادة محيرة وتدفعك للتساؤل في كل ما قرأته وعشته.
الجنس في أدب أحمد خالد توفيق.. لا يؤدي لخير
تنصّت
هل تصدق في وجود كائنات فضائية تعيش في كوكب ما ضمن مليارات الكواكب الأخرى في هذا الكون الفسيح؟ هل تعرف أن محطات الفضاء الأرضية تلقت إشارات عجيبة من الفضاء تثير الشك في كائن عاقل أرسلها؟
فضول البطل يدفعه للتنصت على هؤلاء الفضائيين، ولكن هل يتركوه في حاله أم يصبح هدفًا لهم؟ وماذا لو كانوا أصلاً موجودين معه منذ البداية؟
هشام يخفي سرًا
لكل منا سر نخشى أن يعرفه الناس، سر خطير أو محرج أو مؤلم، فماذا عن السر الذي يؤذينا ويمنعنا من الحياة بشكل طبيعي؟ والمصيبة هنا أن سرنا قد يؤذي الآخرين دون قصدنا، هذه ليست طلاسم ولكنها قصة «هشام» وسره المخيف.
كان «هشام» يرغب في كتمان سره حتى الوفاة، لكن المشكلة أن «صفاء» خطفت قلبه متعمدة، فكان عليها أن تدفع الثمن وتعرض الجميع لجحيم مقيم، فهل يؤذيها السر الرهيب أم تنجو بمعجزة؟
القصة هنا بلسان «صفاء» التي حكتها بأسلوب نرجسي يبرز الكثير من شخصيتها المتعالية، وفي بعض الفقرات تتجنب تفاصيل معينة لأنها لا تخصها رغم تحرّق القاريء لمعرفتها.
بعد الجلسة
تحضير الأرواح فكرة مرعبة بشكل كبير، خاصة حين تحضر روح مجرم سفاح يقتل النساء ويغتصبهن، تفعل هذا على سبيل التسلية ثم يتحول الأمر إلى كابوس. ماذا لو ظننت أن السفاح في الشارع واتضح أنه في حصنك الآمن؟
لماذا الأفراح؟
ماذا قصد «العرّاب» الراحل بعنوان مجموعته القصصية؟ في العادة تحمل المجموعة اسم أحد القصص بداخلها أو على الأقل تصف الجو العام لمحتواها، لكن هذا لم يحدث هنا في هذا الكتاب، فلا يوجد به أي ذكر لمقبرة واحدة.
هل أشار أحمد خالد توفيق إلى موته بشكل ما؟ كأنه سيُفرح قراءه بينما يرقد في مقبرته؟ أم تنبأ بمشهد ضريحه الذي ازدان بكتابات القراء يسجلون امتنانهم وحبهم لهذا الكاتب الذي أثر بهم فجلعوا من مقبرته مشهدًا مفرحًا بالفعل؟