الجنس في أدب أحمد خالد توفيق.. لا يؤدي لخير
هل ينبغي تناول الجنس، والعنف، وغيرها من المواضيع الشائكة في الأدب والروايات بكل الدرجات والأشكال في إطار حرية الإبداع؟ الأديب الراحل أحمد خالد توفيق كان مهتمًا بهذه القضية، وكتب عنها أكثر من مرة وعبر عن رأيه بصراحة، كما سنرى في السطور القادمة.
جمهوره الأول
قال أحمد خالد توفيق في أكثر من حوار، أن نوعية ما يكتبه من أدب الشباب في نظره بمثابة كتب أسرية، يجب ألا تحتوي أي مشاهد خارجة حتى مع وجود علاقات حب في قصصه.
كان «توفيق» يؤمن أن قصصه يجب أن تقرأها البنت الصغيرة وشقيقها لا يخشى عليها، «متخافش عليها دي قاعدة مع عمو أحمد»، وهو يقصد هنا سلاسل الجيب الروائية الثلاث «ما وراء الطبيعة»، و«فانتازيا»، و«سافاري».
مثال من قصة
في إحدى قصصه في سلسلة «سافاري» بعنوان PCR، يحكي عن علاقة غير شرعية بين طالب جامعي وزميلته الأجنبية، ويصاب الطالب بمرض الإيدز، فيسأله صديقه إن كان السبب هو حقنة ملوثة، فيجيبه الطالب: «بل هو السبب الآخر»، قاصدًا أن يصل المعنى بلا تفاصيل حميمة.
لكن ما رأي «توفيق» في الحديث عن المواضيع الشائكة كالجنس، والعنف، والعشوائيات؟ هل تجنب «توفيق» تمامًا هذه الأمور في كتاباته؟
مشكلة الكتابة الجنسية
في مقال له بعنوان «إبداع حتى النخاع» يبدي ضيقه من المؤلفات المعاصرة الغارقة في الجنس والبذاءة قائلاً «منذ فترة طويلة لم أقرأ كتابًا جديدًا خاليًا من لفظة أو لفظتين مما اعتدنا سماعه في السوق وموقف عبود».
يرى «توفيق» أن الإغراق في التفاصيل الجنسية لا يؤدي لخير في العمل الأدبي، موافقًا الكاتب محمد المويلحي الذي قال: «من تأمل قليلاً وجد أن الشرح والإسهاب في خفايا الرذائل التي يندر حدوثها ويقل وقوعها كان من الأسباب في انتشارها».
وفي نفس الوقت، يكره «توفيق» الرقابة على ضمائر الناس، وكأن كل كلمة ستخرج من فم الكاتب يفهمها الناس بشكل خاطئ على أنها جريمة، لذا شعر بالذنب في البداية، لأنه ليس في جانب حرية الكاتب، وخاف ان يكون مثقفًا منافقًا.
هل الحل في تجنب الشر تمامًا وعدم الكتابة عنه بما فيه من تفاصيل جنسية أو بذيئة؟
الحل في الاتزان
المشكلة ليست في الكتابة عن الجنس، وإنما المشكلة هي البذاءة فيه، هكذا رأى «توفيق» أن الحل في الاتزان والتعقل مع الموهبة الكبيرة، بلا عقد شخصية أو رغبات مكبوتة.
فلا يجب أن يكتب المؤلف ما يشتهي الكلام عنه من جنس كأنه تفريغ شهوة، فالأمر هنا يشبه خروج الصديد من الجروح الذي يريح صاحبه (الكاتب) ولكنه لا يفيد الجمهور بشيء.
ويدلل على رأيه بمثال واقعي، أن الأب حين يسعى كي يمنع ابنه من التدخين مثلاً، لا يحضر له سيجارة ويطلب منه تدخينها، هناك ألف طريقة أخرى لعرض هذا الشر.
لا يجب أن يكتب المؤلف عملاً مليئًا بالجنس والكفر والشتائم وجلسات الحشيش والعبث، وزنا المحارم، فقط ليتلذذ بما يكتبه أو ليجذب القارئ أو ليثير غضب المحافظين.
وأخيرًا يذكر أن الأدباء العظماء مثل تشارلز ديكنز، ودوستويفسكي، ويوسف إدريس، كتبوا عن الضعف البشري والشهوات والإلحاد، لكنهم عبروا عن هذا بأرقى الأشكال وسط موهبتهم العالية.
في ميزان النقد
كتب أحمد خالد توفيق روايات منفصلة عن السلاسل تدور احداثها في مصر، وترصد الواقع داخل العشوائيات والأحياء الفقيرة، بما فيها من فساد وتدهور، مثل «يوتوبيا» و«السنجة» وغيرهما، فكيف تحدث «توفيق» عن كل هذه الأمور؟ هل ظل على نفس درجة سلاسله النظيفة؟
يقول الناقد الأدبي وعضو التدريس بأكاديمية الفنون حمدي النورج إن تجربة توفيق ينظر لها كاملة، لقد كتب الرجل في كل شيء ونجح فيه بدرجة عالية من الأخلاق والبراعة لم يبلغها مؤلفين آخرين.
بدأ الكتابة بالخيال الراقي الذي يهتم به العالم كله، ويُنظر له بجدية، وانتهى بهذه الأمور الشائكة التي تثير الجدل دومًا في مجتمعنا، والحقيقة أن الأدب النظيف مصطلح خاطئ، فالأدب في النهاية موهبة مهما كان موضوعه.
يؤكد «النورج» أن تجربة «توفيق» لا تختلف عن تجربة مؤلفين آخرين مهمين في مصر مثل مصطفى محمود، أو نهاد شريف، فهؤلاء عبروا عن الواقع بلا إفراط أو تفريط، ولم يسرفوا في الجنس ولم يكتبوا أدبًا سهلاً وإن كان بسيطًا، فالبساطة لا تعني أبدًا الضعف الأدبي.
ويختم الناقد حديثه بأن «توفيق» شكّل حالة من حيث خلقه أو أدبه، ستبقى ببساطتها وتميزها، حالة فريدة نفتقدها بشدة منذ الثمانينات.