شكري سرحان.. ملاكم أفقدته الخيول بطولة «الناصر صلاح الدين»
رغم نشأته الدينية المحافظة إلا أن شكري سرحان اقتحم عالم الفن وأصبح نجماً من نجومه، بل وأحد العلامات البارزة في تاريخ التمثيل في مصر.
ولد شكري سرحان في قرية الغار، مركز الزقازيق، بمحافظة الشرقية، وكان والده رجل دين عارض بشدة التحاق ابنه بمعهد التمثيل، لكن بناته توسلن إلى والدهن أن يحقق رغبة شقيقهن «شكري» فالتحق هو وشقيقه «سامي» بالدفعة الأولى بالمعهد عام 1944 وتخرجا عام 1947.
ما لا يعرفه كثيرون أن «شكري» كان بطلاً في الملاكمة ووصل لنهائي بطولة الجمهورية مرتين، ولعب أيضاً المصارعة وحصل فيها على بطولات كثيرة.
الصدفة والتمثيل
ورغم أن شكري سرحان شارك عام 1948 بدور صغير في فيلم «نادية»، إلا أن الصدفة لعبت دوراً في احترافه للتمثيل. كان في دار الأوبرا يشاهد أحد العروض وكان بجواره صلاح ذهني الصحفي بمجلة آخر ساعة، فتعارفا، ودعاه الصحفي لزيارته بالمجلة ومعه مجموعة صور شخصية له، ونشر تحقيقاً بعنوان «فتى أول ينقصه منتج ومخرج».
قرأ المخرج حسين فوزي التحقيق فاتصل بالمحرر وطلب منه أن يرسل إليه هذا الشاب الملاكم، حيث أنه يبحث عن وجه جديد ليقوم بدور البطولة أمام الممثلة الجديدة آنذاك نعيمة عاكف في فيلم «لهاليبو».
نجح الوجه الجديد في الاختبار وتم تصوير الفيلم وعُرض سنة 1949 وحقق نجاحاً جماهيرياً كبيراً، ما دفع يوسف شاهين للاستعانة به في فيلم «ابن النيل»، وكان هذا العمل نقطة تحول في حياة «سرحان» الفنية حيث شارك بعد ذلك في 151 فيلماً، أبرزها «رد قلبي»، و«اللص والكلاب»، و«الزوجة التانية»، و«شباب امرأة»، و«البوسطجي».
الخيل وصلاح الدين
ما يعرفه كثيرون أن الفنان شكري سرحان كان مرشحاً بقوة لبطولة فيلم «الناصر صلاح الدين»، إلاأن مفارقة غريبة حالت دون تجسيده هذا الدور.
كان «سرحان» لا يطيق ركوب الخيل، ويخاف جداً من الحصان إذا اقترب منه، وبسبب ذلك ضاعت منه بطولة «الناصر صلاح الدين»، فقد رشحه لدور البطولة المخرج يوسف شاهين، بينما رشّحت منتجة الفيلم اللبنانية آسيا داغر رشدي أباظة، وكاد أن يحدث خلاف بينهما.
لكن شكري سرحان حل المشكلة، وقال إنهم لو أعطوه مليون جنيه فلن يركب الحصان، فاختاروا رشدي أباظة لكنه اعتذر هو الآخر لمرض والدته الإيطالية واضطر للسفر معها للعلاج.
على الفور فكر يوسف شاهين في أن يكون البطل الذي يؤي دور الناصر صلاح الدين من الفرسان، وبالفعل وقع الاختيار على الفارس أحمد مظهر أحد رجال سلاح الفرسان بالقوات المسلحة.
الشيخ رفعت ويحيى
ولتسمية ابنه الأول قصة غريبة. في أول فبراير عام 1963 كان المسلمون يتأهبون للإفطار في يوم من أيام شهر رمضان، فرن جرس التليفون في منزل شكري سرحان في أول شارع القصر النيل، من ميدان التحرير، وأخبره المتصل أن زوجته المحتجزة بالمستشفى القبطي أنجبت مولوداً ذكراً، وتريد حضوره لكي ليكون بجانبها ويختارا اسماً للمولود لقيده في السجلات.
أسرع إلى المستشفى وبينما هو يدخل من الباب، سمع صوت الشيخ محمد رفعت ينبعث من راديو يحمله أحد العمال، وكان يتلو قوله تعالى: (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا * وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا * وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا). دخل شكري سرحان الحجرة وقال لزوجته «ألف مبروك يا أم يحيى».
وراء الشمس
في شهر مارس عام 1977 أسند للفنان بطولة الفيلم السياسي «وراء الشمس» وذلك مع رشدي أباظة، ومحمود المليجي، ومحيي إسماعيل، وإخراج محمد راضي، وتعرّض العمل لفترة التعذيب أيام مراكز القوى وقمع الطلاب في الجامعات. عُرض السيناريو على الرئيس الراحل أنور السادات فوافق على تصويره، لكن أجهزة الأمن رفضت دخول كاميرات التصوير داخل حرم جامعة القاهرة.
فشلت كل المحاولات حتى عندما اتصل شكري سرحان ورشدي أباظة بفوزي عبدالظاهر السكرتير الشخصي للرئيس السادات.
لكن تشاء الظروف أن يموت عبدالحليم حافظ يوم 30 مارس 1977 أثناء تصوير الفيلم، فاقترح الممثل محيي إسماعيل على المخرج محمد راضي أن يستغل الجنازة الشعبية لعبدالحليم التي سيشارك فيها أكثر من مليوني شاب وفتاة ممن يعشقون حليم وسوف يصرخون ويبكون ومعظمهم من شباب الجامعات والمدارس وتقديمها على أنها مظاهرة.
قفز الجميع من الفرحة لفكرة محيي الدين، وقال له رشدي أباظة «يا ابن الجنية.. دي فكرة واحد حشاش مسطول.. يخرب عقلك.. فكرة بمليون جنيه».
حشد «راضي» كاميرات تصوير فوق الأسطح ووسط الجنازات وعلى عربات نصف نقل وتم وضع الجناة كاملة في الفيلم.. وكتب صُناع الفيلم في الإعلانات «شاهدوا فيلم وراء الشمس.. قصة المليون متظاهر».
فاطمة وعماد حمدي
في فيلم «ليلة القبض على فاطمة»، كان مشهد القبض على على فاتن حمامة يستلزم بكاء كل الموجودين في المشهد، وهذا ما حدث فعلاً، حتى أنها بكت بكاءً حقيقياً أبكى كل فريق العمل خلف الكاميرا.
لكن شكري سرحان انزوى في أحد الأركان يبكي بشدة وحرقة بعدما أبلغوه بوفاة أعز أصدقائه عماد حمدي، فجلس يبكي بكاء حقيقياً وليس تمثيلاً، ودون أن يشعر «شكري» طلب المخرج من مدير التصوير وحيد فريد تصوير شكري بهذه الحالة واستخدامها كمشهد حقيقي في الفيلم.