زكي رستم.. ابن الذوات الذي أدار ظهره لتقاليد العائلة من أجل السينما

زكي رستم.. ابن الذوات الذي أدار ظهره لتقاليد العائلة من أجل السينما

بأسلوب متفرد غير قابل للتقليد، قدم الفنان الراحل زكي رستم على مدى 37 عاماً أكثر من 200 فيلم، الكثير منها يعد من روائع وكلاسيكيات السينما المصرية، ما دفع كثيراً من النقاد لوضعه في مكانة مماثلة لعباقرة السينما في العالم بسبب أدواره التي كان من العصب أن يجسدها أحد غيره بمثل هذه الحرفية.

أحمد الجندي استعرض بعضاً من محطات حياة الفنان العبقري في كتابه «صُنّاع السينما. نجوم الزمن الجميل».

ابن الذوات

ولد زكي محرم محمود رستم في 25 مارس 1903 لعائلة أرستقراطية ثرية. كان أبيه من أعيان الريف المصري ومن كبار المزارعين بمحافظة المنوفية، وكان عضواً بارزاً بالحزب الوطني القديم الذي أسسه مصطفى كامل.

نشأ زكي رستم في قصر جده اللواء محمود باشا رستم الذي كان من قادة الجيش المصري بحي الحلمية بالقاهرة، ذلك الحي الذي كانت تقطنه الطبقة الراقية في أوائل القرن العشرين.

انتظم منذ صغره بالتعليم الأولي وواصل تعليمه بنجاح حتى نال شهادة البكالوريا «الثانوية العامة» عام 1924، وأثناء دراسته الثانوية عشق الفن والتمثيل من خلال مشاهداته لمسرحيات جورج أبيض.

بعد حصوله على البكالوريا لم يستجب «زكي» لرغبة أسرته ويلتحق بالجيش، أو بكلية الحقوق، أو التجارة كأبناء الطبقة الراقية آنذاك، وإنما ضرب بعادات وتقاليد أسرته العريقة عرض الحائط التي لم تكن تسمح لأبنائها باحتراف مهنة التمثيل التي كانت تعد وقتها بمثابة عار يحل بهذه العائلات. ورغم ذلك التحق «زكي» بفرقة جورج أبيض عام 1924 بعد شهور قليلة قضاها في إحدى فرق الهواة ليبدأ المشوار الفني الحقيقي لهذا لنجم الكبير.

كان «زكي» مفتوناً بشيء آخر وهو الرياضة ولعبة المصارعة بشكل خاص، وكان متفوقاً فيها حتى أنه أصبح من أبطال مصر في هذه اللعبة، لكن بعد ذلك ومع طغيان هواية التمثيل وانخراطه فيها ترك المصارعة وانتصر للفن.

السينما الصامتة

كان زكي رستم من أوائل الفنانين الذين عملوا في السينما المصرية منذ بواكيرها وإرهاصاتها الأولى، ففي 1930 اختاره المخرج محمد كريم ليشارك في بطولة فيلم «زينب»، ورغم أن الفيلم كان صامتاً إلا أن «زكي» نجح تماماً في تجسيد شخصية «حسن» بطل العمل، وهي نفس الشخصية التي جسدها فريد شوقي عندما أعيد إنتاج الفيلم في بدايات الخمسينات.

النجاح الذي حققه زكي رستم دفع «كريم» لاستدعائه مرة أخرى ليشارك مع محمد عبدالوهاب في بطولة أول أفلامه «الوردة البيضاء» عام 1933، ليحقق أيضاً النجاح وليشق طريقه السينمائي بثقة وثبات حتى تجاوز عدد أفلامه 200 فيلم.

تجدد واختلاف

وخلال مشواره السينمائي ابتعد هذا الفنان عن أداء الأدوار النمطية، فهو ممثل متنوع ويعطي لكل شخصية مذاقها وأسلوبها وروحها، فمثلاً جسّد شخصية «الباشا» في أكثر من فيلم، لكن في كل مرة كان الباشا مختلفاً تماماً عما سبقه سواء كان شريراً أو طيباً حنوناً، وسواء كان ظالماً أو مظلوماً.

أيضاً قدم شخصية المجرم، الشرير، ورجل العصابة القاسي في أكثر من فيلم، وفي كل مرة كان متجدداً مختلفاً، ويرسم الدور بمواصفات خاصة تميزه عن أدواره الأخرى في إطار نفس الشخصية، فدوره في فيلم «عائشة» مختلف عن دوره في فيلم «النمر»، وكذلك أفلام أخرى مثل «رصيف نمرة 5»، و«ملاك وشيطان»، وهو في كل هذه الأفلام مجرم وشرير، ويرجع هذا إلى الطاقة الإبداعية الهائلة التي يملكها وقدرته على تطوير شخصياته بسهولة ويسر.

وعندما قدم أدوارا تتسم بالروح الكوميدية كان مختلفاً أيضاً، وهذا ما ظهر في أدواره في أفلام مثل «معلش يا زهر»، و«ياسمين»، فقد أضحك المشاهدين أكثر مما أضحكهم نجوم الكوميديا الذين شاركوه في هذه الأفلام.
وحدة وعزوبية

على المستوى الإنساني عاش هذا الفنان العبقري وحيداً طوال حياته، فكان أعزباً لم يتزوج ولم يفكر في الزواج، وكأنه أراد أن تكون السينما هي زوجته.

وفي سنواته الأخيرة عاني زكي رستم من ضعف السمع، وربما كان ذلك سبباً أبعد مخرجي السينما عنه بعد آخر أفلامه عام 1967، وبسبب ذلك عزل نفسه تماماً عن الناس وعزف عن مخالطة الوسط الفني وهو لم يكن يخالطه إلا أثناء عمله وكان معروفاً عنه لانطواء والكبرياء وسمو النفس والروح.

وفي عزلته الاختيارية هذه لم يكن يؤنس وحدته إلا كلبه الوفي، وخادم عجوز يقوم على طلباته وخدمته، وفي العامين الأخيرين قبل وفاته كان نادراً ما يغادر شقته في شارع طلعت حرب بوسط القاهرة.

وفي أوائل 1972 أصيب بنوبة قلبية حادة ونُقل إلى المستشفى، لكنه لم يمكث بها طويلاً فقد لفظ أنفاسه الأخيرة في 5 فبراير من نفس العام.

المصدر

  • كتاب «صُناع السينما. نجوم الزمن الجميل». أحمد الجندي.

محمد أحمد

محمد أحمد

صحفي يكتب في التراث والثقافة الشعبية