من «خصلات الشعر» إلى «المسامير».. تعرف على «مهاويس» التخزين

من «خصلات الشعر» إلى «المسامير».. تعرف على «مهاويس» التخزين

أسطوانات الفونوغرام كانت عشق رجل الأعمال البرازيلي زيرو فريتاس الذي ظل يقتفى آثارها حول العالم، ويجمعها بشغف حتى أنه أنفق ثروته على جمع تلك الأسطوانات ويضعها بمخزن مخصوص أعده لها. لم يكل «فريتاس» أو يمل يومًا بل ظل طيلة سنوات عمره يجمع أسطوانات الفونوغراف، وحاول كثيرون إقناعه أن الزمن سيبلي قيمتها ولن تنفع أحدا ولكنه لم يكف عن فعلته هذه حتى وفاته المنية.

هذه القصة الشهيرة عن هوس اقتناء الأشياء وحفظها تناقلتها الصحف والجرائد بعد وفاة رجل الأعمال البرازيلي، وبتتبع آثار «فريتاس» ظهرت قصص كثيرة لأشخاص يقومون بتخزين وحفظ أغراض قد تبدو غريبة ولكنهم يحققون متعة تخصهم وحدهم. في هذا التقرير من «شبابيك» ستتعرف على بعض هذه القصص.


الدنيا كلها «قصاقيص»

تفترش «ريم» الأرض والفوضي تعم الأرجاء حولها، وتتطلع إلى المجلة وتختار الصورة التي تروق لها وتقصها بعناية شديدة، وتطرحها بجانبها، ثم تقّلب في جريدة أخرى تبحث عن صورة تجذب انتباهها، فتجد صورة لفستان أنيق يحمل أشكالًا وألوانًا من الزهور، وأخرى لطفل يركل الكرة في أحد الدورات الرمضانية، بيما تعجبها قفة تحملها امرأة في جلبابها الفضفاض وتضعها فوق رأسها وبها خضروات تبدو طازجة، أو تفتن «ريم» ببورتريه لفاتن حمامة فيسرع مقصها ليضمهاإلى مجموعتها.

هواية غريبة تفعلها الفتاة العشرينية منذ الصغر. تقول: «أنا عندي آلاف الصور من جرايد ومجلات مختلفة». تجمع «ريم» تلك القصاصات بعناية دون أن تفكر في الفائدة التي ستحصل عليها، وتشتري المجلات والجرائد لا للقراءة بل للاحتفاظ بالصور التي تعجبها، فهي كنز ثمين من وجهة نظرها، وقد تقضي الساعات في غرفتها تجمع الصور، وتشاهد ما قامت بحفظه سلفًا.


 

الكثير من الحقائب والشنط البلاستيكية في غرفة «ريم»، وداخل الدولاب وفوقه، وتحت السرير، وبجانب المكتب، وفي أرفف المكتبة. تحتفظ بالصور الأكثر أهمية بالنسبة لها في حافظة للأوراق، ولا أحد يستطيع الاقتراب من عالمها الخاص الذي صنعته من تلك الأوراق، وهي دائمة الشجار مع والدتها بسبب تلك الهواية الغريبة «كل شوية بتهددني ترميهم.. بتقول عليا مجنونة».

لم تفكر «ريم» قط في عدم جدوى ما تفعله، فقط هي تشعر بالسعادة والراحة عند جمعها لتلك القصاصات، وأصبحت تفعل تلك العادة بشكل مستمر وأحيانًا يومي، فمنذ العاشرة من عمرها وهي تنفق مصروفها على شراء الجرائد والمجلات. في البداية كانت تعلقهم على الحائط وعندما توغلت أكثر في الموضوع بدأت تحفظهم في الحقائب نظرًا لكثرة عددهم.


الشعر المجنون 

ليست «ريم» وحدها التي تقوم بتخزين والاحتفاظ بأشياء تبدو غريبة للبعض، «عفاف» تحتفظ بشعرها المتساقط في أكياس بلاستيكية من قبل زواجها وحتى بعدما رزقت بابنتها «فريدة» تقوم بتخزين خصلاتها الشقراء الصغيرة، وبعدما تقوم بتمشيط شعرها تأخذ المتساقط منه وتتركه في الهواء حتى يجف تمامًا ثم تخزنه. «عفاف» تخفي الكثير من الشنط عن أعين زوجها الذي يعترض على الأمر كلما رأها تقوم بذلك.

لم تعرف «عفاف» سببا لقيامها بذلك، فهي فقط اعتادت على ذلك الفعل. تقول «والدتي كانت بتقولي أرميه في الحمام.. بس أنا مكنتش بحب أعمل كده وكنت بحتفظ بيه». لم تذهب «عفاف» قط للكوافير لقص شعرها فهو مقدس بالنسبة لها ولا تقبل أن يطوله مقص الغرباء، وفي نهاية كل شهر تقوم بقص الأطراف بواقع واحد سم أو اثنان على الأكثر، حتى يعاود شعرها في الطول ويقل تساقطه.

بعد ولادة «فريدة» أصيبت باكتئاب شديد فكان شعرها يتساقط بصورة كبيرة، ودموعها كانت تسبق تلك الخصلات الهزيلة التي لم تقاوم المشاعر الحزينة التي اجتاحتها. تخزّن «عفاف» خصلاتها تحت مخدعها وفي أحد أرفف دولابها، والجميع يستنكر ما تفعله ولكنها مستمرة في ذلك رغم الانتقادات التي تطولها، وادعاءات البعض بأنها مريضة نفسية «أنا إنسانة طبيعية جدًا كل الحكاية بحب أحتفظ بشعري».


 

مسامير حبنا

«عمران» يحب اقتناء المسامير دون استخدامها أو الاستفادة منها، ويعتبر يوم حظه لو صادف مسمارا طاله الصدأ ودهسته الأرجل، فسرعان ما يلتقطه ويحفظه مع غيره في صناديق وأحيانًا زجاجات مياه. ويشتري «عمران» مسامير جديدة ويضمها لمجموعته، ويبحث في الشوارع والأركان عن مسمار سقط من الخشب، وأحيانا يقوم بنزع المسامير من مكانها لكي يحتفظ بها.

لا يمكنه التفريط في واحد من تلك المجموعة التي أفنى سنوات في جمعها من كل حدب وصوب، عندما كان يجهز منزل الزوجية كثيرًا ما كان يشترى ولا يأخذ من غنيمته، بل عندما ينتهي العمال من عملهم يجمع التالف والفائض في جيبه وإن زاد عددهم يضعهم في أي حقيبة. يقول «عمران»: «أمي كانت بتقولي امتى تتجوز بقى علشان نخلص من مساميرك دي»، وكان إذا فكر أحد في الاستيلاء على مسمار واحد فقط تنشب الحرب على أشدها.

قبل أن يفكر «عمران» في جمع كتبه وملابسه قبل الزفاف، فكر في المسامير التي تملأ أرجاء البيت. في خمسة صناديق كبيرة وضع المسامير، والتي كانت مصدر سخرية أصدقائه الذين رفض جميعهم حمل تلك الصناديق، فحملهم هو ووضعهم في منزله الجديد عن طيب خاطر من زوجته التي أبدت احترامها لرغبته وولعه باقتناء تلك المسامير، وأفسحت له مكانا مخصوصا ليضع فيه «مسامير حبنا» مثلما تطلق عليها.


 

موسوعة جينيس

لم تخل موسوعة جينيس للأرقام القياسية من قصص مهاويس التخزين الذين قضوا سنوات طويلة في كنز أشياء قد تبدو غريبة ولكنها تروق لهم.

رقم قياسي في جمع الدمى

لم تحصل جاكي مايلي على دمية وهي صغيرة، مما دفعها إلى جمع 8026 دمية مختلفة الحجم والشكل والتصميم من أمريكا و29 دولة مختلفة، على مدار عقدين من الزمن. في عامها الـ 68 دخلت السيدة القاطنة بولاية كارولينا الجنوبية موسوعة الأرقام القياسية العالمية «جينيس» لحصولها على رقم قياسي في تجميع الدمى.


ملكة الأحذية

دخلت دارلين فلين موسوعة جينيس العالمية بعد أن جمعت16400 حذاء، ولقبت بملكة الأحذية، وقد بدأت في شغفها بعد طلاقها في عام 2001، ودخلت موسوعة الأرقام القياسية العالمية بعدها بـخمس سنوات.


 

الاكتناز القهري

يعتبر الذين ينفقون حياتهم في تجميع الأشياء ولا يفرطون بها مصابون بما يسمى بـ «الاكتناز القهري» وهو الإفراط في تكديس وتجميع المقتنيات والصعوبة الكبيرة في اتخاذ قرار بشأن التخلص من الممتلكات الشخصية غير الضرورية وفقَا لحديث الدكتور أنانيا ماندال لموقع « medical life scinces»، والذي أشار إلى أن ذلك الشعور يعود إلى رغبة بعض الأشخاص واعتقادهم في استخدام تلك الأشياء فيما بعد.

يعتبر «ماندال» الاكتناز اضطراب نفسي وتتفاوت درجات التأثر به من شخص لآخر، ولكن يتشابهون في عدة أعراض وهي التعلق المفرط بالممتلكات لدرجة عدم السماح للآخرين باستخدامها، والعجز عن التخلي عن بعض الأشياء بغض النظر عن قيمتها أو دواعي استخدامها.

قد يصل الأمر لمرحلة المرض عندما يتزامن معه بعض الأعراض الأخرى مثل انعدام التفاعل الاجتماعي، وانتشار الفوضى في كافة أرجاء المنزل، وصعوبة تنظيم الأنشطة اليومية، والشعور الدائم بالإحراج أمام الآخرين، والرغبة في النوم لساعات طويلة.

تقول أخصائي الطب النفسي مروة محمد إن المصابين بما يسمى بالاكتناز القهري قد لا يحتاجون إلى علاج دوائي إلا في أضيق الحدود، ولكن يمكنهم الخضوع للعلاج المعرفي السلوكي، والذي يقوم على محاولة تغيير السلوك عن طريق مجموعات الدعم والمساندة الذاتية، التي تعتمد على نقل المرضي لخبراتهم وتجاربهم، ويسبق تلك الخطوة جلسات فردية مع المعالج النفسي والتخطيط لبرنامج سلوكي يتبعه المريض على مدار عدة جلسات.

وتشير أخصائي الطب النفسي إلى ضرورة الرجوع إلى الطبيب في حالة إذا كان الشخص يعاني من فرط التخزين والاكتناز والخضوع لجلسات العلاج السلوكي لمعرفة سبب ذلك الاضطراب، لأن هؤلاء الأشخاص لا يمكنهم التخلي عن أغراضهم بسهولة وكثرة اكتنازها يمكنها إلحاق الضرر بهم وبالأشخاص المحيطين الذين قد يصابوا بالإكتئاب بسبب مشاكل عدم النظافة التي يخضع لها مكان التخزين.

ندى سامي

ندى سامي

صحفية مهتمة بشؤون المرأة والمجتمع