عن عماد متعب الذي خدعنا
كانت عقارب الساعة تشير إلى اقتراب نهاية مباراة الأهلي والقطن الكاميروني، وتشير النتيجة أيضا إلى تقدم المارد الأحمر بثلاثة أهداف مقابل هدف، حينما وصلت الكرة إلى المنفرد عماد متعب في المكان الذي يفضله جلاد الحراس.
انتظر زملاؤه وممن كانوا في المدرجات وأمام الشاشات أن يمزق الشباك كما اعتدنا عندما يروضها في «+90». لكنه لم يفعلها، تلعثم وترك الحارس يلتقطها بسهولة شديدة.
فطنت الجماهير المحتشدة في ستاد برج العرب أن مهاجمها الفذ لم يعد قادرا على ممارسة هوايته في جلد الحراس، دعمته وشجعته فانحنى أمامهم للشكر. حينها اعتقد متعب أنه ليس يومه وأن التحية من أجل التشجيع الأحمر لتحفيزه على استمرار مسيرته. لكن بعد عام من هذا اليوم اقتنع المهاجم الثلاثيني أن النهاية تأخرت وآن الأوان لتعليق حذاءه.
أدار متعب ظهره وصم آذانه أمام دعوات الاعتزال التي لاحقته طوال السنوات الماضية، بحجة أنه لا يزال قادرا على المستوى الذهني والبدني، مستندا إلى رصيده التهديفي في المرات القليلة التي يشارك فيها من مقاعد البدلاء.
ليسمح لنا القناص بمراجعته، ليحدد معنا الموعد المناسب الذي كان من المفترض أن يعتزل فيه.
الغزال يزيح القناص
ظل متعب هداف الأهلي الحاسم في حضور محمد أبوتريكة وجدو وأحمد عبدالظاهر في موسمي 2012/2013، إلى أن اعتزل الماجيكو بعد مشاركته في كأس العالم للأندية بالمغرب، لتخلو الساحة من رفاق جيله باستثناء قلة ستسقط تباعا وتتركه وحيدا.
أتيحت الفرصة أمام متعب لقيادة هجوم الأحمر منفردا، لكن ظهور الغزال عمرو جمال في هذا التوقيت بدد أحلامه. قاد جمال ورمضان صبحي وتريزيجيه الأهلي للفوز بدوري 2014 دون مساهمة بارزة للقناص في هذا اللقب.
استمر الغزال في قيادة هجوم الأحمر تحت قيادة الأسباني خوان كارلوس جاريدو، ما يعني خروج القناص من حسابات أكثر من مدرب في فترة زمنية قصيرة، بدءا من محمد يوسف مرورا بفتحي مبروك إلى جاريدو. لم يكن ليدخل متعب حسابات الأسباني قبل إصابة جمال بالرباط الصليبي في مباراة الأسيوطي الشهيرة.
اضطر جاريدو للاعتماد على «أبو البنات» في مباراة ألعاب دمنهور، استغل الفرصة جيدا وسجل هاتريك من داخل منطقة الجزاء، والثلاثة في مواجهة مباشرة مع الحارس ودون أي مضايقة من الدفاع.
هل عاد إليكم حقا؟
أقنع متعب الجميع بأنه عاد إليكم من جديد، يقتنص ويحتفل ويقبل دبلته، ما أغوى شوقي غريب المدير الفني للمنتخب الأول آنذاك بإعادة الفتى الذهبي من جديد. لم ينتظر غريب طويلا فنصبه مهاجما صريحا لإنقاذه من شبح الخروج من التصفيات، فشارك أساسيا أمام السنغال.
أتذكر المباراة جيدا، شاهدتها من مدرجات ستاد القاهرة، خسرناه بخطأ مبكر من أحمد الشناوي، ولم أر متعب يركض أو يصنع خطورة. هذا هو الخداع الأول في العلاقة، يهدف متعب فتلعب به أساسيا أملا في استنفاره ولا يحضر.
ظل متعب يشارك بهذه الطريقة في هذا العام، جلب للأهلي أول بطولة كونفدرالية برأسيته الشهيرة في سيوى سبورت الإيفواري، وأحرز له هدف التعادل أمام وفاق سطيف في السوبر الأفريقي 2015. لكنه لم يرتض بدوره هذا، رغم أهمتيه، ليفتعل أزمة المغرب التطواني، حين تلكأ في النزول كتغيير ثالث ورفضه تسديد ضربة الجزاء التي أهدرها القائد حسام غالي، ليودع البطولة من دور الـ16.
في هذا الموسم تمكن متعب من المشاركة في 40 مباراة بعدد دقائق لعب بلغ 1.870 دقيقة، مسجلا 18 هدفا، وصنعى 3 اخرى، بمعدل كل 103.8 دقيقة.
معدل جيد للاعب تجاوز الثلاثين لكنه لم يقتنع بعد بحتمية الجلوس احتياطيا لمهاجم شاب، كما أجلس هو سابقا أحمد بلال وأسامة حسني.
بيسيرو يشرب من كأس شوقي غريب
لم يكن صاحب القميص 9 أساسيا أيضا تحت قيادة البرتغالي جوزيه بيسيرو. أشركه بديلا في مباراة بتروجت بالأسبوع الثالث لينقذ نقطتين ضائعتين بضربة رأس ماركة عماد وتوقيته في الـ«+90».
ظن البرتغالي أن متعب قادرا على فك شفرة الأتوبيس الدفاعي وقيادة الأهلي عن الثنائي الأفريقي إيفونا وجون أنطوي، كما ظن غريب ذلك أمام السنغال. يعود للمشاركة أساسيا في المباريات التالية دون أن يحرز شيئا أو يصنع أي خطورة.
في هذا الموسم شارك في 23 مباراة، من بينها 14 لقاء في الدوري، بعدد دقائق لعب، بلغ 579 دقيقة، مسجلا خلالها 6 أهداف، بمعدل هدف كل 96.5 دقيقة.
يظهر لنا من الأرقام تراجع أرقام مشاركاته وأهدافه بالتبعية، علما أن هذا الموسم بدأ ببيسيرو وانتهى بمارتن يول الهولندي وفي المنتصف قاد عبدالعزيز عبدالشافي الفريق بشكل مؤقت دون الاعتماد عليه.
البدري.. مكتشف متعب الذي تسبب في اعتزاله؟
مع رحيل أي مدرب من القيادة الفنية للأهلي، يحلم متعب بفرصة قيادة الهجوم من جديد، حدث ذلك بالملي منذ رحيل فتحي مبروك موسم 2014 حتى عاد البدري في ولايته الثالثة قبل عامين.
حينها تحدث متعب بتفاؤل شديد عن عودة الجزار صائد البطولات لكن البدري أدرك مبكرا أن متعب ليس بنسخة 2005 التي فاز فيها بلقب هداف الدوري أو حتى نسخة 2010 حين عمل تحت قيادته الفنية لأول مرة.
طال انتظار متعب على مقاعد البدلاء لثثار الأزمات المعتادة، غاب عن معظم فترات الموسم، وسجل ثلاثية في لقاء الألومنيوم بكأس مصر، كلها من انفرادات صريحة وأخرى بواقع مجاملة زملائه مثل مؤمن زكريا في هذا اللقاء تحديدا.
في الموسم الأول للبدري لعب متعب الموسم 10 مباريات، بواقع (6 في الدوري - 2 في كأس مصر - 2 في دوري أبطال إفريقيا) بعدد دقائق لعب بلغ 176 دقيقة، سجل خلالها 5 أهداف وصنع آخر، بمعدل هدف كل 35.2 دقيقة.
استمر مسلسل التراجع وظل متعب يتباهي بأرقامه في مداخلاته الهاتفية رغم أن هناك أهدافا سجلها والمرمى خاليا من حارسه.
لم يخدع البدري بهدف متعب في مرمى المقاولون العرب الذي سجله برأسه بعد دقيقة واحده من نزوله، فبدا أنه درس سيرته في السنوات الثلاث الأخيرة جيدا، يسجل ويحتفل ويبدأ أساسي فيتختفي.
كل هذه المؤشرات لم تقنع القناص بضرورة اتخاذه قرار الاعتزال للحفاظ على رصيده في قلوب جماهير الأهلي، فظل على اعتقاده أنه الأفضل بين هجوم الأحمر. حتى مع قدوم القاطرة البشرية وليد أزارو كان ينتظر الفرصة، رغم أن المغربي أنهى موسمه الأول بـ18 هدفا في الدوري فقط.
أبى متعب أن يستسلم لدكة البدري ليقضي 6 أشهر في رحلته الأخيرة بالتعاون السعودي، لم يسجل خلالها هدفا واحدا، ما كشف له ما كنا نهمس به منذ فترة طويلة.
يغادر عماد متعب البساط الأخضر إلى العمل الإعلامي، اعتمادا على رصيده ووسامته، والشفاه لا زالت تردد الهتاف الجماهيري الشهير «أنا ناوي أنا ناوي، عماد متعب أهلاوي».