طلاق المصلحة.. حين يتفق الزوجان على الانفصال لأجل المال
في ظل ظروف اقتصادية صعبة، اتفق محمد شاكر (اسم مستعار) وزوجته على الطلاق رغبة في حصولها على معاش والدها المتوفي لتوفير مزيد من المال.
ما أقدم عليه الزوجان يُسمى «طلاق المصلحة»، بأن يتفق الشريكان على الانفصال بالتراضي التام من أجل منفعة تعود عليهما. وهو شائع بين بعض الأسر المصرية، وفق رصد لموقع شبابيك.
سأطلقها لنعيش
كيف ينوي «شاكر» أن يحقق المصلحة بطلاقه؟، ببساطة سيفعل مثل العديد من أهله في قنا والصعيد وفق كلامه.
بعض الأزواج هناك يكتفون من الأبناء ويقررون الطلاق حتى لو ارتحلوا إلى مكان بعيد، كي تحصل الزوجة على معاشها من ناحية الأب أو الأم كمُطلقة.
يقول: «حمايا كان ظابط، يعني لو بنته اتطلقت هتاخد معاش محترم، وأنا خلاص استكفيت من العيال». لهذا يفكر «شاكر» في التضحية بعقد الزواج الرسمي والاكتفاء بعقد عرفي ليبقى مع زوجته، خاصة أنه مغترب مع أسرته بالفعل خارج مسقط رأسه.
اتفاق ثم خصام
بعد أن أنجبت زوجته الابنة الخامسة، وجد رب الأسرة أن عمله في تجارة الأسماك لم يعد كافيًا ليغطي مصاريف أسرته الكبيرة، خاصة أن ابنته الأولى اقتربت من سن الزواج، وكانت المشكلة الأكبر حين اضطر لبيع متجره وأوشك على الإفلاس.
هنا تتفق معه زوجته على الطلاق كي تحصل على معاش والدها الذي تكفله شركته الحكومية، فقد كان موظفًا كبيرًا بها، وبالفعل حصلت الزوجة على مبلغ 3 آلاف جنيه بعد الطلاق.
لكن المشاكل ازدادت بين الزوجين بعد كتابة عقد عرفي بينهما، حتى مزقاه في لحظة غضب، والآن بعد رحيل الزوج عن زوجته، ما كان منها إلا أن تزوجت بآخر ليأتي لها بالولد بعد طول غياب، وكان زواجها الثاني عرفيًا أيضًا كي يبقى معاشها.
هل القانون يسمح بطلاق المصلحة؟
المحامي بالاستئناف العالي رامي أحمد، يأتيه العديد ممن يطلبون كتابة عقود الزواج العرفي لكنه يرفض لشكه في شرعية هذا الزواج من ناحية، ولمعرفته أن الزوجين يفعلون هذا بعد الطلاق الرسمي من ناحية أخرى سعيًا وراء المعاش، لكن هل من طريقة قانونية لسد هذه الثغرة؟.
يقول إن قوانين المعاشات يهمها فقط وثيقة الطلاق الرسمية من الزوجة بغض النظر عن هدف الطلاق، هل حدث بسبب اختلاف الزوجين ورغبتهما في الانفصال أم حدث بهدف المصلحة والحصول على المعاش، وما من طريقة لاكتشاف ضمير الزوجين.
كثير من الأزواج ينفصلون رسميًا دون علم أحد، ويكتبون عقدًا عرفيًا في الخفاء، وهكذا يبقون في نفس المسكن بلا أي شك في تغيير زواجهما من شرعي إلى عرفي، ويحصلون على معاش الزوجة دون أي مشاكل.
يضيف المحامي أن عقد الزواج العرفي ليس الهدف منه إلا ضمان نسب الأبناء لوالدهم وأمهم، دون الحاجة إلى التحاليل الطبية والمشاكل فيما بعد، لهذا لا يُوثّق في المحكمة، بل يمكن للزوجين كتابته دون محام أصلاً.
الزوجة المطلقة بهدف المصلحة لن تعلن عن زواجها العرفي أبدًا بإرادتها، هي أمام الناس متزوجة، وبالتالي لن يتوقف معاشها، إلا إذا ضبطتها الشرطة بتهمة الزنا، فعندها ستضطر لإظهار الورقة حتى تبرئ نفسها وزوجها، هنا فقط يتوقف هذا المعاش.
متى تلجأ إلى الطلاق؟.. وكيف تعيش حياة جديدة سعيدة؟
هل تظل الأسرة مستقرة؟
هل تسري العلاقة بين الزوجين تحت سقف واحد بالعقد العرفي كما كانت بالعقد الشرعي؟، استشاري العلاقات الاجتماعية والأسرية هايدي القاصد ترى أن الشعور بالذنب سيصاحب الزوجان بلا شك لأن طلاقهم الرسمي كان في السر، وأي شيء يفعله الإنسان سرًا يعني خطأه وذنبه.
تضيف أن الزوجان قد يبحثان عن فتوى بأحقيتهما في هذا المعاش كي يرتاح ضميرهما، ولكن ماذا لو انكشف أمرهما فجأة أمام الناس؟، والمصيبة الأكبر في اكتشاف الأبناء لهذه الحقيقة، فعندها قد يقدم الابن أو الابنة على الزواج العرفي أيضًا لأن الأبوين فعلاه والمفترض أنهما قدوة لأبنائهما.
تنصح «القاصد» بالبحث عن حل آخر لا يخشى منه الزوجان بدلاً من اللجوء للباب الخلفي، مما يجر على البيت مشاكل أكبر.
جريمة يجب محاربتها
أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر أحمد كريمة، يقول لـ«شبابيك» إن هذا الفعل المُسمى «طلاق المصلحة» ليس إلا جريمة شنيعة يرفضها الشرع وتورث مرتكبيها العار الدنيوي والأخروي.
يذكر أن الآيات القرآنية نصّت صراحة على أن الزواج أمر شديد القدسية في الآية 21 من سورة البقرة }وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا{، فالتعبير القرآني «ميثاقًا غليظًا» يبعد الزواج عن أي شكل من أشكال التلاعب، كما أنه لا يهدف إلى التجارة بالحصول على معاش أو غيره.
يضيف أستاذ الفقه والشريعة أن الطلاق بهذه الكيفية الصورية تزوير صريح، والقرآن نهى عن هذه الأفعال بشكل قاطع في قوله تعالى في الآية 30 من سورة الحج }اجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ{ كما ورد في السُنة أن الرسوص (ص) نهى عن قول الزور وظل يكرر النهي حتى أشفق عليه الصحابة وقالوا ليته سكت.
أما عن المال الذي حصل عليه الزوجان من أموال الدولة بهذه الطريقة فهو برأي الشيخ كريمة خبيث يقع ضمن التحذير في الآية 267 من سورة البقرة }وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ{
يرى «كريمة» أن على أجهزة الدولة إجراء التحريات اللازمة عندما تتقدم إحدى الزوجات المطلقات بطلب المعاش حتى تتوقف هذه الجريمة، أو الأشنع منها في حالة الطلاق حتى يتهرب الابن من أداء الخدمة العسكرية.
وبالنسبة للزواج العُرفي، فهو حلال في حالات معينة كالزواج في الصحاري وأهل البدو، حين لا توجد وسيلة لتسجيل الزواج، أما أن يستخدمه الزوجان مهربًا لهذه التجارة فالحرمانية واضحة وصريحة، وفق الدكتور أحمد كريمة.
والحل؟
أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية عزة كريم، ترى أن الزوجة لن تلجأ في الأغلب لهذا النوع من التلاعب إلا إذا كانت في حاجة ماسة إلى المال فعلاً، ولهذا يُفضل البحث عن حل وسط، وهو إعطاء المعاش للمرأة التي تستحقه فعلاً، إذا تقدمت بما يثبت احتياجها بسبب الفقر أو المرض، فهذا سيجنبها الطلاق الرسمي واللجوء لهذا التلاعب القانوني.